صرح عددٌ جم من الرؤساء والعلماء والكتاب وأصحاب الرأي والتأثير؛ بخطورة ما ينوي فعله الرئيس الأمريكي في
فلسطين المحتلة منذ عام 1948م، والمتمثل في نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة
القدس، وهو ما يعني ضمناً أنَّ القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.. وعبروا عن ذلك بجملٍ كثيرة وعبارات مريرة، أبرزها أنَّ مدينة القدس خطٌ أحمر، وأنَّ ما ينوي الرئيس الأمريكي فعله لا يمكن حصوله؛ لأنَّ المسجد الأقصى ومدينة القدس عربية إسلامية.. هذا كلام جميل يدلل على صدق الانتماء والوطنية، لكنَّ التساؤل البديهي في تلك الصرخات المدوية، والكتابات المعبرة، يقول: ما هي إمكانية رسم الخطوط الحمراء؛ إن لم يكن بيدك ما تدفع به هذه النوايا التي ما تجرأ أصحابها للفصح عنها إلا في هذا الوقت بالتحديد؟ لذلك قد تبرز مجموعة من الأسئلة الكئيبة التي تشي بصورة سوداء أمام هذا الموقف التاريخي العصيب، أهمها ما يلي:
1- هل الدول العربية المطبعة مع الاحتلال الصهيوني جاهزة أن تُضحي بمصالحها المختلفة من أجل مدينة القدس؟
2- هل الشعوب العربية المنهكة بمشكلاتها التي لا تُعد ولا تُحصى؛ مستعدة أن تخرج دفاعاً عن المسجد الأقصى ومدينة القدس؟
3- هل السلطة الفلسطينية لديها من الخيارات الحقيقية للضغط على الرئيس الأمريكي لكي يتراجع عن نيته السيئة؟
4- هل تمتلك الفصائل الفلسطينية في غزة - التي يعاني أهلها من حصار خانق لأكثر من عشر سنوات تخللتها ثلاث حروب ضارية - من الخيارات لإيقاف الهجمة البربرية على مدينة القدس وضواحيها؟
إنَّ الاحتلال الصهيوني، منذ سنوات طويلة، ينتظر هذه اللحظة الفارقة في وجوده غير الشرعي على أرض فلسطين، لكنه لم يكترث لوجوده المزعوم، ودأب مجتهداً نحو تنفيذ خطته اللئيمة للوصول لحلمه الحاقد. فهو ليس بالعاجز الذي يملأ الدنيا صراخاً دون أن يحصد الثمار، بل أطلق كل إمكاناته المادية والمعنوية للحصول على هدفه، وما حال الشعوب العربية التي تنزف دماً كل يوم، نتيجة الفوضى الخلاقة التي صرحت بها وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا "كوندي" رايس من قلب العاصمة العربية الكبيرة (القاهرة)، إلا بيئة صالحة لقطف الثمرة المرجوة، والحلم البغيض لذاك الكيان الغاصب.
لا أقصد من تلك الصورة الأليمة التشاؤم أو التراجع أو الانهزام، ولكنها قراءة الواقع الحقيقي، الذي يجب أن يستفز طاقاتنا نحو تصحيح المسار، وترتيب أولوياتنا حتى لا يحصل ما نخاف منه ولا نرضاه. لذلك، فإننا مطالبون بأن نوحد صفوفنا من جديد، ونرمي عدونا الحقيقي من قوس واحدة؛ حتى لا يتمادى في طغيانه الشديد. وعلينا أن ننشط في المحافل كافة؛ على المستوى الشعبي والرسمي والإعلامي، لكي نمنع هذه الكارثة التاريخية الكبيرة.. يجب أن تطرد جميع الدول العربية والإسلامية سفارات كل من تُسول له نفسه بالعبث في مدينة القدس، ويجب أن يُدرك الوطن العربي والإسلامي أنَّ سبب مصائبه المتعاقبة هو وجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، لذلك وجب عليه أن يعمل موحداً لإنهاء الاحتلال في أقرب ممكن.