نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسل شؤون أفريقيا جيسون بيرك ومراسلها في
تونس سيمون سبيكمان كوردال، تقول فيه إن السلطات التونسية اتهمت باستخدام القوة العشوائية ضد المتظاهرين في وقت نشرت فيه الحكومة قوات الجيش، وتم اعتقال ما يزيد على 500 شخص في التظاهرات التي اندلعت بسبب غلاء الأسعار.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن ناشطي منظمات حقوق الإنسان اتهموا السلطات التونسية بممارسة حملة قمع عشوائية في وقت تحضر فيه البلاد نفسها لمزيد من التظاهرات الحاشدة نهاية الأسبوع الحالي، لافتا إلى حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات ونشر القوات المسلحة في مناطق عدة من البلاد.
ويلفت الكاتبان إلى أن بعض
الاحتجاجات تحولت للعنف، حيث تم جرح عدد من عناصر الشرطة، وقتل متظاهر، مشيرين إلى أنه في بلدة الطحلة القريبة من الحدود الجزائرية، أرسلت القوات بعدما حرق المتظاهرون مبنى تابعا لقوات الأمن القومي يوم الأربعاء، حيث أجبرت الشرطة على التراجع منها.
وتذكر الصحيفة أن التظاهرات بدأت في نهاية الأسبوع عندما تجمع عدد من ناشطي المجتمع المدني والمعارضة في العاصمة التونسية، وقامت الشرطة بفض التجمع، وتأثرت البلاد منذ ذلك الوقت بالتظاهرات، بما فيها المناطق السياحية مثل سوسة، مشيرة إلى أن الناشطين يتهمون السلطات بأنها تقوم باستهداف الناشطين الذين لم يخرقوا القانون.
وينقل التقرير عن هيثم قويسمي من منظمة "مانيش مسامح"، قوله إن الشرطة تقوم باعتقال المتظاهرين في المنطقة كلها، "وليسوا مهتمين باللصوص والفوضويين، لكنهم مهتمون بالمحتجين، واتهامهم بأمور لا معنى لها"، مشيرا إلى أن الشرطة اعتقلت الناشط المعروف أحمد ساسي من بيته في تونس مع 10 من رفاقه يوم الأربعاء، واتهم المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان أحمد الغدامسي الحكومة باعتقال الناشطين الذين لم يقترفوا جرما، وقال إنهم "متعلمون جيدا، ويتصرفون بطريقة مسؤولة، وليسوا بلطجيين بأي طريقة".
ويتساءل الكاتبان عن الأسباب الرئيسية للاضطرابات، التي جاءت نتيجة الأسعار التي فرضتها الحكومة والزيادة في الضريبة، التي أثرت على أسعار السلع الضرورية، حيث تقول الحكومة إن الإجراءات ضرورية لوقف العجز في الميزانية وإرضاء المانحين الدوليين، لافتين إلى أنه تمت زيادة تسعيرة المكالمات الهاتفية والبيانات والقهوة والشاي والغاز المستخدم في البيوت والسيارات، وهي من بين مئات المواد التي ارتفعت أسعارها.
وتفيد الصحيفة بأن الأسباب الطويلة الأمد متعلقة بالفقر واللامساواة وانتشار البطالة، خاصة بين المتخرجين من الجامعة، مشيرا إلى أنه كان من الذين خرجوا للشوارع من الطلاب.
ويبين التقرير أنه في الوقت الذي نظر فيه إلى تونس على أنها البلد الذي نجحت فيه ثورة
الربيع العربي من بين الدول التي شهدت احتجاجات ومحاولات تغيير الحكم، إلا أن البلد شهد تسع حكومات منذ الإطاحة بزين العابدين بن علي عام 2011، منوها إلى أن الثورة اندلعت عقب قيام بائع الفواكه بحرق نفسه عندما لاحقته شرطية بسبب عدم حصوله على رخصة من البلدية في بلدة سيدي بوزيد.
ويجد الكاتبان أن الإطاحة بابن علي، الذي حكم البلاد مدة 24 عاما، كانت بمثابة مرحلة زادت فيها الآمال بشأن تحسن الأوضاع المعيشية، وتوزيع عادل للثروة، إلا أن المشكلات البنيوية التي قادت للثورة لم يتم التعامل إلا مع بعضها، وتمت محاباة المناطق التي تعرضت للضغط في ظل ابن علي، حيث يقول الغدامسي: "مرت علينا سبع سنوات من الثورة، لكن لم نحقق أي من أهدافها".
