ودعنا سنة 2017 على إيقاع قصف إعلامي مكثف؛ يعيد أهم الأحداث التي حصلت خلال هذه السنة، لكن من غير أن يسمح لنا هذا القصف بالسؤال: أين يتجه العالم؟ وما موقعنا في مسرح التحولات الكبرى الجارية؟
لن نساير وسائل الإعلام في تعداد أحداث السنة، وأهم التطورات التي حصلت فيها، فذلك لا يستدعي أكثر من رصف الأحداث وتحريك الأرشيف السابق، وتقديم الأولى فالأولى، بحسب الحدث ونوعيته، وآثاره في صناعة السياسات الداخلية أو الخارجية مع جهد في الاختيار والعنونة.
طبعا، هذا عمل ليس بالأمر الهين، لكن، نفضل أن نمضي إلى ما هو أهم بالنسبة إلى بناء الوعي العربي الإسلامي، وأيضا بالنسبة إلى استعادة الذاكرة الجماعية، وذلك بقراءة هذه الأحداث في ضوء الاستراتيجية، وطرح سؤال التقدم والتراجع في موازين القوى السائدة، وسؤال تحولات النظام العالمي، وأثر ذلك على القضايا العربية والإسلامية، وعلى قضية التحول الديمقراطي.
باستقراء أحداث السنة، يمكن أن نسجل عددا من التحولات في اتجاهات السياسة الدولية نذكر منها:
- تراجع الدور الأمريكي في صناعة الأحداث الكبرى، خاصة في منطقة الشرق الأوسط ومستقبل عملية السلام.
- فشل خيارات ما بعد الربيع العربي، في كل من مصر واليمن وليبيا.
- حصول تقدم كبير للدور الروسي في المنطقة، سواء على مستوى عدد الشراكات الاستراتيجية التي عقدتها مع الدول العربية، أو على مستوى تقدم محورها في الملف السوري.
- بروز الدور التركي والإيراني من جديد، وحصول تقارب استراتيجي بين إيران وتركيا في العديد من القضايا المشتركة.
- تراجع الدور السعودي في المنطقة، وحصول اختراقات خطيرة في منظومة أمنها القومي؛ برزت من خلال تنامي الدور الحوثي في اليمن، واستعصاء عملية تطويعه رغم الدور العسكري الذي قامت به دول التحالف.
- فشل السعودية والإمارات في تطويع قطر، ونجاح سياسة قطر في دفع دول الخليج إلى تحصين مكتسباتها الحيوية، خاصة منها المؤسسية الممثلة في مجلس التعاون الخليجي.
- فشل أمريكي ذريع في تمرير قرارها بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
- بروز استهداف دولي جديد لإيران لزعزعة استقرارها السياسي، على شاكلة ما عرفته تركيا في أحداث تقسيم وما تبعها.
هذه باختصار أهم العناوين التي رسمت صورة اتجاهات السياسة الدولية في السنة الماضية، وهي في جوهرها واتجاهها العام تذكي السمات العامة للنظام الدولي الجديد، التي ارتسمت منذ مدة غير يسيرة، والمحكومة بطابع الفوضى واللانظام وفقدان القيادة، وبروز عدة توترات في بعض المناطق الحيوية، وغياب آليات لتسوية صراع المصالح، وعدم الاحتكام لآليات دولية فعالة لحل النزاعات، لكنها من جهة أخرى، تكشف استمرار سمة تراجع في الدور الأمريكي في قيادة النظام الدولي وتوجيه دفته، واتساع هوامش المناورة بسبب اختلال موازين القوى السائد، وبروز قوى إقليمية استطاعت بذكاء أن تستفيد من اتجاهات السياسة الدولية، وتراكم ذلك لمصلحتها، ولفائدة تقوية دورها الإقليمي، كما هو الشأن بالنسبة لإيران وتركيا على السواء.
إيران استمرت في مراكمة مكتسباتها الاستراتيجية على حساب الأمن القومي السعودي، ولم تنجح السعودية في الاستفادة من نفوذها
أما تركيا، فقد نتج عن مراجعتها الكلية لسياساتها الخارجية، تحقيقها لمكاسب استراتيجية غير مسبوقة
استمرار ظاهرة عدم الاستقرار السياسي والأمني في عدد من البلدان، ومنها على الخصوص ليبيا واليمن، مع بروز تحديات أمنية متسارعة في مصر
اتجاهات السياسة الدولية ستكون محكومة بسمة التوتر أكثر، وستتنامى اتجاهات الخلخلة من الداخل لمنع بعض الدول من الاستمرار بمنحناها التصاعدي، كما ستتجه نحو مزيد من التحللات في بنية النظام العربي
هل يمكن لفلسطين أن تكون وادي السيليكون في العالم العربي؟
غضبة القدس واحتجاجات الشعوب.. وماذا بعد؟!