تشهد
إيران منذ عدة شهور صراعا خفيا؛ ليس على منصب "المرشد" ومن يكون خليفة
خامنئي بعد وفاته، بل على إلغاء منصب المرشد، أو ما يعرف بـ"الولي الفقيه"، من نظام الحكم، واستبداله بهيئة للحكم أو مجلس للقيادة.
وبرز هذا الخلاف بعد تسريب فيديو من اجتماع سري لمجلس خبراء القيادة الإيراني بعد وفاة الخميني، والذي كشف أن خامنئي انتخب كقائد أو مرشد مؤقت لقيادة البلاد حتى موعد طرح الاستفتاء على الشعب الإيراني حول تعديل قانون انتخاب المرشد.
وصوّت نصف أعضاء مجلس الخبراء القيادة؛ المكلف بانتخاب المرشد، على قانون انتخاب "هيئة القيادة" (شوارى رهبرى) بدلا من انتخاب المرشد، ولكن كشفت مداخلات أعضاء خبراء القيادة عن مخطط تم الإعداد له مسبقا من قبل الزعيم الإيراني رفسنجاني لتثبيت خامنئي في المنصب، في وقت كان فيه فاقدا لمؤهلات المرشد وفقا للدستور الإيراني، ولم تتوفر فيه الشروط الشرعية، حيث ينص الدستور الإيراني على انتخاب المرشد من بين مراجع التقليد الشيعة، وكان خامنئي حينها يحمل درجة "حجة الإسلام" من الحوزة، وليس درجة المرجعية بحسب الفقه الشيعي الإثني عشري.
في الذكرى التاسعة والثلاثين لانتصار الثورة الإيرانية، فاجأ الرئيس الإيراني حسن روحاني الرأي العام بتصريح خطير، وقد يكون الأخطر من نوعه ضد خامنئي، عندما قال إنه يجب أن يتم تفعيل المادة 59 من الدستور الإيراني التي تجيز الرجوع إلى الشعب الإيراني؛ من خلال طرح استفتاء شعبي حول القضايا الخلافية التي لم تحل عن طريق المؤسسات وسلطات الحكم في إيران. لكن روحاني لم يحدد ماذا يريد من طرح الاستفتاء الشعبي، ولماذا لجأ إلى الشارع الإيراني وليس للسلطات التنفيذية أو البرلمان الإيراني.
من هنا بدأت الشكوك تثار حول مخطط روحاني بجانب التيار الإصلاحي لإلغاء نظام "
ولاية الفقيه"؛ للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعاني منه إيران، والذي قتل جميع الفرص لإصلاح النظام.
تيار روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف وفريقهما السياسي المدعوم إصلاحيا داخل إيران، ودوليا من قبل الأوروبين، وصلوا إلى قناعة تامة بأن النظام الإيراني يمر بأخطر مرحلة حساسة وتاريخية تشهدها البلاد منذ نهاية الحرب العراقية- الإيرانية، ويعتقدون بأن النظام الايراني الحالي أصبح أمام مفترق طرق خطير، وعليه أن يختار بين مواجهة الشعب الإيراني ومن ثم السقوط، وبين الإصلاح من الداخل لتجديده. والعقبة الرئيسية أمام خطوة إعادة هيكلة النظام تتمثل في منصب "الولي الفقيه" الذي يمتلك كافة الصلاحيات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والدينية، بينما لا يملك الرئيس الكثير من الصلاحيات لتغيير طبيعة السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية في أبرز الملفات الهامة التي يطالب الشارع الإيراني بتغييرها.
ضمن هذه الأجواء برز شعار "الاستفتاء، الاستفتاء" بقوة، من بين جميع الشعارات التي رفعها المحتجون خلال المظاهرات التي شهدتها إيران مؤخرا، ويريد روحاني استغلال هذا الحراك الشعبي المتململ من سلطة الولي الفقيه التي تمتلك صلاحيات ملكية مقدسة، وربما إلهية، وفقا لتعبير الإيرانيين، من خلال طرح استفتاء شعبي وإنقاذ "الجمهورية الإسلامية" من الانهيار والتفكك، تبعا لقناعته بأنه في حال لم يتم التخلص من صلاحيات "ولاية الفقيه" وهيمنة المرشد على مؤسسات الحكم في البلاد. فقد تكون الموجة المقبلة من المظاهرات في إيران، بمثابة تسونامي شعبي لا يفرق بين الإصلاحيين والمحافظين، وهذا ما حذرت منه قيادات إصلاحية وسياسية ونخب ومفكرون، كعبدي وزيبا كلام ونوري زاد، وغيرهم من النخب الإيرانية.
وصل روحاني إلى هذه القناعة عن طريق الدراسات والاستشارات التي قُدمت له ولفريقه من قبل الخبراء الإيرانيين المقيمين في أوروبا، والتي تعامل معها بوصفها رسائل غربية تعني دعما له في حال أراد العمل من أجل التغيير في إيران.
بعد تصريحه عن الاستفتاء؛ هوجم الرئيس روحاني من قبل جميع وسائل الإعلام الإيرانية التي تُعرف بالأذرع الإعلامية لتيار المحافطين والحرس الثوري. واعتبرت "كيهان"، الصحيفة الإيرانية التي تتحدث بلسان المرشد خامنئي، أن روحاني بدأ يلعب في مربع العدو، أي أنه بدأ يطرح ما يريده الأمريكان والأوروبيون، وأنه يهدف إلى اتخاذ خطوات بنيوية لإحداث التغيير في النظام الإيراني.
واتُهم روحاني شخصيا، بأنه متواطئ مع جهات خارجية وداخلية لتغيير نظام ولاية الفقيه في إيران. وما يعزز هذا القول هو تصريح حميد بقائي؛ النائب الأول للرئيس السابق أحمدي نجاد، والذي قال إنه فوجئ بعد مصادرة أصول إحدى المؤسسات المالية الإيرانية، بأنه تم إصدار قرار ذكر فيه أن "أموال المؤسسة التي تمت مصادرتها يتم وضعها تحت تصرف "المرشد الإيراني" أو "شورى القيادة الإيرانية"، في حال لم يكن هناك منصب مرشد في إيران".
خيار طرح الاستفتاء والاحتكام إلى شارع الإيراني الذي يريد روحاني تطبيقه، مرتبط بشكل مباشر بالمظاهرات التي شهدتها إيران أيضا؛ لأن روحاني في إحدى الجلسات الخاصة التي جمعته بقيادات إصلاحية، صرح بأنه يمتلك الصندوق الأسود للمظاهرات التي شهدتها البلاد، وأنه سيكشف خيوط المؤامرة التي كانت تحاك ضده، وتهدف للانقلاب عليه، وعلى حكومته من خلال تحريك الشارع، بدءا من مظاهرات مدينة مشهد.
ويتوقع كثيرون، أن الساحة الداخلية الإيرانية ستشهد خلال الشهور القادمة تقلبات سياسية غاية في الأهمية؛ بعد دخول أحمدي نجاد وتياره على خط المواجهة مع خامنئي ورجاله في النظام، كما هو حال الأخوين لاريجاني، وكل ذلك يشير إلى أن منصب المرشد في إيران قد أينع وحان وقت التخلص منه، سواءً من داخل النظام أم عن طريق تسونامي المظاهرات الشعبية المتوقعة.