قررت السلطات المصرية إصدار قانون يتيح بيع وخصخصة هيئة السكة الحديد التي يقارب عمرها القرنين من الزمان حيث إن إنشاءها يعود إلى عام 1834، وتعد أول خطوط حديدية يتم إنشاؤها بأفريقيا والشرق الأوسط، والثانية على مستوى العالم بعد المملكة المتحدة.
القرار، أثار عددا من التساؤلات، منها: هل الخصخصة هي الحل الأمثل لمشاكل السكة الحديد؟ وهل كان من الأولى تطويرها ووضعها على أولويات الإنفاق بدلا من الصرف على مشروعات ترفيهية وإقامة مدن جديدة بالصحراء؟ وكيف تتخلى الدولة عن مرفق استراتيجي وحيوي وعن دورها الاجتماعي بخدمة ملايين الفقراء؟ ولمن سيتم بيع السكة الحديد؟
فتش عن صندوق النقد
وفي إجابته عن تلك الأسئلة؛ أكد الخبير الاقتصادي، رضا عيسى، أن فكرة خصخصة السكة الحديد تبنتها رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، في تسعينيات القرن الماضي، ولكنها في النهاية فشلت فشلا ذريعا وعادت السكة الحديد الأقدم في العالم لمسؤولية الدولة.
عيسى، قال لـ"عربي21"، إن "هذه الخطوة تؤكد أننا نسير خلف توجيهات صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن الفكرة تم طرحها في عهد مبارك ووزارة أحمد نظيف، وبالفعل تم تقسيم القطارات حسب مناطق توجهها وبألوان مختلفة تمهيدا لخصخصة الهيئة، ولكنها في النهاية تمنع المستثمرين من خوض التجربة".
وأوضح أن السكة الحديد؛ مرفق أمن قومي لا يجوز التفريط فيه، مشيرا إلى أنه حتى هذه اللحظة فإن هناك قطارات حربية تنقل الجنود بمواعيد ثابتة ومعروفة ولا يصح أن تخضع لرحمة ومصلحة مستثمر.
وتحدث الاقتصادي المصري، عن وجود أعلى عائد استثماري في العالم بمصر لجذب المستثمرين، مؤكدا أن أحد أركان الأزمة أن المستثمرين الأجانب ملاك الهيئة الجدد سيكون من أولوياتهم تحويل أرباحهم خارج مصر وبالدولار، ما قد يعمق أزمة العملة الأجنبية مقابل الجنيه، كما أن سعر التذكرة لن يكون له ضابط أو رابط.
ويرى عيسى، أنه من المفترض أن تكون السكة الحديد في خدمة ملايين الفقراء معتبرا أن هذا دور الدولة الاجتماعي، موضحا أن قرار الخصخصة لن يضر الفقراء فقط بل سيطال مؤسسات الدولة وقطاعاتها المختلفة.
وأشار إلى أن سوء الإدارة هو أحد أسباب فشل السكة الحديد وتكبدها خسائر سنوية، موضحا أنه على سبيل المثال فإن فوائد قروض السكة الحديد كانت 19 مليون دولار في عام 2013، وبلغت 220 مليون دولار عام 2016، مؤكدا أنه برغم القروض المتتابعة وفوائدها التي تتراكم فإنه لم يتم استخدامها لوقف الحوادث المتكررة أو تغيير الفلنكات وتطوير المزلقانات.
وانتقد عيسى، أولويات الحكومة في عمليات الإنفاق على المشروعات وخاصة شبكة الطرق الضخمة ذات المواصفات العالمية مضيفا أنه وبرغم أهميتها إلا أن الأولوية في الإنفاق يجب أن تكون لخدمات النقل الجماعي ومنها السكة الحديد، مشيرا إلى أهمية تنفيذ فكرة السكة الحديد الدائرية لربط أنحاء مصر.
وحول احتمالات أن تستولي الإمارات صاحبة مشروع النقل الجماعي بالقاهرة، أو السعودية صاحبة الاستثمارات الأكبر بمصر، أو حتى إسرائيل بعد صفقة استيراد الغاز منها على المرفق الحيوي؛ أوضح الخبير الاقتصادي، أن صناديق الاستثمار لا يعرف أحد من صاحبها، واتفاقية الجات تقضي بعدم التفرقة بين المستثمرين بحسب جنسياتهم، موضحا أن سوق البورصة أيضا لا يمنع أحدا من الشراء ما دام مسجلا فيها، وهو ما يعني أن رأس المال الذي قد يشتري السكة الحديد قد لا تكون معروفة جذوره الأصلية.
تركة ثقيلة عشعش بها الفساد
من جانبه أكد مساعد رئيس تحرير جريدة الأهرام، أسامة الألفي، أن "مرفق السكة الحديد بات بؤرة مشكلات للمواطن قبل الدولة"، مضيفا أنه "ما دامت الدولة قد رفعت أياديها عن الدعم في كافة القطاعات، وصارت تديرها بمنطق الربح ولا تلتفت إلى مستوى الخدمة في المقابل وأسقطت الفقراء من حساباتها، فلا أعتقد أن نقل خدمات السكة الحديد سيضر بالمواطن".
الألفي، أوضح لـ"عربي21"، أنه "على العكس فإن القطاع الخاص سيقدم خدمة أفضل، ولن تختلف أسعاره كثيرا عن أسعار الحكومة، لأنه لن يبقي إلا على من يعمل فعلا من الموظفين والعمال وبالتالي لن يحمل المواطن أعباء مرتبات أناس لا يعملون أو يستهترون بالعمل".
وأشار الألفي، إلى تجارب ناجحة لشركات قطاع خاص في النقل الجماعي بمصر، مثل أتوبيسات شركتي (أخوان مقار) و (أبي رجيلة) التي كانت تنقل ركاب القاهرة، موضحا أنها "كانت دائما نظيفة وأسعارها في متناول الجميع، وها أنت تعايش اليوم قذارة الأتوبيسات والقطارات برغم تضاعف أسعار التذكرة عشرات المرات"، مؤكدا أن "السكة الحديد تركة ثقيلة عشعش فيها الفساد".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أثار القرار كثيرا من الغضب واللغط والانتقادات، وأشار الكاتب الصحفي جمال سلطان، إلى تناقض تصريحات وزير النقل وقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي حول المبالغ التي تحتاجها السكة الحديد في عام واحد.
وقال السياسي محمد محي الدين، إن "الخصخصة ليست حلا لمشاكل السكة الحديد"، مطالبا الدولة بعدم التخلي عن مرفق استراتيجي ولا عن دورها الإجتماعي، موضحا أن "الأمر مرتبط بأولويات الإنفاق".
وأشار الكاتب الصحفي أحمد عابدين، إلى أن الصفقة ستكون بامتيازات فجة للمستثمرين وعلى حساب الغلابة، موضحا أنه استثمار ضخم ستدخل فيه حكومات ليس أفراد، قائلا "هاتكون سكة محترمة للإمارات والسعودية لإكمال تطويق مصر وتحزيمها بفلوسهم".
مقتل وإصابة العشرات في حادث تصادم قطارين بمصر (فيديو)
مذيعة مصرية: لهذا السبب.. يجب القبض على السيسي (شاهد)
الإعلام المصري يهدد تركيا بـ"حرب تكسير عظام" (شاهد)