في سابقة هي الأولى من نوعه، قررت الحكومة
المصرية البدء في تركيب عدادات
مياه جديدة (مسبوقة الدفع) بعد تطبيقها على عدادات (الكهرباء)، ما يحتم على المواطنين الدفع مسبقا بكروت شحن قبل استخدام قطرة مياه واحدة، في الوقت الذي تعاني فيه مئات القرى والمدن من نقص المياه الصالحة للشرب.
وأعلنت وزارة الإسكان، الاثنين، البدء في تركيب العدادات في 1848 وحدة سكنية بالإسكان الاجتماعي (محدودي الدخل) بمنطقة زهراء المنيا الجديدة (شمال الصعيد)، وأنه يجري الاستعداد لتركيب 5256 عدادا أخرى، حيث تم توريد آلاف العدادات لجهاز المدينة.
وصرح رئيس جهاز تنمية مدينة المنيا الجديدة، محمد مصطفى أحمد، بأن "هذه التجربة الأولي لتركيب عدادات مياه مسبوقة الدفع، تنفيذا لتكليفات القيادة السياسية بضرورة تسليم وحدات الإسكان الاجتماعي للمواطن بعد تركيب عدادات المياه والكهرباء".
وأثارت تلك الخطوة انتقادات خبراء اقتصاديين، وفي شؤون المياه، وأكدوا في تصريحات لـ"عربي21" أن مثل تلك الإجراءات القاسية، التي من شأنها حرمان غير القادرين وغير العاملين من حقوقهم في مياه شرب نظيفة، إحدى ركائز الحياة البشرية، وأن قرار البدء بوحدات سكنية لمحدودي الدخل يخلو من كل منطق سليم".
الجهة المستفيدة
وكشف خبير السدود والمياه بجامعات ماليزيا، محمد حافظ، لـ"عربي21"، أن "عدد الاشتراكات بمرفق المياه بمصر 15 مليون اشتراك، تعمل بكل كفاءة؛ ولذلك فقرار
السيسي باستبدالها بعدادات مسبوقة الدفع يثير العديد من التساؤلات حول الجهة المستفيدة من توريدها للمواطنين".
وأوضح أن "سعر أقل عداد 50 دولارا أمريكيا، أي قرابة 750 مليون دولار أمريكي فقط كسعر عدادات قد تصل لقرابة مليار دولار بعد إضافة تكاليف التركيب والمواسير والوصلات المطلوبة"، متسائلا: "هل الشعب المصري في حاجة ماسة لصرف مليار دولار أمريكي على عدادات مياه مسبوقة الدفع".
مشيرا إلى أن "قرار استبدال العدادات القديمة بعدادات سابقة الدفع يهدف في الأساس لخلق (سبوبة) بيزنس خاص لوزير الدولة للإنتاج الحربي، اللواء محمد العصار، الذي حول وزارته إلي كيان اقتصادي (مدني) بإدارة عسكرية؛ تستهدف الربح السريع من خلال قرارات يصدرها السيسي، ويفرضها على الشعب؛ بهدف تحقيق مكاسب مادية ليست (للدولة المصرية) بل للجيش المصري".
وأكد خبير السدود والمياه، أن "فرض تركيب عدادات مسبوقة الدفع هو أمر مخالف لحقوق المواطن، الذي يدفع ضرائب للدولة مقابل توفير الماء والطاقة كحد أدني لأساسيات الحياة، وأن إجباره على الدفع المقدم هو أمر سيؤدي بالبلاد لنهاية تتشابه تماما مع نهاية فيلم (صرخة نملة الذي توقع أن يكون كل خدمة مسبوقة الدفع قبل عدة سنوات)، بل ومن المنتظر إضافة 63% من قيمة ما يستهلكه المواطن من ماء شرب مقابل فاتورة الصرف الصحي".
مخالفة قواعد الإصلاح
السكرتير العام للمجلس المصري للتغيير، حسام الشاذلي، انتقد بشدة مثل تلك الإجراءات، قائلا: "يبدو أن النظام الحاكم في مصر يتجاهل أبسط قواعد الإصلاح الاقتصادي، التي تنص على رفع مستوى معيشة الأفراد كشرط أساسي لمنظومات الإصلاح، وتتحدى أبسط القواعد المتعارف عليها لحقوق في الحصول على مياه الشرب".
وأضاف لـ"عربي21" "أنه لا يمكن إغفال الحقيقة الواقعة بأن خطة تركيب عدادات المياه مسبقة الدفع في المناطق الفقيرة تمثل آلية جديدة في خطة النظام؛ للسيطرة على مقدرات المصريين وإخضاعهم، خاصة تلك الفئة التي تمثل قنبلة موقوتة؛ بسبب ما تعانيه من غلاء المعيشة وتفاقم حالة الفقر".
وأوضح أن "من المتعارف عليه دوليا أن هذا النوع من العدادات يستخدم فقط كبديل للمد العادي للمياه في حالة تعثر الدفع في الدول ذات الدخول المرتفعة؛ لإجبار المستهلك على دفع المستحقات ولفترة مؤقتة فقط، إضافة إلى استخدام هذا النوع من العدادات في المناطق السياحية المتطرفة، كما أن هذه الآلية تستخدم في المناطق المعرضة للحصار كما يحدث في بعض مناطق فلسطين المحتلة".
وبين أن القرار "يمثل انعكاسا واضحا للوضع المائي والكارثة التي تنتظر البلاد؛ بسبب سد النهضة"، لافتا إلى أن الأزمة المائية المصرية لا يمكن التعامل معها بتركيب عدادات مسبقة الدفع، بل هي أزمة خطيرة تستدعي تحركا دوليا سريعا، بدلا من إجبار غالبية الشعب المصري على دفع ثمن الماء قبل شربه".
خنق الفقراء
وفي تعليقه، قال رئيس حزب الفضيلة، ومؤسس تيار الأمة، محمود فتحي، لـ"عربي21": إن "كل قرارات السيسي تسحق الفقراء؛ فمن يراجع كل مشروعاته وفرماناته تقوي من مركزه ومركزية تحالفات الحكم معه، وتطحن الطرف الآخر، وتلهيه".
ورأى أن اختيار الفقراء للبدء في تحميلهم فاتورة الاقتصاد المتهالك "جزء من إنهاك المصريين، وليس فقط سيطرة العسكر على الاقتصاد المصري، بل حلب كل المصريين بكل مواردهم المالية".
وأكد أن "السيسي يتجه لإفقار الشعب المصري، بداية من جمع الملايين في الصناديق الخاصة، وحملات التبرع، حتى وصل إلى (اتبرع بجنيه)، ثم (الفكة) التي هي أقل من الجنيه من حسابات المواطنين".