نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للصحافي بيتر بينارت، يقول فيه إن العديد من الافتراضات التي قادت مسيرة أمريكا للصراع في عام 2003، لا تزال تهيمن على السياسة الخارجية الأمريكية اليوم.
ويقول بينارت إنه عندما جلس يشاهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعرض المعلومات السرية، التي من المفروص أنها تثبت خداع إيران للعالم، بخصوص برنامجها النووي، فإنه عادت به الذاكرة إلى عام 2003، وبالذات في 5 شباط/ فبراير، عندما قام وزير الخارجية الأمريكي كولين باول، بالكشف عن معلومات سرية تثبت أن العراق يخادع العالم بخصوص أسلحة الدمار الشامل.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "عرض باول كان دراماتيكيا، مثل عرض نتنياهو، لقد أخبر مجلس الأمن أن بعض المعلومات التي سيعرضها أتت من أناس (غامروا بحياتهم ليخبروا العالم بما يفعله صدام في الحقيقة)، ثم قام بتشغيل تسجيل لحديث بين مسؤولين عراقيين يخططان لخداع المفتشين الدوليين، ثم عرض صورا لما قال إنها مخابئ لذخيرة كيماوية، لكن عندما وصل المفتشون بعد ذلك لم يجدوا فيها شيئا، وأصر باول على أن صدام كان يسعى لإقناع مجلس الأمن بأن عملية التفتيش فعالة، لكن عرض باول سعى ليثبت عكس ذلك".
ويجد بينارت أن "أوجه الشبه بين الحالتين مخيفة، ففي كلتاهما تخشى القيادة الأمريكية أن خصما في الشرق الأوسط بدأ يتحرر من القيود التي كانت تكبحه، وفي كلتا الحالتين سعى القادة إلى سياسة أكثر مواجهة، ودعموا ذلك التوجه عن طريق تصريحات مرعبة حول برنامج تسلح النظام، وفي كلتا الحالتين لم يتفق المفتشون الدوليون مع تلك الادعاءات المقلقة، وفي كلتا الحالتين دافع حلفاء أمريكا الأوروبيون عن المفتشين، وحذروا من الفوضى التي ستجلبها سياسة المواجهة الأمريكية، وفي كل من أمريكا وإسرائيل رد الصقور بمحاولة نزع الثقة عن نظام التفتيش، وفي كلتا الحالتين كان يقود تلك الجهود كل من جون بولتون وبنيامين نتنياهو".
ويؤكد الكاتب أن "هناك اختلافات بين الأمس واليوم، ففي 2003 كانت أمريكا تريد الحرب، واليوم تريد إلغاء اتفاقية دبلوماسية، وفي 2003 كانت الحكومة الإسرائيلية (على عكس نتنياهو الذي كان مواطنا عاديا حينها) قلقة من سياسة المواجهة التي تنتهجها أمريكا، واليوم تحاول الحكومة الإسرائيلية الضغط بقوة تجاه المواجهة، ومع أنها ليست حالة يعيد فيها التاريخ نفسه، إلا أن هناك تناغما عجيبا، وهو ما يثير سؤالا مقلقا: كيف يمكن -وبعد 15 عاما من إطلاق أسوأ نكبة في تاريخ أمريكا- لكثير من الاعتبارات التي قادت أمريكا للحرب في العراق أن تعود وتسود السياسة الخارجية الأمريكية اليوم؟".
ويقول بينارت إنه "للاجابة على هذا السؤال فإنه يجب أن نتذكر التاريخ الذي يتمنى نتنياهو وبولتون وحلفاؤهما في الصحافة أن ينساه الأمريكيون، حيث شكل العرض الذي قدمه باول في مجلس الأمن لحظة حاسمة في الصراع بين إدارة بوش وفريق التفتيش الدولي، وكان الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد مقتنعين بأن صدام حسين -الذي قضى معظم تسعينيات القرن الماضي تحت الحصار- قد تحرر من القيود التي كانت تمنعه من السعي لتحقيق برامجه التسلحية ومضايقة جيرانه، وكان نظام العقوبات يتداعى، وغادر المراقبون العراق عام 1998، بعد أن حدد صدام حريتهم في الحركة، وكان الجواب بحسب رأي الساسة هو تغيير النظام".
ويرى الكاتب أن "هذا التوجه قوّى المزاج العام الذي يميل للحرب بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، بالإضافة إلى نجاح أمريكا في الإطاحة بحكم حركة طالبان في أفغانستان، وخشي تشيني من أن إرسال المفتشين الدوليين للعراق سيعقد الطريق للحرب في العراق، فقال في شهر آب/ أغسطس 2002، إن صدام قد (أتقن فن الخداع والتراجع، وهو ماهر جدا في فن الإنكار والخداع، وإرسال مفتشين للعراق لن يوفر أي ضمانات بالتزامه بقرارات الأمم المتحدة)، أما نتنياهو، الذي كان قد خسر الانتخابات، فكان متفقا مع كلام تشيني، فقال أمام الكونغرس في أيلول/ سبتمبر: (ليس من الصعب جدا خداع المفتشين)، ثم حذر في وقت لاحق من الشهر ذاته، في مقال في صحيفة (وول ستريت جورنال) من أن صدام (صنع أجهزة طرد مركزي .. فحتى التفتيش الحر دون أي قيود لن يكشف هذه المواقع المتنقلة لتصنيع (أدوات) الموت الجماعي)".
ويستدرك بينارت بأنه "تحت ضغط من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، حصل بوش في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2002 على قرار من مجلس الأمن، يطلب من العراق السماح لفريقي أسلحة بدخول العراق، أحدهما للتفتيش عن تصنيع الأسلحة النووية، والآخر للبحث عن الأسلحة الكيماوية".
