تعيش الصحافة المصرية واحدة من أسوأ أزماتها هذه الأيام في ظل الهجمة التي يشنها نظام عبد الفتاح السيسي، وتضمنت اعتقال عشرات الصحفيين وحجب مئات المواقع الإخبارية.
وفي هذا السياق، قررت النيابة العامة يوم الجمعة الماضية حبس رئيس تحرير موقع "مصر العربية" الإلكتروني عادل صبري 15 يوما، على ذمة اتهامه بنشر أخبار كاذبة بعد نشر تقرير مترجم عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية حول انتخابات الرئاسة.
كما أقال مجلس إدارة صحيفة "المصري اليوم" رئيس التحرير محمد السيد صالح، بضغط من النظام بحسب مصادر صحفية، بعد أيام من إحالته للتحقيق بسبب نشر عنوان للصحيفة حول حشد الدولة للناخبين.
اقرأ أيضا: الأمن المصري يداهم مقر موقع إخباري ويعتقل رئيس تحريره
اتهامات مُعلّبة
وأثارت هذه الهجمة الأمنية على الصحفيين انتقادات غربية عديدة، حيث قالت وكالة "أسوشيتد برس" إن حبس رئيس تحرير موقع "مصر العربية" بعد يوم واحد من فوز الرئيس السيسي بولاية رئاسية ثانية، يعد "الحلقة الأحدث من مسلسل القمع الأمني للإعلام في مصر.
ووصفت الوكالة الاتهامات التي وجهت إلى الصحفيين المعتقلين بأنها "مُعلّبة" وتوجه لكل معارضي النظام، مشيرة إلى أن السلطات طردت صحفية بريطانية قبل أيام من الانتخابات في إطار الضربة القوية التي توجهها لحرية الصحافة في مصر.
وقالت وكالة "رويترز" إن عادل صبري
رئيس تحرير موقع "مصر العربية" وجد نفسه متهما بالإرهاب والتحريض على التظاهر، وألقي به
في السجن لمجرد نشر الموقع الذي يرأس تحريره تقريرا مترجما عن صحيفة "نيويورك
تايمز" حول الانتخابات الرئاسية.
وفي تقرير لها الأحد، نقلت رويترز عن "دانييل
رودز" المتحدثة باسم "نيويورك
تايمز" تأكيدها صحة التقرير الذي نشرته الصحيفة الأمريكية، مشددة على إدانة
عمليات الاعتقال وترويع الصحفيين وخنق حرية الصحافة في مصر".
أما صحيفة "الغارديان" البريطانية فقالت إن
غلق موقع "مصر العربية" وحبس رئيس تحريره، لن تكون الخطوة الأخيرة في
حملة القمع الواسعة على وسائل الإعلام.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إنّ حبس عادل صبري رئيس
تحرير موقع "مصر العربية"، جاء رغم حجب موقعه منذ نحو عام بجانب 500 موقع
حجبتهم السلطات في 2017.
أفق ضيق
وأعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة
"ستيفان دوغريك"، عن قلق الأمين العام أنطونيو جوتيريش إزاء الأفق
السياسي الضيق في مصر.
كما طالبت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، في بيان
لها السبت، "الحكومة المصرية بتخفيف هذه الحملة الصارمة والسماح لوسائل الإعلام
بالقيام بعملها".
كذلك أدانت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في بيان لها
الأحد، تلقت "عربي21" نسخة منه، إغلاق مقر "مصر العربية" واحتجاز
رئيس تحريرها، وأعربت عن قلقها بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان وفرض قيود صارمة على
حرية التعبير في مصر، التي تتعارض مع الدستور المصري والمعاهدات الدولية.
الانفجار سيطيح بالجميع
وتعليقا على هذه الحملة الأمنية، قال نقيب الصحفيين
السابق يحيى قلاش، إن مصر كانت تعيش في عهدي السادات ومبارك ما يسمى بديمقراطية
الهوامش، أما الآن فإن هذه الهوامش قد ألغيت تماما وانتقلنا من عصر تأميم الصحافة
إلى عصر تكميم الصحافة.
وأضاف قلاش، في تصريحات لـ "عربي21" أن سقف
الحريات في البلاد انخفض لأدنى مستوى له، مشيرا إلى أن "انخفاض السقف ليس فقط
على المستوى السياسي، وإنما على المستوى
المهني أيضا."
وأوضح قلاش أن القرارات والسياسات التي تمارسها السلطة
الحاكمة "تقتل مهنة الصحافة والإعلام التي تقوم بالأساس على التنوع والاختلاف
وتبادل الآراء والأفكار، بينما القمع والصوت الواحد هو ضد طبيعتها ويخنقها حتى
تموت"، مضيفا "في عهدي السادات ومبارك كان التنوع مهندسا على يد النظام،
فكان النظام يختار رؤساء الصحف من المفكرين أو السياسيين المرموقين ويسمح للأحزاب
بالحركة في إطار المساحة المسموح بها، لأنه كان يعرف أن البشر جبلوا على التنوع والاختلاف، ولا يمكن قهر الناس ليكونوا على شكل واحد".
اقرأ أيضا: تغريم صحيفة وموقع إلكتروني على خلفية تغطية "رئاسيات مصر"
تجريم الكلام
من جانبه قال عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق خالد
البلشي، إن المشهد العام الذي تعيشه مصر الآن هو حصاد للممارسات التي بدأت طوال
السنوات الخمس الماضية من منع للنشر وحجب للمواقع ومصادرة الصحف واعتقال للصحفيين،
مشيرا إلى أن "النظام يسعى إلى إسكات الجميع وفرض سياسة الصوت الواحد".
وأضاف البلشي، في تصريحات لـ "عربي21" أن "مصر
تعيش هذه الأيام المرحلة الأخيرة من القمع التي يتم فيها تجريم الكلام"،
مشيرا إلى أن "عنوان صحيفة "المصري اليوم" الذي سبب أزمة للنظام
وتم بسببه إقالة رئيس التحرير، كان مهنيا وأقل بكثير من العناوين التي كانت تكتب في
عهد مبارك، كما أن إغلاق موقع "مصر العربية" وحبس رئيس تحريره بسبب ترجمة
تقرير من صحيفة أجنبية، هو أمر بالغ الغرابة وغير مسبوق في أي مكان في العالم".
وحذر البلشي من أن الاستمرار في هذه السياسية "سيؤدي
لا محالة إلى نهاية مهنة الصحافة"، مضيفا "حتى مؤيدو النظام أصبح لا
يمكنهم العمل في هذا المناخ الخانق، ولنا في خيري رمضان عبرة".
اقرأ أيضا: كيف أدخل السيسي "نقابة الصحفيين" إلى بيت الطاعة؟
"مراسلون بلا حدود" تدعو لوقف حملة قمع الصحافة بمصر
كيف أدخل السيسي "نقابة الصحفيين" إلى بيت الطاعة؟
مصر تتهم مراسلة "ذي تايمز" المبعدة بـ"مخالفة القانون"