وتنوه الصحيفة إلى أن البلاد شهدت تظاهرات متقطعة في أنحاء متعددة من البلاد، إلا أن الذكرى السنوية لها كانت مناسبة لمزيد من التظاهرات والتعبير عن الحنق.
ويورد التقرير نقلا عن الخبير في تونس وشؤون الإسلاميين في كلية ماغدلبن في جامعة أوكسفورد روري ماكرثي، قوله: "شهدت السنوات الثلاث الماضية تظاهرات شعبية متزايدة حول المسائل
الاقتصادية والاجتماعية من الأشخاص الذين يعتقدون أنهم استبعدوا في عملية التحول الديمقراطي"، ويضيف ماكرثي: "يقول الناس بشكل أساسي أن المطالب لتغيير كبير، خاصة نهاية الفساد وبناء اقتصاد عادل، لم يتم التصدي لها".
ويشير الكاتبان إلى أن التظاهرات جذبت في هذا العام المئات في المدن والبلدات التي اندلعت فيها، فيقول المحلل محمد ضياء الحمامي: "يعد تاريخ 14 يناير (يوم وفاة البوعزيزي) رمزيا.. ففي السنوات الأولى التي تبعت عام 2011 كانت تقام الاحتفالات، واليوم يرونها مناسبة للاحتجاج".
وتفيد الصحيفة بأن المسؤولين أكدوا الجرائم التي ارتكبت أثناء التظاهرات، وقللوا من المظالم الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت للاحتجاجات، وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية خليف الشيباني: "تورط حوالي 330 شخصا في عمليات تخريب وسرقة"، وتم نشر قوات الجيش في سوسة وقبلي وبنزرت لحماية مؤسسات الدولة التي أصبحت هدفا للمحتجين.
وبحسب التقرير، فإن رئيس الوزراء يوسف الشاهد اتهم في يوم الأربعاء المعارضة بتغذية التظاهرات، من خلال الدعوة للمزيد منها، لافتا إلى أن أسعار الطعام ارتفعت بنسبة 8% كل عام منذ عام 2011، وانخفض التضخم بنسبة النصف في الأشهر الـ18 الماضية قبل أن يرتفع من جديد الخريف الماضي، وهناك تحسن قليل في الدخل للكثير من المواطنين.
ويورد الكاتبان أن الشاهد، الذي يقود ائتلافا من إسلاميين وعلمانيين، قال إن عام 2018 سيكون صعبا على تونس، ووعد بتحسن الأوضاع في حال بدأت الإجراءات الجديدة تأخذ مفعولها.
وتلفت الصحيفة إلى أن المانحين الدوليين مددوا القرض الممنوح لتونس (2.8 مليار دولار) عام 2015، لكنهم طالبوا بتخفيض العاملين في الخدمة المدنية، وفرض إجراءات تقشف، مشيرة إلى أن السلطات تواجه اليوم خيارا صعبا، بين الحفاظ على الأسعار مرتفعة، الأمر الذي قد يقود لتظاهرات جديدة، أو تقديم التنازلات، وهو الخيار الذي قد ينزع فتيل الأزمة، لكنه سيؤثر على الاستقرار.
ويقول قويسمي للصحيفة: "نحضر لنهاية الأسبوع، وننتظر نوعا من الرد الإيجابي من الحكومة.. وفي الوقت الحالي كل ما يتحدثون عنه هو العنف، ونريد شيئا منهم".
وينقل التقرير عن ضيا بن لطيف (43 عاما)، الذي افتتح مركزا لتعليم اللغة الإنجليزية، قوله إن الناس لديهم الحق بالتظاهر، لكن بطريقة سلمية، وأضاف: "خرجنا قبل سبع سنوات من أجل الديمقراطية، ويجب أن نتمسك بها، وكوني صاحب مصلحة أفهم أننا نواجه أوقاتا صعبة، وربما لثلاثة أعوام قادمة، ويجب أن نعبرها دون عنف".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن المحللين يرون أن نظاما سياسيا يشمل الجميع هو الحل لدوامة الاضطرابات، ويقول ماكرثي: "التظاهرات ليست محاولة لقلب النظام، لكن تقرير أي نوع من الديمقراطية سيظهر في تونس".