حقيقة الدور المصري في المصالحة الفلسطينية

منذ فجر التاريخ لعبت مصر دور الأم الحنون التي تفرد أجنحتها على إخوتها العرب، لتحميهم من المكاره والشرور، وكانت كل شجرة تزرعها مصر في رحمها توصي أبناءها بأن "استوصوا بإخوانكم خيرا"، فاستحقت مصر لقب "أم الدنيا" بجدارة.

لكن حينما ألقت مصر بتاريخها وجغرافيتها وبحضارتها في سلة المهملات تغيرت موازين القوى، وبفضل سياسة ساستها السيئة، صارت أم الدنيا تبحث عن أم، وعن شجرة تظللها وتطعمها وتسقيها، وصار حضورها باهتا بلا جدوى.

والمتأمل في حال مصر الآن يحزن عليها؛ لأن قلب حاكمها قاسٍ عليها وعلى عرب كثيرين، وأولهم أهل غزة، بحكم قهر الجغرافيا، فاستثمر السيسي الجغرافيا لتحقيق أهداف سياسية، وأوعز إلى أجهزته وأذرعه، خاصة الإعلامية، لشيطنة غزة وأهلها الشرفاء، الأموات منهم والأحياء.

لكن فجأة، أصبحت مصر السيسي حنونة على غزة، ففتحت صدرها لقادتها، وتبسمت في وجوههم، وأخذتهم بالأحضان، فماذا جرى يا ترى؟

الكل يعلم أن مصر دخلت على خط المصالحة الفلسطينية بقوة، فاستقبلت وفود الفصائل، وأرسلت وفداً امنياً لغزة لمتابعة مجريات عملية المصالحة. وزار غزة الإعلامي عمرو أديب، وزوجته لميس

الحديدي، بطلا مسلسل إهانة غزة وشيطنتها، وجلسا مع قادة غزة مبتسمين، فاستغرب الناس كيف الآراء انقلبت من السب والتشهير إلى الحب والترحيب!

لكن وبقراءة موضوعية للدور المصري، فثمة أسئلة لا بد منها: هل استفاقت مصر فجأة من غفوتها الطويلة، وقررت العودة إلى رشدها ودورها، من خلال تحقيق المصالحة؟ هل تنازل النظام المصري عن رأيه بأن غزة مصنع الإرهاب؟ أم أن هذه الابتسامة ماكرة، وجزء من مخطط يحاك ضد غزة، ضمن ما بات يعرف بصفقة القرن؟

الإجابة الأقرب للمنطق هي أن ابتسامة السيسي لغزة هي ابتسامة ماكرة، ولا أظن أن تغيير نظرة مصر لغزة هي تغيير استراتيجي، بقدر ما هو ضرورة تقتضيها مصلحة آنية، باعتبار أن مصر السيسي تنظر لحماس على أنها جزء من جماعة الإخوان المسلمين التي يحاربها السيسي.

ويمكن اعتبار أن دخول على خط المصالحة بقوة هذه المرة يدخل في سياق:

1- سحب بساط التأثير من تحت أقدام قطر وإيران وتركيا؛ كي ينفرد بالتأثير محور السعودية- الإمارات- مصر، المنسجم تماما مع الرؤية الصهيونية. 

2- التمهيد لقيادة سياسية واحد تتمكن من فرض رؤيتها والقبول بصفقة ترامب، من خلال توسيد الحكم لعباس. 

3- كسب ود حماس على المدى المتوسط، من أجل فتح قضية الأسرى الصهاينة عند حماس، والعزف على وتر أن على حماس التجاوب مع الأفكار المصرية بهذا الخصوص، كي تستمر مصر في إنعاش غزة.

4- تحقيق الاستقرار الأمني على الحدود مع غزة، في إطار ما يسمى الأمن القومي المصري.

5- تقييد وتكبيل يد المقاومة ضمن ضوابط تضعها القاهرة؛ لضمان أمن الكيان الصهيوني. وقد كشف موقع "يسرائيل بالس" أن الجانب المصري قد أعدّ اقتراحاً يقضي بتشكيل مجلس أمني موحد لإدارة ملف الأمن في القطاع، على أن يشارك ممثلون عن الاستخبارات العامة المصرية في المجلس بصفة مراقب.

6- محاولة تحسين صورتها أمام الرأي العام الفلسطيني والمصري والعربي والدولي؛ بأننا جاهزون لخدمة فلسطين، لكن على الفلسطينيين أن يتوحدوا أولا.

ولو افترضنا حسن النية بالنظام المصري، وأنه حريص على إنهاء معاناة أهل غزة، فلماذا لا يتم فتح معبر رفح، ولو بدوافع أنسانية، إلى حين حسم قضية المصالحة بشكل نهائي؟

خلاصة القول، فإن كل خطوات مصر بخصوص المصالحة وغيرها يتم تنسيقها مع أمريكا وإسرائيل، كي لا تخرج الأمور عن السيطرة. وهنا أستذكر ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي: "مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب دينا".