ظل الوضع الصحي للرئيس الجزائري عنوانا للجدل السياسي في البلاد خلال السنوات الأخيرة وخاصة في 2017، لكن توقعات لمراقبين ترى في العام 2018 محطة للحسم في مسألة خلافته بعد دخول ولايته الرابعة عامها الأخير.
"الرئيس بصحة جيدة".. "الرئيس يتابع كل صغيرة وكبيرة في البلاد".. بهذه العبارات يرد الرسميون في الجزائر منذ قرابة أربع سنوات على تصريحات لمعارضين وإشاعات حول تدهور الوضع الصحي للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.
وتعرض بوتفليقة (81 سنة) في نيسان/ أبريل 2013 لجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة ومخاطبة شعبه، لكنه واصل الحكم وفاز بولاية رابعة العام 2014 كما يستقبل الضيوف الأجانب والمسؤولين المحليين باستمرار.
وطيلة هذه المدة بقيت البلاد ساحة لجدل سياسي حاد بين معارضة تعده غير قادر على الحكم وأن هناك من يدير البلاد باسمه، وموالاة تنفي وتؤكد أنه بكامل قواه الذهنية رغم معاناته جسديا، وأنه يدير البلاد بصفة عادية، وقد يترشح لولاية خامسة العام 2019.
الولاية الخامسة.. شعار الموالاة
ووسط هذا الجدل تلتقي قراءات مراقبين على أن العام 2018 وهو آخر سنة في ولاية بوتفليقة الرابعة قد يكون محطة حاسمة لإنهاء هذا الجدل، وذلك بفصل النظام في مسألة خلافته وإنهاء مسيرة حكم دامت قرابة 20 سنة، وجعلت منه أكثر رؤساء البلاد مكوثا في الحكم.
وفي الوقت نفسه، يعد آخرون أن النظام الحاكم في البلاد أطلق إشارات خلال الأشهر الأخيرة، مفادها أن الرئيس بوتفليقة سيواصل مسيرة قيادة البلاد لولاية خامسة في انتخابات الرئاسة لعام 2019 مادام أن المانع الدستوري غير موجود .
وقال جمال ولد عباس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الذي يرأسه بوتفليقة، إن الأخير هو مرشح هذه التشكيلة السياسية العام 2019 إلا إذا رفض ذلك، فيما أكد شريكه في الحكومة التجمع الوطني الديمقراطي أن أمينه العام أحمد أويحي الذي هو رئيس الوزراء، لن يدخل هذا السباق إذا ترشح الرئيس.
وقبل أشهر أعلن اتحاد الزوايا وهو أكبر تجمع لمنظمات صوفية لها نفوذ في الوسط الديني بالجزائر، أنه يرشح بوتفليقة لولاية خامسة.
والخميس 7 كانون الأول/ ديسمبر قال أحمد أويحي رئيس الوزراء في لقاء مع جالية بلاده خلال زيارة إلى فرنسا، إن "الرئيس بوتفليقة بصحة جيدة ولا وجود لعلبة سوداء (جماعة خفية) تدير البلاد مكانه" ردا على اتهامات لمعارضين بوجود جهات تقرر مكانه.
وصرح جين إيف لودريان وزير خارجية فرنسا لإذاعة فرنسية الجمعة 8 كانون الأول/ ديسمبر 2017 أنه لاحظ خلال مشاركته في لقاء بين بوتفليقة وإيمانويل ماركون خلال زيارة الأخير إلى الجزائر أن "الرئيس الجزائري بصحة جيدة".
وبحسب روايته، فإن "بوتفليقة يتمتع بكامل قواه الذهنية وعلى اطلاع بكل الملفات الدولية والمحلية رغم معاناته جسديا"، وهو تصريح فهمته أوساط جزائرية على أنه تزكية مسبقة من فرنسا، التي تعد أكثر الدول نفوذا سياسيا واقتصاديا في البلاد، لاستمرار بوتفليقة في الحكم.
وكانت سنة 2017 بمنزلة عام "غلق" السلطات الجزائرية لملف انتخابات الرئاسة المبكرة الذي ظلت عدة أقطاب معارضة تطالب به بسبب الوضع الصحي للرئيس .
وفي رسالة للجزائريين بمناسبة ذكرى اندلاع الثورة التحريرية غرة تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 أكد بوتفليقة أن من يريد الوصول إلى الحكم عليه انتظار العام 2019 تاريخ تنظيم انتخابات الرئاسة، فيما رفضت قيادة الجيش من خلال عدة تصريحات دعوات للتدخل وعزل الرئيس.
