منذ مجيء الأمير الشاب واستلامه ولاية العهد من ابن عمه الأمير محمد
بن نايف، وهو يسلك سياسة أكثر وضوحا وجرأة -عن سابقيه من الأمراء وأولياء العهد-
تجاه علاقة بلاده بشكل خاص مع الاحتلال الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، في 21
يونيو/ حزيران 2017، أصدر الملك سلمان ملك المملكة العربية السعودية أمرا ملكيا
بتعيين نجله وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء بجانب احتفاظه بوزارة الدفاع.
في
الوقت الذي كان فيه الغزيون يقاومون الاحتلال الإسرائيلي على حدود غزة في مسيرة
العودة الكبرى التي انطلقت في الثلاثين من مارس آذار الماضي، وتنزف دماؤهم برصاص
المحتل وأيديهم عارية من أي سلاح، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في
معرض إجابته على سؤال للصحفي جيفري جولدبيرغ رئيس تحرير مجلة "ذي
أتلانتك" الأمريكية خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، "هل يؤمن بأن
للشعب اليهودي الحق في إنشاء دولة في جزء على الأقل من أرض أسلافه؟ أجاب:
"أعتقد أن لكل شعب، في أي مكان، الحق في العيش بسلام في بلده، أؤمن بحق
الفلسطينيين والإسرائيليين في امتلاك أرضهم الخاصة".
بداية،
فإن جولدبيرغ هو أمريكي ويحمل الجنسية الإسرائيلية وخدم في الجيش الإسرائيلي كحارس
سجن في الانتفاضة الأولى في سجن النقب الصحراوي، وبغض النظر عما يمثله هذا التصريح
من التباس سياسي وفخ يوقع الأميرُ بلاده في أزمات سياسية مستقبلا، فيما يتعلق
بأحقية اليهود في العودة إلى بني قينقاع وبني النضير وخيبر، ومطالبتهم بتلك الأرض،
بجانب كون التصريح اعترافا سياسيا صريحا لا غبار عليه في أحقية اليهود في دولة على
الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو خلاف لما دأب عليه الزعماء العرب طوال السنوات
الماضية.
فإن ثمة تساؤل، هل يُعتبر هذا التصريح من ولي العهد سياسة جديدة إزاء
إسرائيل من قلب الحليف الأكبر لها واشنطن؟ وهل هو يدير ظهره للفلسطينيين أم أنها
سقطة سياسية متسرعة من أمير حديث عهد بالسياسة؟ ولماذا يأتي التصريح في هذا الوقت
العصيب على الفلسطينيين والعرب تحديدا؟
ما سبق هذا التصريح، الزيارة السرية التي قام بها الأمير شخصيا إلى
تل أبيب والتقى مع مسؤولين إسرائيليين كما نقلت ذلك صحيفة "ميكور ريشون"
الإسرائيلية، الأمر الذي أدى بنتنياهو للقول خلال كلمة له بمناسبة حلول العام
العبري الجديد: "ما يحدث في الواقع مع البلدان العربية لم يحدث من قبل في
تاريخنا، حتى عندما وقّعنا على اتفاقيات، فالتعاون بيننا والبلدان العربية قائم
بطرق عدة، وعلى مستويات مختلفة".
يصف
الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بروس ريديل، الأمير الشاب
بالقول: "إنه أمير يُعرف بطموحه الشديد وسلوكه العدواني"، ووفق ما نشره
موقع The American Conservative في تقرير أعده الباحث
المتخصص في شرون الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي جيفري أرونسون، فإن رؤية
محمد بن سلمان لقضية فلسطين تكمن في إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة مع التوسع في
سيناء المصرية وتعويض مصر بأراض عن سيناء من صحراء النقب، كما تقتضي الخطة حسب ما
كشفته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن لقاء تم بين ولي العهد ورئيس السلطة
الفلسطينية في الثالث من كانون الأول ديسمبر الماضي، بموجبه تتنازل السلطة
الفلسطينية عن الضفة الغربية والقدس المحتلة للاحتلال الإسرائيلي مقابل 10 مليار
دولار كتعويض للسلطة.
