تعرض أربعة من رؤساء الولايات المتحدة للاغتيال، هما أبراهام لنكولن، وجيمس غارفيلد، ووليام مكْنلي، وجون كينيدي، (سبحان الله حتى في استخدام اللغة، فإننا ننحاز إلى المشاهير، فالناس عامة يتعرضون أو قد يتعرضون للقتل، بينما الشخصية ذات المنصب الكبير واللقب الخطير، تتعرض أو قد تتعرض للاغتيال، وللكلمة الأخيرة جرس ينشأ من حرف الغين الذي تهتز له الحبال الصوتية، ثم يأتي المد بالألف بعد الياء فيجعل الكلمة "تختال"، بينما يقوم سكون التاء في "قتْل" بقمع كلمة هي أصلا قصيرة).
ثلاثون آخرون من رؤساء الولايات المتحدة تعرضوا لمحاولات اغتيال، وكان أغربها تلك التي كاد رونالد ريغان أن يروح ضحيتها، عندما أطلق جون هينكلي النار عليه.
س: ولماذا فعلت ذلك يا هينلكي؟
ج: أنا أموت في الممثلة جودي فوستر، ورأيت أن أفضل طريقة للفت انتباهها لشخصي، هي أن يموت الرئيس على يدي.
ونحن بخير - ولكن إلى حد ما - لأن رؤساءنا وزعماءنا يموتون عادة وهم جالسون على كراسي الحكم، فليس للاغتيال مكان في الصراع السياسي في
العالم العربي، فحتى عندما تقوم انتفاضة شعبية بعزل حاكم طاغوتي، فإنه لا يتعرض للقتل (بعد عزل حاكم، لا يجوز بإجماع الكُتّاب استخدام كلمة "اغتيال" ومشتقاتها لوصف تصفيته جسديا، وهكذا فإن ديكتاتور إيطاليا، موسوليني، الذي مات ضربا بالشباشب وديكتاتور رومانيا شاوشيسكو الذي قتله الثوار في مدينة تيمشوارا ماتا "فطيسا")، وديكتاتور ليبيا الذي رحل عبر أنبوب للصرف الصحي (معمر القذافي) لم يُقتل غيلة، بل على عينك يا تاجر في سياق صدام مسلح.
في الحادي والعشرين من شباط/ فبراير المنصرم، دخل شاب مدرسة ثانوية في ولاية فلوريدا الأمريكية، كان قد طُرِد منها بسبب سوء السلوك،
وحصد أرواح 17 شخصا ببندقية أوتوماتيكية، وهناك من بين الأربعين جريحا "من ينتظر".
وقبلها بنحو شهرين، اقتحم رجل مسلح كنيسة في ساذرلاندس برينغز في ولاية تكساس، وقضى على 26 شخصا خلال دقائق معدودة، وكانت الولايات المتحدة وقتها تعيش صدمة مقتل 58 شخصا عندما فتح ستيفن بادوك النار من شرفة غرفة فندق على مئات الأشخاص، الذين كانوا يشهدون حفلا غنائيا في لاس فيغاس.
في حزيران/ يونيو من عام 2016، هلك 49 شخصا رميا بالرصاص في ناد للمثليين جنسيا في أولاندو بولاية فلوريدا الأمريكية، وفي نيسان/ أبريل من عام 2007 قتل طالب في جامعة فرجينيا تك؛ 27 من زملائه وخمسة من الأساتذة.
لا يوجد إحصاء دقيق لعدد الأسلحة النارية المملوكة لأفراد في الولايات المتحدة، ولكن التقديرات تفيد بأن هناك نحو 310 مليون قطعة منها ملكية خاصة، وذلك في بلد تعداد سكانه 323 مليون نسمة، وبالتالي فليس مستغربا أن يروح 15549 شخصا ضحية القتل العمد، رميا بالرصاص في ذلك البلد في عام 2017.
وأستميح هيئة تحرير "عربي21"، وقراءها العذر لقيامي بعرض وجرد واحد على الألف من قوائم ضحايا عمليات القتل الجماعية بالأسلحة النارية، في الولايات المتحدة، مما قد يحمل بعض الأطراف!! على إضفاء اللون الأصفر على الصحيفة، ولأنني (ومن باب رفع معنويات العرب)، سأستعرض المزيد من الممارسات الإجرامية الوبائية التي شهدتها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، في التاريخ القريب، حتى يقول العربي: الحمد لله الذي أذهب عنا الأذى وعافانا.
