على صعيد التعامل الإسرائيلي مع الانتفاضات الفلسطينية، يمكن الحديث عن الكثير من الأخطاء التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، سياسيا وعسكريا، خاصة عدم الاستعداد لهذه المواجهة، حيث وقع أكثر من ألف قتيل ونحو ستة آلاف جريح، كما أدى تصاعد الانتفاضة لفقدان الإحساس بالأمن الشخصي، وباتت طرق الضفة الغربية غاية في الخطورة، وأضحت أجزاء من مستوطنات القدس ميادين قتال، وشعر العديد من الإسرائيليين بانعدام الأمان في الأماكن العامة داخل خطوط عام 1967.
وعزز "ميرون بنفنستي"، الباحث الإسرائيلي، هذه الحقيقة حينما كتب يقول: "الشعب الفلسطيني عدو غير قابل للهزيمة، ويجب على الإسرائيليين امتلاك الشجاعة للاعتراف بذلك".
فيما أكد الجنرال احتياط "شلومو غازيت"، رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق، أنه طالما استمر القتال، فإن للفلسطينيين تفوقا في المعنويات، بينما تتعرض قدرة الإسرائيليين على الاحتمال للخطر".
وكثف البروفسور "يوسي غورني" المشهد قائلا: "كل من يعتقد أن الفلسطينيين سيأتون خاضعين لطاولة المفاوضات يشبه الملوك البوربونيين في إنجلترا، الذين قيل عنهم "إنهم لم يتعلموا شيئا ولم ينسوا شيئا".
وفي سياق الأعوام المتلاحقة من الانتفاضة، تلقت "إسرائيل" عدة ضربات في مجالات عديدة،
في أوساط الرأي العام العالمي، غدا وضعها في غاية الصعوبة؛ لأنه يكاد يكون متعذرا التصدي لقوة الصورة التي بثها التلفزيون، وبدا فيها جنود الجيش وأفراد الشرطة وحرس الحدود يطلقون النار على فلسطينيين يرشقون الحجارة، وميزان الخسائر الذي مال، لا سيما في الأشهر الأولى من الانتفاضة، بشكل دراماتيكي لصالح "إسرائيل"، والصور التلفزيونية التي بدت فيها الطائرات المتقدمة والمروحيات القتالية تعمل ضد أهداف فلسطينية، ترتسم في أوساط محافل واسعة في الغرب كتعبير على أنها تمارس الاستخدام المبالغ فيه للقوة.
في المجال الاقتصادي، تلقى فرع السياحة ضربات شديدة متوالية، في انعكاس واضح للانتفاضة، التي كلف التصدي لها ثمنا باهظا بالمفهوم الواسع للكلمة، عبر تخصيص مصادر إضافية لميزانية الأمن، على حساب مشاريع أخرى في مجالي التعليم والبنى التحتية.
وقامت إستراتيجية "الهجوم والتدمير" الإسرائيلية ضد الانتفاضات الفلسطينية على افتراضات أساسية:
إحراز الانتصار خلال وقت قصير محدود، بحيث لن تطول فترة الإعداد والحرب الفعالة أكثر من 6-12 شهرا، وفي نهاية المعركة سينشأ وضع جديد تضطر الأوساط الدبلوماسية في المنطقة والعالم لاستكماله سياسيا.
مع الإعداد الملائم، تستطيع قوات الجيش الانتصار في المواجهة، من خلال ردع القوى المسلحة المشاركة في الانتفاضة، في ظل أن التدخل العسكري من الخارج غير متوقع، وستقاتل القوى الفلسطينية وحدها وستخسر.
العنصر الحاسم في المعركة سيكون معنويات الإسرائيليين، والاستعداد لدعم عسكري-سياسي ومحدد إلى أن يحرز الفوز، إذا أوضحت القيادة السياسية أن الحديث يدور عن "حرب اللا خيار"، وعليها الانتصار خلال وقت قصير.
تمكَّنت انتفاضات الفلسطينيين من جمع عدد من الإنجازات المهمة خلال العمليات التي نفَّذها رجال المقاومة، ما مكَّنها من الانتقال خطوة متقدمة إلى الأمام، وولوج مرحلة نوعية جديدة منها، بعد أن حققت أول إنجاز ميداني تمثل بانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، وتمكَّنت من تكبيد الاحتلال جنودا ومستوطنين خسائر فادحة، سواء على الصعيد البشري، والعسكري، والاقتصادي.
كشفت أحداث الانتفاضات أنه لم يعد هناك مكان أو مدينة أو شارع آمن في "إسرائيل"، ففيما تقلَّصت فيه "سلَّة الأهداف الإسرائيلية" للانتقام من الشعب الفلسطيني، لا تزال "سلَّة أهداف الانتفاضة" عديدة ومتصاعدة.
وفي الوقت الذي لوحظ أن الانتفاضة بدأت منذ الأشهر الأولى بالاتجاه نحو التخفيض من مواجهات الحجارة، فإنها بدأت في توسيع نطاق العمليات الفدائية وتصعيدها، وبدأت الأجنحة المسلحة بالتركيز على عمليات إطلاق النار على المواقع الإسرائيلية، وتحول الهدف من مجرد إطلاق النار العشوائي بهدف الإرباك والإزعاج إلى اقتناص جنود الجيش، وإيقاع أكبر الخسائر الممكنة في صفوفهم، وبعد مرور ثماني سنوات على انطلاق الانتفاضة، وما صاحبها من مقاومة متدرجة، استفاد الفلسطينيون دروسا عديدة.
