نشرت صحيفة "نيويورك تايمز الأمريكية، تقريرا كشفت فيه عن أن الشركة الأم لمؤسسة "
كامبريدج أناليتيكا" المتعلقة بفضيحة "
فيسبوك"، وراء "إصلاحات" يقودها ولي العهد السعودي
محمد بن سلمان.
وأورد معد التقرير داني حكيم، أن الشركة الأم لمؤسسة كامبريدج أناليتيكا تسمى "مجموعة إس سي إل"، وهي عبارة عن شركة مقاولات سرية تعمل في مجال الدفاع والأمن، وهي التي بشرت بالتغييرات العاصفة التي تعيد تشكيل معالم المملكة في الوقت الراهن، وفق قولها.
وتاليا نص التقرير كاملا كما ترجمته "
عربي21":
كانت أسعار النفط تتهاوى وكان الشعب الذي أغلبه من الشباب في حالة من القلق.
ولذلك توجهت حكومة المملكة العربية
السعودية في السنوات الأخيرة إلى الشركة الأم لمؤسسة كامبريدج أناليتيكا المتخصصة في البيانات السياسية طلبا للمساعدة، وذلك بحسب ما صرح به مستشارون غربيون عملوا داخل المملكة وأكده مدراء من داخل الشركة، وثبتت صحته من خلال مراجعة لبعض الوثائق الحكومية.
تسمى الشركة الأم لمؤسسة كامبريدج أناليتيكا "مجموعة إس سي إل"، وهي عبارة عن شركة مقاولات سرية تعمل في مجال الدفاع والأمن، وهي التي بشرت بالتغييرات العاصفة التي تعيد تشكيل معالم المملكة في الوقت الراهن. وكانت الشركة التي تلطخت سمعتها بوحل الفضائح بسبب أساليب عملها واستخدامها لبيانات مستخدمي الفيسبوك، قد أعدت دراسة مفصلة عن سكان البلد، وقدمت خارطة طريق سيكولوجية لمواطني المملكة، بما في ذلك ما يشعرون به تجاه العائلة الملكية الحاكمة، وقامت كذلك باختبار خطوات الإصلاح المحتملة، بينما كانت تضع معالم الطريق المؤدي إلى الحفاظ على الاستقرار.
وقد تحدث المستشارون والمدراء شريطة التكتم على هوياتهم؛ نظرا لأنهم وقعوا على اتفاقيات تلزمهم بعدم الإفصاح عن المعلومات.
ومن بين المقترحات التي أجرت الشركة اختبارات عليها رفع الحظر الذي ظل مفروضا لما يقرب من خمسة وثلاثين عاما على دور السينما في المملكة، وهو الإجراء الذي تم تبنيه فيما بعد في شهر كانون الأول/ ديسمبر. وأما المقترح الثاني فكان السماح للنساء بقيادة السيارات، وهو الإجراء الذي تم في سبتمبر / أيلول الماضي.
بعد أن تولى الملك سلمان الحكم في يناير / كانون الثاني 2015 لجأ السعوديون إلى مختلف المكاتب الاستشارية، بينما كانت أسعار النفط المترنحة تكشف معاناة المملكة من نقص التنوع الاقتصادي. بعض المستشارين، من أمثال ماكنزي وشركاه ومجموعة بوسطن الاستشارية، كانوا يمتازون بالحرفية والأصالة. أما إس سي إل، التي تأسست في عام 1993 تحت اسم معامل الاتصال الاستراتيجية، فكانت معروفة بنشاطها السري.
وكانت الشركة قد جذبت انتباه الجمهور مؤخرا بعد الكشف عن أنها استخدمت الإغواء والرشوة للإيقاع بالسياسيين والتأثير على الانتخابات في البلدان الأخرى. ومن المؤسسات التي كانت تابعة لها كامبريدج أناليتيكا التي عملت لصالح حملة الرئيس ترامب، ثم انهارت بسبب مزاعم بأنها أساءت استخدام بيانات فيسبوك. وتشير المعلومات المنشورة في موقع لينكدإن أن واحدا من موظفي كامبريدج أناليتيكا على الأقل، عمل في المشروع الذي كانت تنفذه الشركة الأم داخل المملكة العربية السعودية.
لدى شركة إس سي إل تاريخ طويل في مساعدة الحكومات سرا في التحكم بالجماهير وتكريس نفوذها. في العام الماضي استخدمتها حكومة الإمارات العربية المتحدة، الحليف المقرب من السعودية، لشن حملة عبر السوشال ميديا ضد خصمها قطر. وبحسب ما ورد في إحدى التقارير الصحفية، قامت شركة إس سي إل في إندونيسيا بتنظيم طرق للاحتجاج كوسيلة للتحكم بالمظاهرات الطلابية، ورتبت للحكومة القيام سرا بتمويل مؤتمر حول الاستقلال الصحفي، كما ورد في تقرير آخر. كما قدمت تحليلا سيكولوجيا للمواطنين في أماكن مثل ليبيا بعيد سقوط نظام معمر القذافي.
في تصريح لمدير الشركة التنفيذي المخضرم نايجل أوكس، وصف استراتيجية الشركة الكلية بأنها عبارة عن "تواصل جماعي" يهدف إلى تغيير رؤى قطاعات كبيرة من الشعب، وأضاف قائلا: "نستخدم التقنيات نفسها التي استخدمها أرسطو وهتلر. نتوجه إلى الناس على المستوى العاطفي لنحملهم على الموافقة على المستوى الوظيفي."
