رسم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي سياسة نظامه في التعامل مع إثيوبيا بملف مياه النيل دون أن يشير إلى السودان الشريك الثالث في الأزمة، معترفا لأول مرة بأن تراجع قوة مصر العسكرية هو سبب سياسته بالملف الأخطر على المصريين.
السيسي، قال خلال مؤتمر "حكاية وطن"، إن حل موضوع سد النهضة يكون بالحوار والنقاش؛ خاصة في ظل تراجع "القوة الشاملة للدولة"، والتي عرفها بأن منها "القدرة العسكرية المصرية"، واصفا إياها بأنها كانت جيدة قبل 5 سنوات.
ورغم أن السيسي، اعترف كثيرا بوضع مصر السيء ووصفها بأوصاف تقلل من شأنها كقوله ذات مرة "وطن ضائع"، ودائما ما كان يمجد في الجيش وإمكانياته وقدرته على الحفاظ على كيان الدولة واستعداده لبنائها، إلا أنه اعترف ولأول مرة بتراجع قوة مصر العسكرية رغم ما عقده من صفقات أسلحة بمليارات الدولارات من دول عده.
وقال السيسي: "القوة تراجعت دلوقتي عن ذي قبل"، مؤكدا أن ما يجلبه من أسلحة ومعدات ليس لمواجهة إثيوبيا أو غيرها، موضحا ذلك بقوله: "عشان كدة إحنا بندعم ونشتري معدات ودي مش عشان نهدد بيها حد، دا لحماية بلدنا وللسلام، خاصة في ظل الأوضاع اللي بنعيشها".
راعيني أراعيك
وعلى طريقة حديثه عن الكيان الإسرائيلي بدا كلامه أكثر ودا وتفهما بخصوص الجانب الأثيوبي، حيث قال: "أدرنا موضوع سد النهضة بتفهم، هما عاوزين يبقى عندهم تنمية وعاوزين يعيشوا ويعملوا كهربا واحنا تفهمنا وقلنا لهم مش هنمس المياه".
وواصل السيسي وعوده للشعب المصري حول ملف المياه، وأكد أنه قال للجانب الإثيوبي، إن "اتفاق 2015، كان لحماية حصة مصر، وأكدنا حصة مصر لا يتم المساس بها، ويبقى مفيش ضرر من المياه اللي هيتملي بيها السد عشان متضرش مصر".
ورغم اعتراف وزير الخارجية أحمد أبو الغيط والري محمد عبد العاطي، بفشل المفاوضات مع إثيوبيا ورفض الأخيرة نتائج الدراسات الفنية أو تقنين مدة ملء خزان السد بالمياه، ووصول الأزمة لطريق مسدود، وإعلان السيسي عن إقامة أكبر محطات تحلية لمياه الصرف الصحي لحل أزمة المياه؛ إلا أن السيسي أشاد بإدارته للملف، وقال: "نجحنا في التعامل مع ملف سد النهضة بشكل كبير، قلنا لهم زي ما بنراعيكم لازم تراعونا".
أين تقف مصر عسكريا
وصنف الموقع المتخصص بالشؤون العسكرية للدول "جلوبال فاير باور"، مصر بالمركز الرابع عشر بين دول العالم من ناحية القوة العسكرية والدفاعية عام 2016، فيما صنفها الموقع، بالمركز العاشر عالميا والثاني بالشرق الأوسط والأول عربيا، عام 2017، بسبب قوة الإنفاق الهائلة، على صفقات الأسلحة.
فيما قدرت صحيفة "لا تريبين" الفرنسية مشتريات مصر من السلاح عامي 2015 و2016 بأكثر من 10 مليارات دولار، وقدرت تقارير صحفية، صفقات مصر، ما بين 2013 و2017 بـ20 مليار دولار.
واشترى السيسي، طائرات "الميج 29"، ومنظومة الدفاع الصاروخية الجوية بعيدة المدة "S300"، والطائرة "سوخوي30"، والنظام الصاروخي أرض_جو "تور إم 2"، والمروحية "ميل مي 17"، و طائرة التدريب العسكرية "ياك 130"، و اللنش العسكري "بي32_مولينيا" من روسيا.