لا يمارس الأفراد في العالم العربي ما يعرف بالقتل الجماعي، ولم نسمع بأن فيه صنف المجرمين الذين يحمل الواحد منهم صفة "قاتل متسلسل"، أي ذلك الذي يقتل عددا كبيرا من الناس على مدى شهور أو سنوات، كما هو الحال في الدول الغربية، بدليل أن عبارة "قاتل متسلسل" غير متفق عليها إعلاميا في العالم العربي، لأنها فقط مجرد محاولة لإيجاد ترجمة لمسمى "سيريال كيلر serial killer" الإنجليزي، الذي يطلق على من يمارس
جرائم قتل كثيرة لفترة من الزمان.
والشاهد هو أن القتل الجماعي/ المتسلسل في العالم العربي لا يمارسه الأفراد، بل هو نشاط تحتكره الحكومات، وتستخدم فيه الأجهزة التي مهمتها (على الورق) حماية المواطن في جسمه وعرضه وماله.
الاستثناء الوحيد عن تلك القاعدة في العالم العربي؛ هما الشقيقتان المصريتان ريا وسكينة علي همّام، اللتان قامتا خلال عام واحد (1920 - 1921)، بقتل 17 امرأة في منطقة الإسكندرية، بغرض سلبهن من نقودهن وحليهن الذهبية، بالاشتراك مع محمد عبد العال زوج سكينة، وحسب الله سعيد مرعي، زوج ريا، وأدانتهم المحكمة، وتم إعدامهم في كانون أول/ ديسمبر من عام 1921.
تقرأ عن حوادث العنف العشوائية المتكررة في الولايات المتحدة، فتعجب: كيف تسنى لبلد يغرق في فوضى
السلاح، أن يفرض سطوته على بقية دول العالم؟ أم إن تلك السطوة نجمت لأن الدولة "على بعضها" مسلحة حتى الأسنان، وتميل إلى حماية مصالحها وتحجيم من يعارضون سياساتها بالعنف "المسلح"؟
الرابطة الوطنية للسلاح الأمريكية (NRA) التي تم تشكيلها عام 1871؛ تعتبر أقوى وأكبر منظمة مجتمع مدني في الولايات المتحدة، ولك أن تضرب رأسك بالحائط، وأنت لا تفهم كيف تكون رابطة مسلحة وعسكرية الطابع "منظمة مدنية".
رابطة السلاح هذه فيها عضوية ثابتة تُقدّر بخمسة ملايين، وعضوية متعاطفة معها بعشرات الملايين، ونجحت على مر السنين في منع إصدار أي قانون يحرم حيازة السلاح، ولديها آلاف المراكز لتدريب الناس على استخدام الأسلحة النارية. ولأنها مرتبطة بصناعة السلاح، فإنها أقوى مجموعة ضغط (بعد اللوبي الصهيوني) في المجالس النيابية الأمريكية، ونجحت من ثم في إجهاض أي محاولة، حتى لوضع المزيد من الضوابط على الإتجار بالسلاح.
ووجدت رابطة السلاح هذه فوق ما تمنته من تأييد؛ من الرئيس الأمريكي الحالي دونالد "أبو جهل" ترامب، الذي كان رد فعله على حادث القتل الجماعي في مدرسة في فلوريدا قبل أقل من ثلاثة أسابيع: هذا يجعل
تسليح المعلمين أمرا ضروريا.
ألا تحس الآن أننا بخير، ولا يخطر ببال أحدنا أن عياله قد يتعرضون للقتل في المدارس، أو يتعرض هذا الأحد نفسه للقتل في مكان عام، دون أن تربطه بالجاني أي علاقة على أي مستوى؟
سأحاول الأسبوع المقبل إن شاء الله، أن أحمل القارئ على أن يشكر الله كثيرا لأنه، وعلى بؤس حاله في وطنه، في مأمن - إلى حد كبير - من خطر الموت الفجائي، على يد قاتل مهووس، بعكس نظيره الأمريكي الذي لا يملك حق التسكع في شوارع مدن كبرى مثل شيكاغو ونيويورك، دون أن يدير رأسه 180 درجة كل عشر خطوات، لتقصي ما إذا كان هناك من/ ما يهدد حياته.