ويرجح وفق رزنامة المواعيد الانتخابية في الجزائر أن تنظم انتخابات الرئاسة القادمة في النصف الأول من العام 2019، لكن سنة 2018 ستكون وفق مراقبين "سنة الحسم" في مسألة الرئيس القادم داخل مراكز الحكم بالبلاد.
وتصنف تقارير دولية النظام الجزائري من بين الأكثر تعقيدا في العالم من حيث طبيعة نظام الحكم وشبكات النفوذ فيه، وعنونت مجلة "لاكروا" الفرنسية عددها لشهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي الذي خصص للجزائر بـ "تحقيق حول البلد الأكثر غموضا في العالم".
ثلاثة سيناريوهات..
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر نصير سمارة، "المتتبع لمسار النظام الحاكم في الجزائر منذ الاستقلال، يجد أن مسألة الرئاسة تحسم داخله باختيار مرشحه وذلك قبل 6 أشهر على الأقل عن موعد الانتخابات الرسمي".
وتابع: "وبالتالي فسنة 2018 وخاصة النصف الثاني منها سيكون محطة للفصل في مرشح النظام الحاكم".
وبرأي هذا الخبير "هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة حاليا للفصل في المسألة".
وأوضح "الأول أن يترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة وهذا الأمر وارد إن رغب هو بذلك وكانت صحته تسمح له بالمواصلة، ولا أعتقد أن هناك من يعارضه في النظام بما في ذلك المؤسسة العسكرية، التي تضم ضباطا وصلوا القيادة في عهده ولن يعارضوا رغبته".
أما السيناريو الثاني وفق محدثنا "فهو أن مؤشرات ظهرت في الساحة خلال الأشهر الأخيرة، تفيد بإمكانية أن يرشح بوتفليقة أحد أشقائه لخلافته وفي مقدمتهم شقيقه ومستشاره الخاص سعيد".
وحسبه "هذا الأمر قد يكون صعب التجسيد واقعيا نظرا لأنه سابقة في تاريخ النظام، لكن الإيعاز لشخصيات سياسية بالترويج له ليس بأمر عفوي".
أما السيناريو الثالث حسب الدكتور سمارة فهو "أن تحسم قيادات في الجيش هذه المسألة على طريقتها ووفق ما شهدته الجزائر سابقا، باختيارها مرشحا لخلافة بوتفليقة وتقديمه للسباق، وهذا هو السيناريو الأكثر ترجيحا برفقة السيناريو الأول الخاص بترشح الرئيس لولاية خامسة".
ولا يدعم محدثنا الطرح القائل بلعب العامل الخارجي دورا كبيرا في اختيار خليفة بوتفليقة نظرا؛ لطبيعة النظام الجزائري الذي التزم باستقلالية نسبية في قراره تاريخيا، رغم الحديث عن نفوذ فرنسي في البلاد .
أدوار الجيش
ورغم ترجيح عدة تقارير محلية ودولية لفرضية أن الكلمة الأخيرة تعود لقيادة الجيش في حسم مسألة الخلافة، إلا أن العقيد المتقاعد في الجيش رمضان حملات يرى عكس ذلك.
وقال حملات إن "قناعتي هي أن المؤسسة العسكرية ستكون محايدة وبدور الضامن للاستقرار خلال سباق الرئاسة القادم، بالنظر إلى إصلاحات داخلية شهدتها خلال السنوات الأخيرة جعلت منها تتجه نحو الاحترافية".
ونشر هذا الضابط المتقاعد في المدة الأخيرة سلسلة مقالات حول القضية في صحف محلية، تحدث فيها عن رؤيته لدور الجيش خلال انتخابات الرئاسة المقررة في 2019.
ونهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي نشر العقيد حملات مقال رأي في صحيفة الشروق تحت عنوان "رئاسيات 2019.. أي دور للجيش؟".
وانتقد فيه هذا العقيد المتقاعد من يدعون الجيش للتدخل في السياسة بالتأكيد "لا أحد يستطيع إيقاف قافلة التغيير والإصلاح، الذي باشره الجيش تحت قيادة الفريق أحمد قايد صالح ناىْب وزير الدفاع ورىْيس أركان الجيش الوطني الشعبي، وأن عهد الوصاية والابتزاز قد ولى إلى غير رجعة، والاستقواء بالخارج لم يعد يجدي".
وتابع: "ومن كان يراوده الشك في كل هذا، فموعدنا الانتخابات الرئاسية القادمة وبداية النهاية للتغيير والإصلاحات التي بادرت بها القيادة العسكرية العليا، التي نتمنى لها التوفيق في خدمة البلد وحمايته".
قرارات رئاسية تاريخية لبوتفليقة لصالح الأمازيغ.. تعرف عليها