ويلفت الكاتب إلى أن "ما تبع ذلك كان عبارة عن دراما دبلوماسية، حيث حاولت كل من ألمانيا وفرنسا مساعدة المفتشين الدوليين في التأكد من أن صدام لا يسعى للحصول على أسلحة دمار شامل، وأصرت إدارة بوش على أنهما لا تستطيعان".
ويفيد بينارت بأن "الفريقين أصدرا تقريرهما الأول في 21 كانون الأول/ ديسمبر، حيث قال فريق وكالة الطاقة الذرية بأنه قام بثمانية وستين تفتيشا، في الوقت الذي قال فيه فريق أنموفيك (لجنة الأمم المتحدة للرصد والتفتيش) بأنه زار 44 موقعا، لكن إدارة بوش كانت قد بدأت بنشر قوات وأسلحة في الخليج، وكان التقرير التالي مقررا في 27 كانون الثاني/ يناير 2003، لكن في 9 كانون الثاني/ يناير هاجم بولتون فكرة القضاء على إمكانية العراق لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، من خلال فرق تفتيش الأمم المتحدة، وأعلن أنه (ما من شك أنه لو كان لدى المفتشين عدد كاف من الأشخاص في العراق، وكان لديهم ما يكفي من الإمكانيات، أنهم سيجدون مرافق إنتاج أسلحة الدمار الشامل المخبأة والعناصر ذات الاستخدام المزدوج، التي لا يزال العراقيون يملكونها، وإن لم يستطيعوا التوصل إلى ذلك حتى تاريخ 27، فعلينا أن نأخذ ذلك في الحسبان)، أي إن لم يجد المفتشون أسلحة الدمار الشامل حتى تاريخ 27 كانون الثاني/ يناير، فإنهم سيكونون قد أثبتوا فشلهم، أما بوش فكان أوضح: (التفتيش لم يوصلنا إلى هناك)".
وتورد المجلة نقلا عن هانس بليكس، الذي قاد فريق "أنموفيك"، في 27 كانون الثاني/ يناير، قوله بأن مفتشيه زاروا 230 موقعا، وأنه بإمكانهم التأكيد على نزع أسلحة العراق "خلال فترة معقولة من الزمن"، مشيرة إلى أن المسؤول المصري الذي قاد الوكالة محمد البرادعي قال إن مفتشيه زاروا 109 مواقع، وأنهم لم يجدوا أي دليل على أن العراق أحيا برنامجه النووي، وأن بإمكانهم تقديم الضمانات الموثوقة بذلك خلال عدة أشهر.
وينوه الكاتب إلى أن "بوش الغاضب طلب من باول أن يقوض تقارير المفتشين، ويثبت أن صدام لا يزال يسعى لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، لكن حتى بعد خطاب مدته 75 دقيقة لباول في الأمم المتحدة، بقي المفتشون ومؤيدوهم في أوروبا مصرين على موقفهم، ونفى بليكس في تقريره التالي في 14 شباط/ فبراير 2003، ادعاء باول بأن العراقيين يقومون بنقل أسلحة الدمار الشامل من المواقع قبل تفتيشها، فيما قال البرادعي إن عمليات التفتيش كلها كانت تتم دون إعلام الجانب العراقي، الذي كان بشكل عام يسمح بدخول المفتشين دون إعاقة، وفي 5 آذار/ مارس، أصدرت ألمانيا وفرنسا وروسيا بيانا، قالت فيه إنها (تدعم بشدة السيدين بليكس والبرادعي .. (مع ملاحظة أن) عمليات التفتيش تلك تعطي نتائج مشجعة)".
ويبين بينارت أنه "بالنسبة لبوش فإن الأمور وصلت حدها في 17 آذار/ مارس، حيث قال في خطاب للشعب الأمريكي بأن هناك مخادعة ممنهجة للمفتشين، مشيرا إلى أن المعلومات التي تملكها أمريكا لا تترك مجالا للشك بأن النظام في العراق يستمر في امتلاك وتخبئة أفتك أنواع الأسلحة، وبعد ذلك بيومين غزت أمريكا العراق".
ويذكر الكاتب أنه "بعد الحرب، وفي عام 2004، علم البرادعي أن أمريكا تحاول منعه من رئاسة وكالة الطاقة لدورة ثالثة، وضمن جهودها لفعل ذلك فإنها قامت بمراقبة هاتفه؛ في محاولة لإيجاد ما يدينه، وكان من قاد تلك الجهود جون بولتون، ومع نهاية عام 2004 توقف بولتون عن مهاجمة البرادعي ووكالة الطاقة الذرية في الشأن العراقي، وبدأ في مهاجمته بسبب (إهماله لبرنامج إيران النووي)".
ويقول بينارت إنه "بعد 11 عاما، عاد بولتون إلى الصورة مستشارا للأمن القومي لترامب، ونتنياهو رئيسا للوزراء في إسرائيل، ويقدمان الحجج ذاتها ضد نظام التفتيش الدولي المفروض على النظام الإيراني، التي تم استخدامها ضد نظام التفتيش الدولي في العراق".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "كما كان الأمر في حال العراق، فإن كلا من بولتون ونتنياهو يريدان أن تواجه أمريكا هذا التهديد المتزايد المفترض بسياسة مواجهة، ويعد الانسحاب من الصفقة النووية لعام 2015 مفتاح ذلك التحول".
نيويورك تايمز: هل كان قرار ترامب بشأن إيران شجاعا؟
إندبندنت: هذا ما دفع ترامب للانسحاب من الاتفاق مع إيران
أوبزيرفر: هل طلب فريق ترامب مساعدة إسرائيل ضد أوباما؟