أثارت استقالة رئيس الوزراء
اللبناني سعد
الحريري المفاجئة عاصفة لم تهدأ حتى اليوم، جراء توقيتها وعدم عودته من الرياض التي ألقى فيها نص استقالته، في حين ثارت تكهنات حينها بأن ذلك يأتي مقدمة لحرب متوقعة بين
حزب الله اللبناني وإسرائيل، تستوجب عدم وجود حكومة في لبنان في الوقت الحالي.
وعلى الرغم من هذا، كانت جميع الإشارات من
إسرائيل رافضة للحرب مع حزب الله، مع أن الإعلام الإسرائيلي قبل أزمة استقالة الحريري، كان يروج لحرب مع الحزب الذي تدخل في الأزمة السورية.
وكان مثارا للاستغراب عدم الاستعجال الإسرائيلي في شن حرب ضد حزب الله، الذي يلقى معارضة في الجبهة الداخلية اللبنانية، وتوقع بعض المحللين حينها أن الظروف مؤاتية للاحتلال الإسرائيلي لإضعاف الحزب، لا سيما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سبق أن أعلن استراتيجية ضد إيران، تستهدف أذرعها في المنطقة من خلال حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط.
وللوقوف على أسباب ذلك، أوضح الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، قاسم قصير، أن "أي حرب تريد أن تخوضها إسرائيل يجب أن تكون مستوجبة للمتطلبات الأساسية بالنسبة لها".
وبيّن في حديثه لـ"
عربي21" أن أهم هذه المتطلبات "القدرة على النجاح في تحقيق الأهداف، لا سيما الهدف الأساس وهو إنهاء حزب الله، وحسم الحرب بسرعة خلال أيام قليلة، وأن تكون ردة الفعل غير كبيرة في الداخل الإسرائيلي".
ولفت إلى أن إسرائيل تريد أن تضمن أن حزب الله يجب أن يكون غير قادر على توجيه ضربات قاتلة للداخل الإسرائيلي، في حين أن القادة الإسرائيليين يريدون أن تحقق الحرب أهدافها بإنهاء حزب الله عسكريا، وأن لا تتوسع الحرب لتصبح شاملة".
وقرأ قصير أن الإسرائيليين "لم يصلوا حتى الآن إلى مرحلة الحرب"، موضحا أن الظروف الإقليمية والدولية غير ناضجة بعد للقيام بأي حرب، مضيفا: "ونحن نعرف أن إسرائيل لا تقوم بأي حرب دون موافقة أمريكا".
وأشار إلى السبب الآخر، وهو نمو قدرات حزب الله والتخوف من انعكاسات ذلك على الداخل الإسرائيلي، وعدم وجود الإرادة لدى القادة الإسرائيليين بالقيام بهذه الحرب في الوقت الحالي.
ولكنه استدرك بأن "هذا لا يعني أن خيار الحرب مع حزب الله غير مطروح بالنسبة للإسرائيليين، بل هو مطروح، ولكن حتى الآن لم تتوفر الظروف المناسبة لبدء الحرب"، وفق قوله.
وعن سؤال إن كان الإسرائيليون يخشون من التعاطف مع حزب الله في شنه حربا عليه، إذ إن الحزب خسر تأييدا عربيا واسعا بعد تدخله في سوريا، قال إن الأمر مرتبط بطبيعة الحرب.
وأوضح أن أي حرب عادة لا تحصل وفقا للحسابات الشعبية، بل للموازين العسكرية، مشددا على أن حسابات التعاطف ليس لها تأثير على قرار الحرب، فعندما تتوفر الظروف الميدانية لن تنتظر إسرائيل وأمريكا كثيرا لشن معركة ضد حزب الله.
وأكد أن التعاطف هنا ليس ضمن الحسابات بسبب أن إسرائيل تريد حربا تنهي حزب الله، ولا يريد حربا تمنحه القدرة على إعادة تقديم نفسه كمقاومة، مؤكدا أن "الإسرائيلين لا يهمهم مصداقية الحزب أو التعاطف معه، بل يهمهم إنهاء دور الحزب وحسم المعركة".
وعن ترويج الكتاب الإسرائيليين عبر وسائل الإعلام قبل استقالة الحريري لحرب مع حزب الله، رأى أن"الإسرائيليين كانوا يتخوفون من أن حزب الله في حال عودته من سوريا سيكون أقوى مما عليه اليوم، لذلك كانوا يستعجلون الحرب قبل عودته من سوريا".
في المقابل، أوضح أن "حزب الله ليس مستعجلا خوض حرب مع إسرائيل، بل حريص بالتعاطي مع الأمور بهدوء، بسبب الظروف، وإن كان يستعد لأي حرب يمكن أن تحصل".
ولخص الأمر بأن "حزب الله الآن لا يفتح حربا، ولكنه يستعد لها، وفي المقابل إسرائيل تريد حربا، ولكنها لا ترى أنه حان وقتها الآن، وما زالت تتجهز لها".
"ليس للبنان مصلحة"
من جانبه، اعتبر ئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب "القوات اللبنانية" شارل جبور، المعارض لسياسات حزب الله، أن الحديث عن حرب بين إسرائيل والحزب "هراء لا أساس له".