ووفقا
لما ذكره جولدبيرغ في لقائه مع ولي العهد السعودي في واشنطن، فإن
"إسرائيل" تُعتبر عضوا سريا وخاصا لمحمد بن سلمان، حيث أن الأخير لا
يتحدث عنها بالسوء، الملاحظ من قبل الباحثين السياسيين، أن ثمة تغييرٌا جذريٌا طرأ
على السياسة الخارجية السعودية فيما يتعلق بالعلاقة تجاه القضية الفلسطينية بشكل
عام، بدء التغيير منذ الانقلاب العسكري في مصر في الثالث من يوليو 2013، حيث
اعتبرت الرياض في ظل حكم الملك سلمان بن عبد العزيز، أن حركة حماس إرهابية.
وهو تصنيف يأتي لاعتبارات سعودية ذات علاقة بالتخوف من تأثير ونفوذ
جماعة الإخوان المسلمين المتزايد بفعل الثورات العربية، التي يعتبرها بن سلمان
الآن أحد أضلاع "مثلث الشر" مع إيران والجماعات السنية الإرهابية حسب
وصفه، حيث حماس فرع من الجماعة، وكذلك التصنيف للحركة بالإرهاب تماشيا مع النظام
العسكري المصري الجديد أملا في الدفع لإثبات وجوده وإرجاع الجماعة إلى السجون.
ومنذ
ذلك الوقت تغيرت النظرة للقضية الفلسطينية، حيث رأت الرياض أن قضية فلسطين أحد
دوافع الشعوب على ما أطلق عليه ثورات الربيع العربي، وتعالت الأصوات من الشخصيات
الخليجية التي ترى أن قضية فلسطين ذات شأن فلسطيني بحت.
وقد أوردت القناة العاشرة الإسرائيلية أن محمد بن سلمان في لقاء مع
زعماء يهود في الولايات المتحدة في أبريل الماضي قال: "على الفلسطينيين أن
يقبلوا أي شيء يعرض عليهم من إسرائيل، فلسطين لا تعنينا لدينا قضايا أهم مثل
إيران." وأصوات خليجية إعلامية أخرى تدعو إلى بدء مرحلة جديدة من العلاقة مع
–إسرائيل- كونها دولة أمر واقع بمعنى تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو
الأمر الذي أبدى أفيغدور ليبرمان وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي وأحد المتطرفين
الإسرائيليين ضد العرب سعادته بشأنه.
بل إن مستوى علاقات حكومته مع بعض الدول العربية وصلت إلى مستوى غير
مسبوق، مضيفا "في إطار حل إقليمي مع الدول العربية، هناك حديث وهناك إصغاء من
الجانب العربي لآرائنا وهذا جيد في هذه المرحلة، أستطيع القول إن نحو 75 في المئة
من الأمور توصَّلنا إلى تفاهمات حولها، وبقي 25 في المئة، وهي برأيي الأصعب".
تصريحات
ليبرمان كانت من خلال مقابلة صحفية من صحيفة إيلاف السعودية الذي كان متوجها إلى
الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة رسمية، وهي بمثابة ترجمة فعلية في إطار حملة
التطبيع للسياسة الجديدة للمملكة العربية السعودية بقيادة الأمير الشاب "الذي
تملؤه الحماسة" كما وصفه جولدينبيرغ، مع أشرس شخصية إسرائيلية متطرفة تجاه
العرب، الذي وصفته الصحيفة بـ "وزير الدفاع الإسرائيلي" ومنحته الفرصة
الكافية لتبرير حصار غزة منذ 12 عاما، وتبرير استهداف جيش الاحتلال للأطفال في
مسيرة العودة الكبرى على حدود غزة منذ 30 مارس آذار الماضي، لكن هذه المقابلة
الثانية للصحيفة سبقها لقاء فاتح للشهية مع رئيس أركان الاحتلال الإسرائيلي غادي
آيزنكوت في نوفمبر 2017، وفي اللقاء نفسه أشاد آيزنكوت بالمصالح المشتركة بين
الرياض وتل أبيب ضد إيران.
