في خطوة جديدة مثير للتساؤلات حول خسارة مصر لأصولها الحكومية، فوضت الحكومة المصرية بنك الاستثمار القومي للتصرف بأصولها غير المستغلة، بالبيع، والإيجار، وحق الانتفاع، والشراكة.
وأعلنت الحكومة في آذار/ مارس الماضي، عن إدراج حصص 23 شركة بالبورصة، في إطار برنامج لجمع 80 مليار جنيه؛ لتعويض عجز الميزانية.
ونقلت تقارير إعلامية مصرية، الاثنين، عن نائب رئيس مجلس إدارة البنك، محمود منتصر، قوله إن البنك يقوم بحصر تلك الأصول، وتجهيز مستندات ملكيتها، تمهيدا للتصرف بها، أو تغيير النشاط، وأنه تلقى عرضا للاستحواذ على حصته بإحدى الشركات الهامة.
من جانبه، انتقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية تلك الخطوة، مشيرا إلى أن الغموض لا يزال يكتنف خطة الحكومة لإدارة تلك الأصول، خاصة بعد إنشاء صندوق سيادي، الشهر الماضي؛ بهدف استغلال أصول الدولة، ويتولى إدارة الأصول الصغيرة، ثم يأتي هذا التفويض لبنك الاستثمار.
وقال المركز، ببيان اطلعت عليه "عربي21"، إنه من غير الواضح ما هو تعريف الأصول الصغيرة، وما هي المعايير المستخدمة للتفرقة بين الأصول الكبيرة والأصول الصغيرة، وما المبررات وراء تعدد المؤسسات التي تتولى إدارة أصول الدولة، وكيف ستتم الاستفادة من عوائد استغلال تلك الأصول.
وطالب المركز بالشفافية في إدارة أصول الدولة، وإجراء حوار مجتمعي حول البدائل المختلفة للأصول التي سيتم استغلالها بما يحفظ حقوق الأجيال القادمة، مستنكرا حالة الغموض حول ماهية الأصول المطروحة وجهات الولاية التابعة لها.
والسؤال: ما دلالات تلك الخطوة وخطورتها على ممتلكات الدولة ومداخيلها؟ وهل يتبعها سيطرة على تلك الأصول من رأس المال الأجنبي المختلط والمتسلل عبر أسماء شركات عربية وعالمية؟
فرصة لدخول الجيش
وفي إجابته، أكد الخبير الاقتصادي، رضا عيسى، أ ن المهم هو معرفة قواعد التصرف التي سيطبقها البنك الحكومي الذي يدير أموال التأمينات الاجتماعية، وأموال شهادات استثمار البنك الأهلي الثلاثة منذ ستينيات القرن الماضي، وله أسهم كبيرة بشركات هامة منها "مصر المقاصة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، تساءل عيسى عن أسباب تفويض بنك الاستثمار في هذا الأمر، وغياب دور وزارة قطاع الأعمال، وحول الشروط التي ستتم بها عمليات البيع والاستئجار والمشاركة، مؤكدا أن ما يحدث هو سياسة مرفوضة، وأن الشعب قد يتم خداعه بأمور السياسة، أما الاقتصاد فهو كاشف.
وأعلن مخاوفه من أن تقع أصول مصر بيد شركات متعددة الجنسية، مشيرا إلى أن البيع الذي يتم عن طريق البورصة لا يمكن السؤال فيه عن جنسية الشريك أو المشتري الأجنبي، ولا يجوز فيه التفرقة بين المستثمرين على أساس الجنسية. أما البيع لمستثمر استراتيجي، فيجب فيه توضيح جنسية المشتري.
وحول العائد على الدولة من تفويض البنك وبيع الأصول أو التصرف بها، أوضح أن هذا البيع يأتي لأصول الدولة وممتلكات الشعب وللمال العام ويجب ألّا يتم ذلك عن طريق سمسار، حتى ولو كان بنكا حكوميا، مؤكدا على أهمية الشفافية والمسؤولية الوطنية في تلك العملية، خاصة أن بنك الاستثمار ليس له سوابق بهذا الأمر، ولديه مشاكل مالية أيضا.