وشدد في حديثه لـ"
عربي21" على أن "اللبنانيين غير معنيين بكل هذا الكلام، فالأولوية اللبنانية هي تحييد لبنان عن أزمات المنطقة، وليس استجلاب حروب إليها".
وأشار إلى أن الهدف من استقالة الحريري ليس قيام حرب مع حزب الله، بل إنها تهدف"للابتعاد عن أزمات المنطقة، ولأجل الحفاظ على استقرار لبنان"، موضحا: "لذلك الحديث عن الحرب في لبنان نحن غير معنيون به، فضلا عن أننا نعمل جاهدين على الابتعاد عن كل الحروب، حفاظا على لبنان".
وشدد على أهمية التزام كل القوى السياسية بالالتزام بالدستور اللبناني من أجل منع استجرار أي حروب خارجية، وفق قوله.
وشدد على أن "استقالة الحريري جاءت بهذا الوقت من أجل إيصال رسالة لحزب الله بضرورة خروجه من أزمات المنطقة، والنأي بالنفس من أجل الحفاظ على لبنان".
ورأى أن الحرب غير مطلوبة في المرحلة الحالية، موضحا أن "الأزمة الحالية هي بين حزب الله والعمق العربي اللبناني وشريحة واسعة من اللبنانيين والعرب والمسلمين، انطلاقا من تدخله في سوريا والعراق واليمن والبحرين، بالتالي المسألة ليست مسألة حرب، فنحن لا نتوقع حربا من هذا النوع".
وقال: "نسعى مع الدول العربية والمجتمع الدولي من أجل أن ينسحب حزب الله من أزمات المنطقة، من أجل تحييد لبنان عن أي حرب لا طائل منها".
وحول ما روجه الإعلام الإسرائيلي سابقا من حرب مع حزب الله، قال: "نحن في لبنان لا نتوقف عند هذا الكلام، بل كل ما يهمنا هو الضمانة الأساسية للسلام اللبناني".
ما يترتب على الحرب
أما أستاذ العلوم السياسية، الدكتور عبد الستار قاسم، فقال إن "الإعلام الإسرائيلي كان يروج لحرب، ولكن هل كانت إسرائيل ستحارب فعلا؟".
وأوضح لـ"
عربي21" أن "إسرائيل ليست مستعدة للحرب بعد، والسبب أن جبهتها الداخلية ليست على ما يرام، وأنها غير قادرة على استيعاب حرب جديدة لما سيترتب على إثرها من "مهاجرين في لبنان وصدامات وقتلى من الجانبين، وربما تدمير مصانع وأبنية في الداخل الإسرائيلي.
وشدد على أن "الجبهة الداخلية الإسرائيلية ليست قوية بما يكفي لتستوعب حربا جديدة مع حزب الله".
وأشار إلى أن "إسرائيل تعرف أن قدرات حزب الله تضاعفت عبر السنوات"، متسائلا: "إذا كانت إسرائيل لم تستطع تحقيق النصر عام 2006، فهل تستطيع تحقيق النصر في 2017؟".
وأجاب بأن إسرائيل "لو كانت متأكدة من النصر، لشنت حربا على حزب الله، ولكنها غير مستعدة،
إذ إنها استفادت من تجربتها في غزة".
تجربة غزة
وأوضح أن "إسرائيل جرّبت نفسها في ثلاث حروب متتالية، ولم تفلح، في الوصول إلى هدفها الإساس وهو إنهاء عدوها"، مؤكدا أن هذا هو السبب الأساس الذي يدفع إسرائيل إلى تأجيل المواجهة، وهو اعتقادها بأن الظروف غير مناسبة بعد لتحقيق هدفها الرئيس من أي حرب في جنوب لبنان، وهو إنهاء حزب الله.
وعن استراتيجية ترامب التي تسعى إلى محاربة أذرع إيران في المنطقة، أوضح أن "محاولة استجرار إيران من خلال حزب الله لا يصب بمصلحة أمريكا، فهي تريد استجرار إيرن بحيث تستنزفها ماليا وعسكريا، ولكن في لبنان لا يمكن ذلك".
وأكد أن الإيرانيين يخضعون الأمور للدراسة، وليس بمثل هذه السهولة يمكن جرّهم من خلال حرب مع حزب الله.
ولفت إلى أن حزب الله جاهز عسكريا لأي مواجهة، وفق قوله، موضحا أنه أكيد من أن حزب الله رغم تواجده في سوريا، إلا أن القوة الضاربة له في مواجهة إسرائيل ما زالت موجودة على الأرض اللبنانية وجاهزة لأي حرب"، وفق قوله.
وذهب إلى أن وجود حزب الله في سوريا، "لم يؤثر على قدراته في مواجهة إسرائيل".
ولكنه شدد على أن حزب الله يعتبر أن الظروف غير مواتية له أيضا لخوض حرب مع إسرائيل.
ولفت إلى أن حزب الله "يواجه مشكلة في الجبهة الداخلية، فقوى 14 آذار تقف ضده، بالتالي فإن حزب الله حريص على أن لا يحدث تفسخات اجتماعية في الداخل اللبناني".
وختم بالقول إن "كل الأطراف المعنية ليست في وضع يؤهلها الآن لشن أي حرب".