نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا، تحدثت فيه عن مضاعفات
الأدوية المهدئة والمسكنة للآلام على مستوى إنتاج هرمون التستوستيرون الذي يحفز الشهوة لدى الرجال. وقد تطرقت دراسة فرنسية دنماركية إلى تأثير تلك الأدوية على البالغين، حيث ثبت أنها تحدث اضطرابات على مستوى الغدد الصماء خاصة عند تناولها من دون وصفة طبية.
وقالت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن
المسكنات شائعة الاستخدام التي تحتوي على الإيبوبروفين، من شأنها أن تعطل إنتاج هرمون الذكورة، التستوستيرون، ما قد يترتب عنه تأخر الإنجاب. وقد تم بالفعل رصد اضطرابات على مستوى الغدد الصماء بالنسبة لبعض الفتيان بسبب تناول أمهاتهم لهذه الأدوية خلال فترة الحمل.
وأشارت الصحيفة إلى دراسة فرنسية دنماركية، تم نشرها يوم الاثنين 8 من كانون الثاني/ يناير في الأكاديمية الأمريكية للعلوم. وقد كشفت هذه الدراسة أن الإيبوبروفين يعمل أيضا على تغيير فسيولوجيا الخصية لدى البالغين، في حال استهلاكه لفترة طويلة.
وأضافت الصحيفة أن هرمون الذكورة، التستوستيرون، ينتج أساسا في الخصية، وذلك نتيجة عملية التحفيز من قبل هرمون لوتينيزينغ الذي تفرزه الغدة النخامية. ويعد هرمون التستوستيرون ضروريا للتنمية السليمة، وحسن الأداء
الجنسي والصحة بشكل عام لدى الذكور.
وأوضحت الصحيفة أن التغيير الذي قد يطرأ على إنتاج هرمون التستوستيرون يتجلى عند الجنين من خلال اختفاء الخصيتين (عدم نزولهما في كيس الصفن) أو الإحليل التحتي (تشوه خلقي على مستوى فتحة مجرى البول). أما عند البالغين، يتجلى ذلك عن طريق انخفاض الرغبة الجنسية، والمشاكل النفسية والعضلية الهيكلية واضطرابات الخصوبة.
وأفادت الصحيفة أن الدراسة الفرنسية الدانماركية قد عملت بشكل مكثف على آثار المسكنات التي يقع تناولها وفقا "لوصفة طبية اختيارية"، على غرار الباراسيتامول والأسبرين والإيبوبروفين، التي تعد من أكثر العقاقير استهلاكا في العالم. وقد تم العمل على هذه الدراسة من قبل برنار جيجو من المعهد الوطني للصحة والبحث الطبي الفرنسي بالشراكة مع عدة مجموعات دنماركية، فضلا عن فريق من نانت الفرنسية ومستشفى جامعة رين.
وأوردت الصحيفة وجهة نظر برنار جيجو الذي أوضح أن "البحث، الذي أجري بالتعاون مع الزملاء الدنماركيين، قد أظهر أن المسكنات التي تم استهلاكها من قبل 70 بالمائة من النساء الحوامل اللاتي خضعن للدراسة، قد ضاعفت خطر الإصابة باختفاء الخصيتين بنحو مرتين بالنسبة للنساء اللاتي يستهلكن الباراسيتامول ويرتفع الخطر إلى نحو خمس مرات بالنسبة للسيدات اللاتي يستهلكن الإيبوبروفين. أما في حال وقع الجمع بينها، يتضاعف خطر المسكنات إلى أكثر من 16 مرة وذلك بسبب الآثار المترتبة على هذا المزيج".
وأضافت الصحيفة أن الفريق الفرنسي الدنماركي قد جمع بين ثلاثة أنواع من التجارب بالنسبة للبالغين، تجربة سريرية (متطوعون في
صحة جيدة تم اختيارهم عشوائيا من بين مجموعة تستهلك الإيبوبروفين ومجموعة أخرى تتلقى العلاج الوهمي)، وزراعة أجزاء من الخصية البشرية، وزرع السلالة الخلوية البشرية المنتجة للستيرويد.
وذكرت الصحيفة أنه خلال التجربة السريرية، التي شملت 31 رجلا تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة، تلقى 14 منهم قرصين من الإيبوبروفين من فئة 600 ملغ يوميا، في حين تلقى الباقون العلاج الوهمي. وعلى عكس الأشخاص الذين تناولوا الدواء الوهمي، سجل الأفراد الذين تلقوا الإيبوبروفين ارتفاعا عاليا في هرمون لوتينيزينغ ومستويات هرمون التستوستيرون الطبيعية. وفي هذا الصدد، أفاد برنار جيجو أن "هذه الظاهرة معروفة لدى كبار السن بقصور الغدد التناسلية المعوض، فبما أن الخصية تجد صعوبة في إنتاج التستوستيرون، تقوم الغدة النخامية بضخه لتعويض النقص".
وأشارت الصحيفة إلى أن تعرض أجزاء الخصية المزروعة بشكل مباشر لجرعات من الإيبوبروفين، المعادلة لتلك التي تم استعمالها في التجارب السريرية، يقلل بشدة إنتاج هرمون التستوستيرون في حين يؤثر على هرمونات الخصية الأخرى. وقد أطهر هذا النوع من الزراعة، وكذلك تلك التي تشمل السلالة الخلوية أن الإيبوبروفين يتسبب في اضطراب الغدد الصماء عن طريق إعاقة العديد من جيناتها الرئيسية الموجودة في الخصية. في هذه المرحلة، لا يعرف الباحثين بعد إن كان من الممكن ملاحظة هذه الآثار عند استهلاك جرعات أقل.
وأفادت الصحيفة أن هذه الاكتشافات لا تعني بالضرورة التوقف عن تناول الإيبوبروفين أو المسكنات. ولكن يجب البحث في شروط إصدار ومتابعة هذه المنتجات التي تباع دون وصفة طبية. عموما، توجد فئتان من الأشخاص المعرضين بشكل كبير لهذه المخاطر، كبار الرياضيين، بما في ذلك لاعبو كرة القدم والعداؤون، الذين غالبا ما يفرطون في استخدام المسكنات، والأشخاص الذين يعانون من أمراض الروماتيزم.
وأفادت الصحيفة أنه بالنسبة للفئة الأولى، فهم يعرضون أنفسهم، من دون داع، لخطر الإصابة باضطراب الغدد الصماء بالإضافة إلى عدة مخاطر أخرى (الكلى والقلب والأوعية الدموية ...). في هذه الحالة يجب عليهم الحد من استهلاك المسكنات من حيث الجرعة والمدة. أما بالنسبة للفئة الثانية، التي تحتاج حقا لهذه المسكنات، فلا بد من التفكير في رصد المستوى الهرموني المناسب وتقييم نسبة الفائدة والمخاطر لتحديد الخيار الأمثل بالنسبة لهم.