هناك من يدعي بأن الصراع العلماني الإسلامي ليس سوى مجرد فرضية مغلوطة، وأن الاستمرار في محاولة التخفيف من حدته وتداعياته؛ هو وقت ضائع وجهد بلا معنى.. وهذا الرأي يردده الكثيرون في تونس وفي خارجها، بناء على منطلقات نظرية وسياسية تختلف من طرف الى آخر.
يتمنى المرء أن يصدق هذا القول، خاصة في السياق التونسي. فالمتأمل في هذه التجربة غير المكتملة والهشة؛ يجدها قد أقدمت على قطع خطوات هامة في سبيل تفكيك عدد من الألغام التي كانت تشكل مبررا لتجدد المواجهات الحادة بين العلمانيين والإسلاميين. حصل ذلك على أكثر من صعيد، سواء في صياغة الدستور الجديد، أو عند وضع بعض التشريعات الخاصة بقضايا حساسة كانت في مرحلة سابقة ساحة للخلاف والاشتباك بين الطرفين. بل إن العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين في تونس تجاوزت الجدل الإيديولوجي، وانتقلت إلى خوض تجارب عملية، ليس فقط بتأسيس جبهات معارضة للدكتاتورية، وإنما تم أيضا تشكيل حكومات ائتلافية لم تكن قبل الثورة واردة في أي سيناريو من السيناريوهات الممكنة. تم ذلك في عهد الترويكا، ثم تجددت المحاولة مع تحالف النهضة النداء بعد حرب شرسة بينهما كادت أن تدفع بالبلاد نحو المجهول.
المتأمل في التجربة غير المكتملة؛ يجدها قد أقدمت على قطع خطوات هامة في سبيل تفكيك ألغام كانت تشكل مبررا لتجدد المواجهات الحادة بين العلمانيين والإسلاميين
بسبب هذه التجارب، ظن الكثيرون أن الانقسام الإيديولوجي بين ذوي الخلفية الدينية والخلفية العلمانية قد تم تجاوزه على المستويين النظري والعملي، لكن المتابع لما يجري على أرض الواقع يكتشف أن لعبة القط والفأر مستمرة، وأن كل طرف منهما لا يزال يصر على القول بأن منافسه أو خصمه ليس صادقا في تبنيه لاختيار المصالحة الفكرية والسياسية. لهذا، يسعى كل طرف من جهته نحو البحث عن أدلة أو مؤشرات في سلوك المنافس وفي خطابه، من أجل اثبات الإدانة بهدف إخراجه من الحلبة.
هناك جانب مسرحي أصبح طاغيا على الحياة السياسية التونسية، مما جعل عقلية المناورة تتغلب على الوضوح والنزعة المبدئية. وهذه المعضلة هي التي جعلت الثقافة السياسية لدى الجميع تتعثر بشكل ملحوظ ولا تتقدم بجرأة نحو بناء الثقة بين اللاعبين الجدد.
عندما تتحدث مع الأطراف التي توصف بكونها علمانية، تجدها تؤمن ضمنيا أو تصريحا بأن حركة النهضة ومن يؤيدها في الأوساط الدينية لم تتطور بشكل جدي وقطعي
الركن الصلب من الخطاب الإيديولوجي الذي تشكل لدى طرفي النزاع في مرحلة الستينات؛ لا يزال فاعلا ومحددا لشخصية هؤلاء