وأشار لخصخصة القطاع العام بعهد حسني مبارك، التي قال عنها البنك الدولي إنها تمت وسط عمليات فساد واسعة وبيع لشركات القطاع العام للمقربين وبأثمان بخسة، موضحا أن النظام الحالي أضاف أمورا غريبة على الاقتصاد المصري، متعجبا من التصرف بأصول مصر الرابحة، وداعيا لتطوير أدائها، وتشغيلها بطريقة تحقق أرباحا أكبر، واستخدامها لسداد ديون مصر.
وأشار عيسى إلى حديث السيسي مؤخرا عن أن الجيش يتدخل في الاقتصاد ليوازن العرض والطلب لغياب شركات القطاع العام، موجها تساؤله لرأس النظام بقوله: ألا يخل بيع تلك الشركات بالعرض والطلب؟ أم أن الأمر سيتبعه دخول الجيش بتلك المجالات لإحداث التوازن الذي يتحدث عنه؟
فترة الريبة!
وفي تعليقه، قال رئيس حزب الشعب الديمقراطي، خالد فؤاد حافظ، إن هذا "مؤشر خطير، يعني التسليم التام لممتلكات مصر لمن يشتريها"، مضيفا: "ومن العجب أن يتم هذا الأمر في فترة الريبة الحالية؛ فالحكومة على وشك الاستقالة بعد أن حلف اليمين الرئاسي في 3 تموز/ يوليو القادم".
حافظ، قال لـ"عربي21"، إن "هذا الأمر لا يشبه الخصخصة على زمن مبارك التي كانت تتم عبر الحكومة بشكل مباشر. أما الآن، فلقد أصبحت تتم عبر وسيط، وهو بنك الاستثمار القومي"، مضيفا: "وأعتقد أن هذا الأمر غير دستوري، ويلزم له استفتاء شعبي".
وعن احتمال دخول جهات وشركات أجنبية -بينها إسرائيلية- لتتملك أصول مصر، قال إنه "في ظل الأسلوب الحالي المتبع، فإن مصر ستسقط بيد من يدفع الثمن"، مشيرا إلى غياب دور البرلمان والأحزاب لتوضيح الصورة.
وأكد السياسي المصري أن "البرلمان هو السلطة التشريعية التي يرتكن إليها صاحب القرار بقراراته، وهي التي تشرع ما يستند عليه من إجراءات"، مضيفا: "ولا شك أن البرلمان لا بد أن يتخذ من الإجراءات ما يواجه به هذا الأمر، وإلا كان هذا مردوده عسيرا لدى الشعب الذي لا توجد وسيلة محددة لقياس ردود فعله".
وتابع: "أما الأحزاب، فهي تحارب بشدة من قبل الدولة؛ لأجل هدمها، وتكوين كيانات تابعة لا تفكر بالمنافسة المشروعة على تشكيل الحكومة والحصول على الأغلبية في البرلمان".
وعبر مواقع التواصل، أعلن متابعون عن مخاوفهم من قيام السيسي بتصفية وتفكيك الدولة عبر بيع أصولها، معتبرين أنها أكبر عملية نصب على المال العام يجرى إعدادها، تمهيدا لإعلان إفلاس الدولة، والاستغناء عن 6 ملايين عامل وموظف بالدولة، طبقا لتعليمات صندوق النقد الدولي، وتحويل ونقل تبعية الشركات القابضة (الثماني)، بشركاتها الـ121 التابعة لوزارة قطاع الأعمال، ويضاف عليها الشركة القابضة (التسع) للصناعات الغذائية التابعة لوزارة التموين بشركاتها الـ23، فيكون الإجمالي 144 شركة تابعة، تعمل بقانون رقم 203 لسنة 1991، لتقع تحت إدارة صندوق "تحيا مصر".
صندوق النقد يُحذر من خطورة تفاقم ديون القارة الإفريقية
مستقبل غامض ينتظر "إير فرانس" بعد إضرابات واستقالات
أسهم سوق دبي تتراجع إلى أدنى مستوياتها في 27 شهرا