فخلال أعوام الانتفاضة، نفذ الفلسطينيون أكثر من 20 ألف هجوم من أنواع مختلفة، قُتل فيها أكثر من ألف إسرائيلي، وأكثر من 5600 جريح، منها 138 عملا استشهاديا، قُتل فيها أكثر من 500 إسرائيلي، وجُرح أكثر من 3100 آخرين.
وجاءت الآثار السلبية لامتداد الانتفاضة داخل الخط الأخضر واضحة، عبر عنها الباحثان "آفي بليخ وزهافا سلومون" من جامعة تل أبيب، و"ايلي زومر" من جامعة حيفا، وجاءت نتائج أبحاثهم على النحو التالي:
12% من الجمهور الإسرائيلي تعرض مباشرة لآثار الانتفاضة، 21% تعرضوا لها بصورة غير مباشرة، بواسطة الأقارب أو الأصدقاء الذين تعرضوا لها، هذه الأرقام عالية على نحو مفاجئ، وتشهد بشعور القُرب والمباشرة لدى كثيرين في "إسرائيل" بأخطار الانتفاضة، وبكونها بمنزلة "قرية صغيرة "إعلاميا على الأقل".
شكل عام 2002 نسبة الحضيض في زيارات دور السينما، بسبب مستوى العمليات التفجيرية العالي، وتم التعبير بالمجموع العام للزيارات في تلك السنة بالقياس إلى سابقتها، وتلك التي تلتها بالانخفاض الحاد، بنسبة 40% في أبريل/ نيسان 2002، الذي عبر عن أوج الانتفاضة والانتقال إلى هجوم إسرائيلي شامل.
في السنين العشرين الأولى، 1967-1987، كان ثمن الاحتلال متدنيا نسبيا، من وجهة النظر الإسرائيلية، لكن منذ اندلاع انتفاضة الحجارة، بدأت "إسرائيل" تدفع ثمن الاحتلال، وجرت موازنته بواسطة الأرباح الاقتصادية المختلفة، إلا أنه مع انطلاق انتفاضة الأقصى أصبح ثمن الاحتلال باهظا جدا.
وبينما كانت انتفاضة الحجارة شعبية بطابعها، جاءت الثانية مسلحة، وشهد عدد القتلى الإسرائيليين تزايدا كبيرا، وتفاقم الركود الاقتصادي، وأصبح "ثمن الغطرسة" أكبر فأكبر، ما وضع فترة الاحتلال كلها تحت منظار جديد ومغاير، ويمكن معاينة الثمن في أربعة مجالات رئيسة: الاستقرار السياسي، الأثمان العسكرية، الخسائر الاقتصادية، التكلفات الاجتماعية.
كما تضاعفت تكاليف الاحتلال العسكري بشكل ملحوظ، حيث وضع الجيش كتيبتين ثابتتين تضمان سبع فرق في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخدمت كل وحدة مقاتلة مرة واحدة على الأقل، علما بأن مصروفات الميزانية العسكرية تبقى غير معروفة؛ بسبب عدم الإفصاح عن ميزانية الدفاع، وعلى الرغم من ذلك تشتمل مشاريع الموازنة السنوية على أرقام حول زيادات خاصة على الميزانية العسكرية؛ بسبب "الأحداث في المناطق".
وبين العامين 1987و 2005، اقتربت هذه الزيادات من مبلغ 29 مليار شيكل، 6.5 مليار دولار، لا تأخذ بالحسبان التكاليف الاعتيادية التي توظف للسيطرة على المناطق المحتلة، فضلا عن التكاليف التي تتحملها وزارة الأمن الداخلي.
ووفقا لإحصائيات الجيش، فقد أوضح العميد "يسرائيل زيف"، رئيس قسم العمليات، أن النفقات العسكرية في مواجهة الانتفاضة منذ بدايتها كانت على النحو التالي:
عام 2002، بلغت النفقات ثلاثة مليارات شيكل، 750 مليون دولار
عام 2003 بلغت النفقات 1.3 مليار شيكل، 300 مليون دولار
عام 2004 بلغت النفقات 800 مليون شيكل، 200 مليون دولار
عام 2005 بلغت النفقات 650 مليون شيكل، 150 مليون دولار
عام 2006 حدد حجم النفقات 700 مليون شيكل، 175 مليون دولار
أخيرا.. فقد عاشت "إسرائيل" منذ اندلاع الانتفاضات الفلسطينية تراجعات ملحوظة على مختلف الأصعدة، بدأت بالخسائر البشرية والقتلى والجرحى من الجنود والمستوطنين، مرورا بالخسائر الاقتصادية والاستثمارية، وانتهاء بتراجع واضح لمكانتها على المستوى الدولي.
نائب إسرائيلي يقدم رؤية لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين
مصدر سياسي فرنسي يكشف تفاصيل جديدة عن "صفقة القرن"
جنرال إسرائيلي يقدم كشف حساب للثورات العربية