أثارت موافقة "فيلق الرحمن" على إخلاء المناطق التي يسيطر عليها في الغوطة الشرقية جدلا واسعا، بين من يرى أنها خطوة ضرورية لوقف المجازر التي ترتكب بحق المدنيين الأبرياء نتيجة القصف الجوي العنيف، وبين من يعزو ذلك إلى تضعضع قيادة الفيلق بسبب اختراقات أمنية خارجية أفقدته استقلالية القرار.
ووفقا لمراقبين فإن ما يثير علامات الاستفهام بشأن
موافقة قيادة الفيلق على الانسحاب أنه "لم يخض معارك قوية على جبهاته ضد قوات
النظام وحلفائه"، ما يقوي فرضية اختراق النظام لقيادته.
من جهته، أرجع الإعلامي والناشط السوري أبو حيدة
القلموني، انسحاب الفصائل من الغوطة إلى عدة أسباب، من أبرزها حرص تلك الفصائل على
صيانة المدنيين من هول القصف العنيف الذي راح ضحيته مئات الأبرياء، وأحدث دمارا
كبيرا نتيجة سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها الروس.
وأضاف القلموني لـ"عربي21": "أما
السبب الثاني فيرجع إلى وقوع خيانة داخلية في صفوف فيلق الرحمن بعد اكتشاف عملاء
للنظام انقلبوا على الثوار، مما خلخل صفوف الفيلق، الأمر الذي أدّى إلى تسريع وقف
القتال والتسليم والانسحاب".
اقرأ أيضا: أنباء متضاربة عن بدء خروج مقاتلي "جيش الإسلام" من دوما
ولفت القلموني إلى أن "نقص الذخيرة والمؤن بسبب
الحصار الواقع على الغوطة منذ سبع سنوات، إضافة إلى تخلي بعض الدول عن تقديم الدعم
للثوار كان من أسباب هزيمة الفصائل في الغوطة".
وجوابا عن سؤال بشأن جيش الإسلام الذي ما زال يرفض
الانسحاب من دوما، قال القلموني: "من الصعب على جيش الإسلام الاستمرار في
القتال للأسباب التي ذكرتها آنفا، وأتوقع أن تفضي مفاوضاته إلى انسحابه، وهي مسألة
وقت فقط".
في السياق ذاته، أوضح القيادي السابق في جبهة النصرة
صالح الحموي، صاحب حساب "أس الصراع في الشام" على "تويتر"، أن "خروج
أحرار الشام من حرستا كان بسبب ضغط المدنيين عليهم، بعد أن قام وجهاء من حرستا ممن
يقطنون داخل دمشق بترتيب لقاء لوجهاء من أهالي حرستا مع النظام، أسفر عن اتفاقهم
معه لإخراج الأحرار".
وتابع الحموي حديثه لـ"عربي21" بالقول: "لم يكن أمام أحرار الشام إلا الموافقة على الخروج أو الصدام مع الأهالي، هذا
طبعا بعد أن استطاع النظام فصلهم جغرافيا عن القطاع الأوسط، وعن مناطق جيش
الإسلام".
اقرأ أيضا: آخر قافلة من مناطق فيلق الرحمن.. والنظام يهدد بدخول دوما
أما تفسيره لأسباب موافقة فيلق الرحمن على الانسحاب
من المناطق التي يسيطر عليها، فأرجعها الحموي إلى "افتقاره للحاضنة الشعبية
داخل مناطق تواجده"، ذاكرا ما حدث في حمورية، وكفر بطنا "حيث قام مسلحون
من تلك القرى، بسبب كرههم لقيادة الفيلق بإدخال قوات النظام إلى مناطقهم بضمانات
الوجهاء".
وأشار الحموي إلى أن "ضغوط المدنيين على فيلق
الرحمن للانسحاب من مناطقهم، بعد الحملة الشرسة التي شنها النظام وروسيا عليهم،
كانت سببا مهما في موافقته على الخروج من تلك المناطق".
وردا على سؤال بشأن توقعاته لمصير جيش الإسلام في
دوما، قال الحموي: "استطاع جيش الإسلام حماية نفسه بحاضنة شعبية في مناطق
تواجده، وهي مستعدة للتحمل والتضحية معه، وهو ما يقوي خياره بالبقاء لغاية الآن،
وعدم الانسحاب".
وأضاف الحموي أن "ثبات جيش الإسلام على موقفه
مرهون بدعم المواطنين له، وصمودهم معه"، مشيرا إلى أنه "يفاوض حاليا على
البقاء مقابل تنازلات في أمور أخرى كالمعتقلين"، معربا عن تخوفه من "ضغط
المدنيين عليه ومطالبته بالخروج من مناطقهم".
اقرأ أيضا: جيش الإسلام "متفائل" وينفي الانسحاب.. وتحضير لقافلة جديدة
بدوره، لفت الباحث الشرعي والناشط السوري محمد الأمين،
إلى أن "قيادة فيلق الرحمن مخترقة بشدة من النظام، وهذا سبب انسحابه دون
معارك قوية على جبهته"، على حد قوله.
وقلل الأمين من تأثير انسحاب فيلق الرحمن على صمود
جيش الإسلام في دوما، لافتا إلى أن "تأثيره لم يكن جوهريا، مع أنه كان بإمكان
الفيلق فتح جبهة الحي الدمشقي جوبر، والضغط باتجاه ساحة العباسيين، وهو ما كان
سيجبر النظام على نقل عدد من قواته شرق الغوطة إلى دمشق".
وجوابا عن سؤال "عربي21": ما هو المتوقع
حاليا بالنسبة لجيش الإسلام؟ قال الأمين: "هناك ضغط هائل على جيش الإسلام،
وهو يرى أن الخروج من الغوطة ليس مطروحا للنقاش حتى لمناطق قريبة مثل القلمون
ودرعا، باستثناء الجرحى وبعض الحالات الخاصة".
وطبقا للأمين فإنه "وبحسب ما تسرب من المفاوضات
بين الروس وجيش الإسلام فإن الصيغة تقتضي إعطاء النظام سيطرة شكلية على دوما، ورفع
علمه عليها ومتابعة الأمور المدنية دون دخول جيشه إليها، لأن أهل دوما لا يثقون
بوعود النظام".
وختم الأمين حديثه بالقول: "لكن الإشكال هو في
إصرار جيش الإسلام حتى الآن على الاحتفاظ بسلاحه الثقيل، خوفا من غدر النظام، فيما
يصر النظام على إخراجه من الغوطة".
مع هدوء جبهات سوريا.. هل تظهر خلافات روسيا وإيران للعلن؟
لماذا أجّل النظام تهجير أهالي حي القدم الدمشقي للآن؟
بعد تهديدات.. لماذا أرجأ النظام العملية العسكرية بريف حماة؟