كما اشترى مقاتلات "الرافال" الفرنسية والصاروخ "Meteor"، والفرقاطة البحرية تحيا مصر"فريم"، وحاملتي المروحيات الفرنسية "ميسترال"، من فرنسا، بجانب زوارق الصواريخ الشبحية "امبسادور"، ومقاتلات "إف_16"، وأبراج الدبابات "أبرامز M1 A1" من أمريكا، والغواصة المصرية الألمانية "طراز 209/1400".
فهل تراجع قوة مصر العسكرية حسب قول السيسي هو سبب هذا التعامل الدبلوماسي البارد مع إثيوبيا؟
تخدير الشعب
الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، الدكتور السيد أبو الخير، وصف تصريح السيسي بـ"الخطير"، واعتبره "تخديرا للشعب حتى تنتهي مدة بناء السد ويعمل السد بشكل طبيعي".
وقال في تصريحات لـ"عربي21"، إنه "حتى لو كانت مصر كما يدعى السيسي فليس من الدبلوماسية في شيء إعلان ذلك"، مؤكدا أنه "لا يوجد في التاريخ من يعلن هزيمة دولته وانهيارها كما يعلن السيسي عن مصر".
الأكاديمي المصري، أوضح أن "خطورة هذا التصريح أشد من خطورة بناء السد، كونه يظهر مصر على أنها باتت ضعيفة منكسرة ذليلة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، وبالتالي يعطى إشارة للخصم بهذا الضعف".
وأشار إلى أن "حل الأزمة ليس بالحوار كما يدعي السيسي، وأن ذلك يعد إشارة إلى إثيوبيا أن مصر لن تستخدم الحل العسكري"، مضيفا: "أما الحل بالمفاوضات فلا يجدد نفعا في تلك الأزمة؛ لأن هناك اتفاقيات وقعت وتنازل الانقلاب عن الحقوق التاريخية، والتفاوض يكون في إطار الاتفاقيات التي وقعت دون الخروج عن مضمونها".
ووصف أبو الخير، الحالة التي وصلت لها مصر في ظل الانقلاب أمام إثيوبيا بـ"الضعيفة عسكريا، والمهانة سياسيا، والمشلولة دبلوماسيا"، قائلا إن "هذا السيسي وقح صريح في عمالته وخيانته".
ودافع عن مصر بقوله إنها "ليست كما يدعي السيسي بالعكس لو انكسر الانقلاب ستعود مصر قوية كما كانت"، مشيرا إلى أن "الضعيف في مصر هو النظام فقط وليس الدولة كما يدعي السيسي".
سبب التراجع
نائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، مجدي حمدان موسى، قال إن "السؤال هو إذا كانت مصر متراجعة سياسيا فمن السبب؟"، موضحا أن "مصر كانت قبل تولي السيسي من أقوى الدول عسكريا".
وأضاف السياسي المصري، لـ"عربي21"، أنه "إذا كانت مصر متراجعة عسكريا فما فائدة شراء الأسلحة والبوارج والطائرات إلا إذا كانت بغرض آخر؟".
وأكد أن "من ضيع مياه النيل؛ هي سياسات السيسي وتوقيعه لاتفاقية المبادئ في 2015، والتي أعطت إثيوبيا الحق في بناء السد"، متهما السيسي بأنه "المتسبب الرئيسي في استكمال السد".
وحول حديث السيسي عن حل أزمة سد النهضة، قال حمدان: "دائما ما نرى حججا واهية في التعامل مع هذا الشأن"، مؤكدا أن "مصر لم تضعف وتخنو وتتقزم إلا بتلك السياسات"، معتقدا بوجوب "خروج السيسي من إدارة الدولة حتى يحاول غيره أن يدرك ما فات".
إثبات حسن النوايا
وعلى الجانب الآخر، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي، محمد حامد، بأن تصريحات السيسي تأتي في إطار إثبات حسن النوايا وقال لـ"عربي21"، إن "مصر تتعامل بشكل دبلوماسي، وتريد أن ترسخ حسن النوايا، ومحاكاة الغرب والتجارب الدولية في الاستغلال الأمثل للأنهار المشاطئة بأكثر من دولة".
السيسي ينفي نية الحرب و التآمر على السودان وإثيوبيا
هل يغامر السيسي بدعم المعارضة الإثيوبية والسودانية؟
السيسي يعلن إنشاء محطة لمعالجة المياه تجنبا لأزمة قادمة