كان الخبر الرئيس في تونس هذا الأسبوع؛ إدراج البرلمان الأوروبي تونس ضمن "القائمة السوداء لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب". وتمثل هذه القائمة إحدى أدوات عمل الاتحاد الأوروبي "للتوقي من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب"، وكانت القائمة محل خلاف بين البرلمان الأوروبي واللجنة التي سهرت على إعدادها. ووفق ما ورد على الموقع الالكتروني للبرلمان الأوروبي، فإنه رغم المعارضة الشديدة فقد تمت إضافة تونس إلى هذه القائمة السوداء التي تمثل البلدان "الأكثر عرضة" لمخاطر عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وكانت للقرار آثار سلبية كبيرة داخليا، وأدى للإطاحة بمحافظ البنك المركزي، لكنه يعكس في نهاية الأمر مشهدا كاريكاتوريا لديبلوماسية متخلفة ساهمت في القرار.
بمعزل عن الخلفيات الأوروبية، كانت الإطاحة برأس محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري أهم نتيجة مباشرة للقرار الأوروبي، إذ قررت السلطة الحالية أن يكون كبش الفداء
الخلفيات الأوروبية ليست ضرورة نزيهة، كما لم يكن الموضوع محل إجماع داخل البرلمان الأوروبي، إذ كان عدد من النواب ضد القرار، حيث عجز البرلمان رغم الجهود التي بذلها بعض النواب، عن الحصول عن الأغلبية المطلقة الضرورية (376 صوتا) لرفض تصنيف تونس ضمن هذه القائمة، بعكس مقترح اللجنة المعنية بذلك. وبينت عملية التصويت انقسام البرلمان الأوروبي حول هذا الملف؛ من خلال تصويت 357 نائبا لصالح قرار رفض القائمة التي تبناها 283 صوتا، مقابل احتفاظ 26 نائبا بأصواتهم. واعتبر النواب الذين رفضوا إدراج تونس في القائمة السوداء لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب؛ أن إضافة تونس إلى هذه القائمة لا يعد مكسبا، لا سيما وأنها ما زالت ديمقراطية ناشئة تحتاج إلى الدعم، وأن القائمة لا تعترف بالإجراءات الأخيرة التي اتخذتها تونس لحماية المنظومة المالية من الأنشطة الإجرامية.
لكن بمعزل عن الخلفيات الأوروبية، كانت الإطاحة برأس
محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري أهم نتيجة مباشرة للقرار الأوروبي، إذ قررت السلطة الحالية أن يكون كبش الفداء.
تم استعمال الأساليب المتخلفة لديبلوماسية الخمسينيات التي تقتضي رشوة بدائية، باستعمال التمور وزيت الزيتون، وربما "حكك الهريسة" وخبز الطابونة
طريقة إدارة الملف تونسيا كان بمثابة الفضحية. لنبدأ بما كشفت عنه صيحفة لوموند الفرنسية: "أدرجت تونس في هذه القائمة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، وقد اتخذت حينها القضية منعطفا آخر، خاصة وأن الجدل الدائر حول إدراجها في قائمة الملاذات الضريبية قد أيقظ المعسكر الموالي لتونس، والذي حاول تجنب النكسة الدبلوماسية الثانية. غير أن الحجج المطروحة، مثل الحاجة إلى تجنيب "ديمقراطية ناشئة" عقبات جديدة، والهدايا الصغيرة (مثل التمر وزيت الزيتون) المرسلة إلى النواب الأوروبيين، لم تكن كافية لتجنب القرار".
بمعنى آخر، تم استعمال الأساليب المتخلفة لديبلوماسية الخمسينيات التي تقتضي رشوة بدائية، باستعمال التمور وزيت الزيتون، وربما "حكك الهريسة" وخبز الطابونة. المشكلة الحقيقية أن تصريحات أعضاء الحكومة فضيحة حقيقية تتراوح بين تصريح وزير التجارة حول عدم علم رئيس الحكومة بالقرار، وتصريح وزير الخارجية حول أن الموضوع لا علاقة له بالديبلوماسية.
محافظ البنك المركزي المقال ليس ملاكا، لكن على الأقل أصدر تقريرا قبل سنة، حدد فيه الهنات والحلول. ومن الواضح أن أهم الهنات تعود لإجراءات منقوصة للسلطة التنفيذية.
وورد في التقرير: "يسلّط هذا التقرير الضوء على التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في القطاع المالي وفي القطاعات الأخرى ذات الصلة. وهو الأول من نوعه في تونس، إذ ساهمت في بلورته جميع الأطراف الوطنية المتداخلة، إضافة إلى القطاع الخاص، بهدف تحديد وفهم وتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تواجهها بلادنا، لتوفير أساس منهجي لإجراءات تصحيحية من شأنها تحقيق وتعزيز فعالية المنظومة الوطنية للمكافحة في المجال".
نشر البنك المركزي هذا التقرير منذ أشهر، لكن تجاهلته الحكومة. من يجب إقالته رئيس الحكومة وعدد من أعضائها ذوي العلاقة بالملف، خاصة المنهمكين في ديبلوماسية التمور وزيت الزيتون
ويضيف: "وفي هذا السياق، فإن لجنة القيادة مسؤولة بشكل خاص عن التقييم المستمّر لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب في تونس، وعند الاقتضاء اقتراح ما يلزم من إجراءات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وتم تحديد قائمة في نقاط الضعف شملت مسائل جوهرية مرتبطة بالفعالية فيما يلي أهمها: غياب جهة رقابية محددة بالنسبة لبعض القطاعات والمؤسسات المالية على غرار البريد التونسي والوكلاء العقاريين وتجار المصوغ، وعدم قدرة بعض الهياكل الرقابيّة والأمنية على وضع برامج مكافحة فعالة والاعتماد في المقابل على خيارات سهلة تنزع في أحسن أحوال الاجتهاد نحو التحجير والمنع. وعلاوة على ما تقدم، فإنه تم رصد بطء في إدراج بعض النصوص الترتيبية لتفعيل مقتضيات النصوص التشريعية ذات الصلة بمجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب".
نشر البنك المركزي هذا التقرير منذ أشهر، لكن تجاهلته الحكومة. من يجب إقالته رئيس الحكومة وعدد من أعضائها ذوي العلاقة بالملف، خاصة المنهمكين في ديبلوماسية التمور وزيت الزيتون.