ربما يؤدي الكشف عن أن البحث السيكولوجي الذي قامت به الشركة أدى دورا في التخطيط لجهود الإصلاح السعودية إلى إثارة الجدل مجددا حول نوايا ولي العهد محمد بن سلمان، وذلك أن الأمير بات ينظر إليه على أنه واحد من أهم الإصلاحيين الاجتماعيين والاقتصاديين في المنطقة، انتهازي لا يعرف الرحمة، أو ربما مزيج من الأمرين.
فالأمير يشكل رأس حربة لجهود الإصلاح، ويعمل على إعادة تشكيل ديناميكية السلطة داخل المملكة وفي المنطقة بأسرها. إلا أن ما يزعمه من مبادرات نبيلة غطى عليها هدره للأموال واعتقاله لعدد من كبار الأثرياء والأمراء وبعض المسؤولين الذي خدموا في الحكومات السابقة. ويقال بأن الحكومة لجأت إلى الإكراه والإيذاء البدني لمصادرة مليارات الدولارات من المعتقلين، الذين احتجزوا في بداية الأمر داخل فندق ريتز كارلتون في الرياض.
ثم ما لبثت أن ثارت الشكوك مجددا حول نواياه الحقيقية قبل أسبوعين، عندما اعتقلت السلطات السعودية ناشطات كن من المدافعات عن حق النساء في قيادة السيارات، وذلك على الرغم من أن المملكة استجابت لمطالبهن ورضخت لحملتهن.
كانت أعمال شركة إس سي إل تجري في سرية تامة، إلا أن محللا سابقا عمل فيها واسمه جيمس لوفيل – الذي ورد ذكر المشروع السعودي ضمن ملفه في موقع لينكدإن – قال إنه "حلل بيانات تتعلق بمجموعة محددة، وأنه ساهم في إعداد مداخلات وعروض وكتب أوراق بحثية لصالح مشروع بحثي حول الإصلاح الاقتصادي في المملكة العربية السعودية." أما أليكساندرا ويكسيل، وهي مديرة مشروع داخل مؤسسة كامبريدج أناليتيكا، فكتبت في سيرتها المدونة في الموقع نفسه ما يفيد بأن العمل الذي شاركت فيه كان "مركزا على تطوير مبادرة إصلاح وطنية ضمن الجهد المبذول لتنويع اقتصاد البلاد وتقليص اعتمادها على النفط."
بعض من كان لهم اطلاع على العمل وصفوه بشكل مختلف لا يتسم بالرقة نفسها.
ومن هؤلاء مستشار غربي لم تكن له مشاركة مباشرة في المشروع، ولكنه اطلع على تقرير صادر عن شركة إس سي إل، وكان تقييمه لنتائج البحث الذي قامت به الشركة بأنها كانت ميكافيلية، واصفا إياها بأنها دليل يمكن أن يلجأ إليه أمراء العائلة الحاكمة للتحكم بمشاعر وتوجهات الشعب، من خلال استكشاف المواقع التي ينبغي عليهم أن يخففوا فيها من قبضتهم على الأمور. وقال المستشار إن التقرير استخدم العشرات من المجموعات التي تم اختيارها بعناية لاختبار مستويات الإحباط والرضى، بالإضافة إلى شرعية العائلة الملكية الحاكمة والتركيبة السياسية في البلاد، وكانت نتائجه تشير إلى انتشار السخط في أوساط الجماهير.
كان التقييم الذي قدمه هذا المستشار منسجما مع ما قاله موظف سابق في شركة إس سي إل، حيث أكد أن أعمال الشركة كانت تستهدف إعداد تحليل سلوكي للشعب، ثم اقتراح استراتيجيات للحفاظ على صلاحية الحكومة وقابليتها للاستمرار في حقبة تراجع أسعار النفط.
أشار أحد المدراء التنفيذيين في الشركة إلى العمل باعتباره داعما لحقوق الإنسان، إلا أنه آثر عدم الدخول في التفاصيل. كما رفضت الحكومة السعودية التعليق على الأمر.
كان البحث الذي تقوم به الشركة الاستشارية يجري في واقع جديد لا يبعث على السرور، حيث تراجعت أسعار النفط إلى 30 دولارا للبرميل في عام 2016 بعد أن كانت في عام 2014 قد وصلت إلى 100 دولار، الأمر الذي شكل مخاطر اقتصادية شديدة على بلد أعمار سبعين بالمائة من سكانه دون الثلاثين سنة.
تم توزيع العمل المناط بشركة إس سي إل على بعض المكاتب الاستشارية التي أسندت إليها مهام تطوير خطة تسمى "رؤية 2030"، يشرف عليها الأمير محمد بن سلمان وتستهدف الانتقال بالمملكة إلي ما بعد النفط وتحديث ثقافتها.
يذكر أن شركة إس سي إل كانت قد عملت في المملكة العربية السعودية من قبل. فقد ورد اسم المملكة ضمن قائمة بالبلدان التي يوجد للشركة فيها زبائن ظهرت في عرض باور بوينت أعد في عام 2014 وحصلت صحيفة نيويورك تايمز على نسخة منه. أما المشروع الأخير فقد أحيل عليها من قبل وزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية، وهي إحدى الوزارات المكلفة بإعداد خطة رؤية 2030.
يصعب الجزم إلى أي مدى أثرت الشركة في خطط المملكة، وإن كان الأمير محمد بن سلمان نفسه قد صرح بأن كسب الجمهور كان أولى الخطوات المهمة.
فقد قال في مقابلة مع برنامج "ستون دقيقة": "هناك الكثير من التحديات" مقرا بأن ما جرى من عرف داخل البلاد بأن الدولة "تتحمل عبء دعم كل شخص في حياته" قد وضعها على طريق يتجه بها نحو الأزمة المالية، وقال: "أظن أن أول تحد كبير ماثل أمامنا يتمثل في السؤال التالي – هل يؤمن الناس بما نقوم به؟".