يرى الباحث الأمريكي الشهير، سايمون
هندرسون، أن "الحكمة السائدة" تقول "إن عام 1979 شكّل نقطة تحوّل في الشرق الأوسط. فقد كان من دون شك عاما حافلا بالأحداث".
ورصد زميل "بيكر"، ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، في مقال لهم بموقع المعهد، أهم أحداث العام 1979 كالتالي:
في كانون الثاني/ يناير، هرب شاه إيران إلى خارج البلاد.
في شباط/ فبراير، عاد آية الله الخميني من المنفى في فرنسا إلى طهران، وأنشأ الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
في آذار/ مارس، وقّع الرئيس المصري أنور السادات معاهدة سلام مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض.
في تموز/ يوليو، أصبح صدام حسين رئيسا للعراق.
في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، اقتحم "طلاب" إيرانيون السفارة الأمريكية في طهران، وسيطروا عليها، واحتجزوا الدبلوماسيين كرهائن لمدة 444 يوما".
في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر، استولى متمردون سعوديون على المسجد الحرام في مكة المكرمة.
وفي اليوم التالي، أحرق متظاهرون ومثيرو شغب باكستانيون السفارة الأمريكية في إسلام آباد.
ولاختتام العام، غزت القوات السوفيتية أفغانستان في 27 كانون الأول/ ديسمبر، واستبدلت بالقائد الشيوعي (وخريج جامعة كولومبيا الأمريكية)، حفيظ الله أمين، دمية أكثر إذعانا، هو بابراك كرمال.
ويعود سبب هذا التركيز الحالي على عام 1979، بحسب هندرسون، إلى "أن الحاكم الفعلي للمملكة العربية
السعودية، ولي العهد الأمير
محمد بن سلمان، يرى أن ذلك العام شهد تحوّل الإسلام السعودي إلى التطرف"، مشيرا إلى ما كتبه الباحث السعودي سلمان الأنصاري في صحيفة "ذا هيل" يوم 7 شباط/ فبراير: "يعتبر الأمير محمد بن سلمان النظرة الدينية السعودية قبل عام 1979 المرجع الأساسي لما يجب أن تكون عليه السعودية بعد عام 2017". وقد اقتبس عن الأمير محمد بن سلمان قوله: "نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان".
وهنا يعلن هندرسون أن لديه "تحفظات حول ما إذا كان الإسلام في المملكة معتدلا في يوم ما"، مضيفا: "مصدر شكوكي الأكبر ينبع مما إذا كان التركيز على عام 1979 مضللا من الناحية التاريخية، إذ يتمّ ربطه بالثورة الإيرانية التي كانت في الواقع صدفة. فأنا أرى أن عام 1973 أكثر أهمية، ليس نظرا لحرب تشرين الأول/ أكتوبر عندما هاجمت مصر وسوريا إسرائيل، بل نظرا لتبعاتها: ارتفاع أسعار النفط بواقع 4 أضعاف".
ويرى هندرسون أن السعودية، وهي أكبر مُصدِّر للنفط في العالم، "استخدمت تدفق الإيرادات بشكل جزئي لصقل سمعتها الإسلامية، فضلا عن تمويل صفقات أسلحة بملايين الدولارات وبعض القصور الكبرى. كما استخدمت العائلة المالكة السعودية بعض الأموال لاسترضاء المؤسسة الدينية السعودية، التي شرّعت حكمها تاريخيا. وفي الخارج، تمّ بناء عشرات المساجد، وتوزيع عشرات آلاف النسخ من القرآن الكريم. ولكن في كثير من الأحيان لم تكن هذه المساعي الإسلامية أعمالا فاضلة".
وهنا يعود هندرسون إلى الأنصاري، الذي هو مؤسس ورئيس "لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية الأمريكية" (SAPRAC) ومقرها واشنطن، الذي قال": "فشلت رابطة العالم الإسلامي ومقرها مكة في مهمتها السابقة؛ بسبب تساهلها مع "الإخوان المسلمين"، وسوء إشرافها على التمويل المسرّب إلى الخارج".
ويعلق هندرسون على ذلك بالقول: "إنه تصريح فاضح؛ لأن الكثيرين قد يعتبرون أن "سوء الإشراف على التمويل المسرّب إلى الخارج"، هو ما سمح للداعمين المتطرفين لتنظيم القاعدة بتمويل الهجمات الإرهابية التي استهدفت الولايات المتحدة في 11 أيلول/ سبتمبر".
ويرى هندرسون أن "هناك حجة ثانوية هامة تؤكد على أهمية الحقبة منذ عام 1973 وما بعده، وهي أن الحرب الباردة كانت لا تزال مستعرة. وكان نفوذ موسكو قد تخطى نفوذ واشنطن في مساحات كبيرة من الشرق الأوسط، مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا والجزائر. وأرادت السعودية أن تستبدل بالشيوعية الملحدة الإسلام، وهو ما رأته الولايات المتحدة أمرا مفيدا (..)، أما بعد عام 1979، فشكّلت الحماسة الدينية -وهي النوع الذي لا يوافق عليه الأمير محمد بن سلمان حاليا، على ما يبدو- العامل المحفز الرئيسي للمقاتلين المجاهدين الأفغان (المموّلين من قبل السعودية والولايات المتحدة) الذين أَرغموا الجيش الأحمر على مغادرة أفغانستان في النهاية. وكما يسجل التاريخ الآن، كانت تلك الهزيمة عاملا رئيسيا في انهيار الاتحاد السوفيتي، وما أعقب ذلك من سقوط الأنظمة الشيوعية عبر أوروبا الوسطى والشرقية".
وهنا يتساءل هندرسون: "هل كان تحرير ملايين الأشخاص يستحق العناء بالمقارنة مع بروز تنظيم "القاعدة"، ومن ثم تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأي نسخة مستقبلية قد تتبلور من هذا التطرّف؟"، مضيفا أن "السؤال مُبسّط للغاية. لكن التركيز على عام 1979 مضلل. وإذا أراد أولياء العهد والمعلقون تسجيل نقاط سياسية على صفحات التاريخ، فعلى المؤرخين مناقشة أهمية ما يقال".