وعلى
الرغم من أن المملكة العربية السعودية عبر المبادرة العربية للسلام، لا تعترف بدولة
"إسرائيل" وتُصِر على أن أي عملية سلام وتطبيع يجب أن يسبقها انسحاب
إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إلا أن التصريحات الأخيرة تدلل
على نوايا الأمير السعودي لمحاولة نيل رضا الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل،
ويمكن قراءة ذلك بوضوح حينما رد ولي العهد بالقول "نشترك في كثير من المصالح
مع إسرائيل وإذا تحقق السلام، سيكون هناك كثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس
التعاون الخليجي".
بمعنى أن هناك الكثير من العلاقات القائمة حاليا بين الطرفين، وأن
كلا الطرفين لا يستغنيان عن بعضهما لوجود المصالح المشتركة، لكن مع التوصل إلى
اتفاق سلام سيتم توسيع محور العلاقات لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي كافة، وهو ما
لم يرد نفي له من أي طرف خليجي، ليكون التساؤل: هل يقود بن سلمان قاطرة التطبيع
الخليجية مع إسرائيل رسميا؟ لكن جولدنبيرغ علَّق بالقول: "وإذا حقق الأمير
محمد فعليا ما يقول أنه يريد تحقيقه، فإن الشرق الأوسط سيكون مكانا مختلفا."
المراقب
للسياسة الخارجية للمملكة تجاه قضية فلسطين منذ تجميع محمد بن سلمان لكافة السلطات
بيده فقط عكس ما اعتادت عليه المملكة، يجد أن السعودية قد تنازلت عن شروط المبادرة
العربية للسلام مع إسرائيل، وتمارس التطبيع معها دون تحقيق شروط المبادرة التي
أطلقها الملك الراحل، بل يمكن اعتبار المبادرة في حكم الميتة، وكما وصفها شارون
نفسه في ذلك الوقت "لا تساوي الحبر الذي كُتِبت به" ثم أتبعها باجتياح
مدينة رام الله ومحاصرة الرئيس الفلسطيني.
كما
أن ولي العهد السعودي بتصريحه "لدينا مخاوف دينية بشأن مصير المسجد الأقصى في
القدس، وبشأن حقوق الشعب الفلسطيني، هذا ما لدينا، ليس لدينا أي اعتراض على أي شعب
آخر"، يكون قد تجاوز قضية الصراع الأساسية مع إسرائيل كونها قضية احتلال
إسرائيلي للأراضي الفلسطينية وليست قضية صراع على مصير المسجد الأقصى.
كما أن استخدامه لمصطلح "المخاوف الدينية" والتي تشير إلى
"شعور سلبي" تجاه مصير المسجد الأقصى وليس استنادا إلى حقائق الانتهاكات
الإسرائيلية فيه، وهو ما يمكن اعتباره تراجعا سياسيا آخر يتعلق بقضية فلسطين، فكيف
سيعود حق الشعب الفلسطيني دون زوال الاحتلال منذ سبعين عاما؟
على
الرغم من تصريحات ولي العهد السعودي، تتساءل أوساط دبلوماسية وسياسية أمريكية، حول
الهدف الحقيقي من تصريحات محمد بن سلمان وما يهدف إليه عبر خطته المثيرة للجدل
فلسطينيا على الأقل، فهل تأتي للتقرب من واشنطن فيما يتعلق بالتحالف ضد إيران أم
تحت ضغوط من واشنطن؟ في الوقت الذي يرفضها الفلسطينيون سواء في قيادة السلطة
الفلسطينية المؤيدة لعملية السلام والتفاوض دون سقف زمني أو شروط مع إسرائيل كما
أعلن عن ذلك مفاوضي ترامب، كما ترفضها المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركتي حماس
والجهاد الإسلامي، والأخطر أن تقود الرياض أكبر دولة عربية وإسلامية قطار التطبيع
مع الاحتلال الإسرائيلي وبسرعة متسارعة، لتصحو يوما لا هي أبقت ظهرها العربي، ولا
دعمت صمود مقاومتها.