خلافا لكل أسلافه وسابقيه من الرؤوساء، اعترف
ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وقرر نقل السفارة الأمريكية إلى
القدس، ليشعل براكين الغضب في العالم الإسلامي، ويوحد كل الأحرار لنصرة القدس وفلسطين ويبرز الحقيقة العارية التي تغافل عنها العرب؛ أن أمريكا وسيط غير نزيه في عملية السلام المزعوم، وأنها دوما تدعم الصهاينة وتسعى لتصفية القضية
الفلسطينية، لكن حكام العرب يغضون الطرف عن هذا الأمر، ويخدعون شعوبهم بسلام هش لا يسمن ولا يغني من جوع.
رغم المأساة الدامية للقدس بقرار ترامب، إلا أنها فرصة تاريخية لتوحد الشعوب الإسلامية لتقوم بواجبها تجاه قضية القدس وفلسطين؛ ورفض قرار للرئيس الأمريكي دونالد ترمب للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
قطعا خطوة ترامب الجنونية لم تأت من فراغ، فالهوان العربي هو ما أغرى ترامب في القدس، فضلا عن أن الإدارة الأمريكية سعت لاستغلال الصراعات الدامية في بلدان الربيع العربي والشرق الأوسط؛ لإقرار أوضاع ظالمة لصالح الكيان الصهيوني وضياع الحقوق العربية في القدس عاصمة الدولة الفلسطينية.
لكن من يراقب تصرفات ترامب ومنهجه البراجماتي؛ يتأكد أن ترامب لا يهمه أن تكون القدس مدينة مقدسة أو غير مقدسة، ولا يهمه كذلك أن تكون من حق الفلسطينيين أو
الإسرائيليين، المهم أن تكون ثمنا مقنعا للبقاء على كرسي السلطة في وقت تتنازعه الأزمات والفضائح التي تهدد عرش ترامب.. فقطعا الاعتراف الأمريكي بالقدس الشريف عاصمة لإسرائيل لا يرضي حكام الكيان الصهيوني وحدهم، ولكنه يرضي كذلك المتطرفين الأمريكيين واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، وكل هؤلاء لهم تأثير قوي بالنسبة لترامب، وهو يصراع على البقاء في منصبه بأي ثمن.
وإذا كانت هذه منافع ترامب من قراره الجنوني، فإن خسائره فادحة في العالم العربي، حيث أشعل انتفاضة في الضفة وغزة، فقد انطلقت "شرارة الانتفاضة" ضد العدوان على المدينة المقدسة، فالشعب الفلسطيني مستعد لأن يفدي القدس بدمائه وأشلائه، ولن يستسلم في مواجهته مع الاحتلال الذي أمطر المتظاهرين بوابل الرصاص والقنابل المسيلة للدموع من أول لحظة، فضلا عن الغارات الوحشية على غزة، مما أدى إلى سقوط شهداء وجرحي. وقد تواصلت فعاليات الانتفاضة في كافة مناطق التماس في القدس والضفة المحتلتين وقطاع غزة، بالتزامن مع تواصل الفعاليات التضامنية في عواصم عربية وعلى رأسها مصر، رفضا للقرار الأمريكي الظالم بشأن القدس.
وكانت المفاجأة خروج مظاهرة حاشدة في الجامع الأزهر والجامعات المصرية؛ بعد أن ظن الجميع أن الشعب المصري أصبح من الأموات بعد سنوات من القمع والبطش، والذي تمارسها السلطة الحالية وبعد حملات التضليل والزييف والخداع التي يمارسها الإعلام المصري ضد الجماهير، والتي رُوّج فيها للسلام الدافئ مع العدو الصهيوني الذي أصبح صديقا؛ في الوقت الذي روّج الإعلام المضلل لـ"إرهاب" حماس والمقاومة.
كل ذلك التضليل تبدّد مع الانتفاضة الشعبية لنصرة الأقصى، أيضا الموقف المشرف لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي دعا للتضامن والتظاهر لنصرة القدس ورفض استقبال نائب الريس الأمريكي، وهو يسطر بذلك صفحة مضيئة في تاريخ الأزهر الشريف.
لكن يبقى الموقف المشرف للرئيس التركي رجب أردوغان، والشعب التركي الذي انتفض برجاله ونسائه ضد قرار ترامب معتبرا أن القدس خط أحمر. أفضل ما في هذه الانتفاضة الشعبية أنها وحدت الشعوب وقوى الثورة على هدف واحد، وعدو واحد، وهو الكيان الصهيوني وحلفاؤه في المنطقة، وهذا من غباء ترامب.. والغباء جند من جنود الله؟.. "وما يعلم جنود ربك إلا هو".. اللهم انصر القدس وأعز المسلمين المستضعفين في كل مكان يارب العالمين.