منذ أن تم إبرام اتفاقية أستانا بين الدول
الراعية الثلاثة (روسيا - تركيا - إيران) في العاصمة الكازاخية أواخر شهر
يناير/ كانون الثاني من العام 2017، شكلت
إدلب -التي تم ضمها في شهر تشرين الأول/ أكتوبر
من العام نفسه- معادلة صعبة بالنسبة لتلك الدول، لا سيما أنها باتت المقصد الأول
والأكبر لفصائل
المعارضة التي وصلتها بموجب التسويات.
وخلق هذا الوضع مخاوف كبيرة للمدنيين
والفصائل العسكرية في الوقت نفسه؛ لكون المحافظة ومناطق الشمال الأخرى المحيطة بها
تعد آخر نقطة يمكن أن يلجأ لها المدنيون وعناصر المعارضة.
ومع تسارع عجلة الأحداث، أصبحت مسألة توجه قوات
النظام السوري والمليشيات المقاتلة إلى جانبه إلى إدلب مسألة وقت لا أكثر، رغم
تضارب التوقعات أو السيناريوهات التي ستشهدها المحافظة، واستمرار سيطرة (تحرير
الشام) الذي تتذرع بوجوده كل من روسيا وإيران في كل عملية عسكرية.
وقال المقدم أحمد السعود، عضو المجلس العسكري
في جيش إدلب الحر، القائد العام لـ"فصيل الفرقة 15" سابقا، في حديث
لـ"عربي 21"، إن مسألة الوجود التركي في إدلب غير مرتبطة بحل "تحرير الشام" من
عدمه، فبحسب "السعود"، فإن تركيا هي المسؤولة عن الشمال بموجب
الاتفاقيات الدولية، وجبهة النصرة (تحرير الشام) مهما فعلت فإن عناصرها مطلوبون
دوليا".
وأوضح أن قرار الحسم بخصوص وجود (تحرير الشام)
في الشمال بيد تركيا، وهي من ستحدد طريقة الحسم سياسيا أو عسكريا، وأنه في جميع
الأحوال وحتى إن كان الحل مع تحرير الشام سياسيا، فإن عناصر الهيئة سيبقون على لائحة
المطلوبين، وستتم ملاحقتهم باستمرار.
بدوره، اعتبر الصحفي السوري عبد الرزاق النبهان، في حديث لـ"عربي 21"، أن "الموضوع لا يتعلق بوجود النصرة أو عدمه،
فالنظام لن يتوقف عن العمل العسكري لبسط سيطرته على كامل الأراضي السورية، وبالتالي
خيار الحل ليس بيد النصرة، إنما بيد الدول المحركة للنظام، وفي مقدمتها روسيا".
وأشار إلى أن "العمل العسكري القادم في
الشمال السوري للنظام السوري لن يتم دون ضوء أخضر تركي، لكن أعتقد أننا أمام معركة
بين هيئة تحرير الشام والفصائل المحسوبة على تركيا، وهذا بند من بنود اتفاق أستانا،
وبالتالي فإن معركة النظام مؤجلة في الشمال السوري لحين سعي فصائل المعارضة وتركيا
للقضاء على النصرة، أو على أقل تقدير تفكيكها"، مضيفا أن "التصعيد في
إدلب قادم لا محالة، وجميع المؤشرات تؤكد أن وجهة عصابة الأسد القادمة هي إدلب،
وهذا ما صرح به رئيس النظام خلال الفترة الماضية، بأن إدلب الوجهة القادمة لقواته".
وباتت مسألة توجه قوات النظام إلى إدلب بعد الانتهاء
من ملف
درعا هي الأخرى موضع جدل كبير، ففي الوقت الذي اتخذت فيه فصائل
المعارضة الجاهزية التامة استعدادا لأي عمليات على إدلب، يرى مراقبون أن الوجهة
القادمة لقوات النظام ستكون إلى الرقة، بعد إبرام اتفاقية بين قوات قسد الكردية بين
النظام، وأن هذا بدوره سيمنح تركيا وقتا إضافيا لتنفيذ المهمة الموكلة إليها
بإنهاء (تحرير الشام)، وسد ذريعة الروس ببدء عمليات عسكرية على إدلب.
وقد أكد القيادي العسكري في "فصيل فيلق
الشام"، خالد النجار، في حديث لـ"عربي 21"، أن "الهجوم القادم
سيكون على إدلب، وأن وجود النصرة سيلعب دورا سلبيا ربما، إلا أن الأمور لن تقف عند
هذا الحد، وسيكون هناك ذرائع جديدة لدخول الروس والنظام والإيرانيين إلى إدلب، أما
تركيا فهي في موقف صعب حاليا، ولا ندري إلى أين تتجه الأمور في الشمال بالضبط، ولكن
ما نعلمه هو أن النظام سيتوجه إلى المنطقة، عاجلا أم آجلا، وليس بالزمن البعيد.
ولفت إلى أنه من المتوقع إيجاد مخرج للمحافظة
وغيرها عبر مفاوضات ستقوم بها الفصائل مع النظام لاحقا بضمانات تركية - روسية، ولكن يبقى السؤال هو فاتورة تلك المفاوضات في ظل الوضع الصعب الذي باتت تعيشه
الثورة السورية كلها.
أما الصحفي خليل المصري، فقد استند في حديثه
لـ"عربي 21" إلى خريطة نشرتها وكالة "فرانس برس" تشرح فيها
الهدف التالي للنظام، فمن وجهة نظر "المصري" التي تتوافق مع الخريطة، فإن
قوات النظام ستتجه إلى إدلب، ولكن ليس للسيطرة عليها كلها بداية، بل لإعادة فتح طريق
حلب - دمشق الدولي، الذي هو بالأساس متفق عليه بين تركيا وروسيا، وعليه فسيتم السيطرة
على معرة النعمان وسراقب وخان شيخون وغيرها من المناطق الواقعة على طول القسم
الشمالي من الطريق وصولا إلى مدينة حلب، كما أن المحافظة تشتمل على العديد من
الملفات، أهمها (ملف ولاية إدلب/تنظيم الدولة)، الذي سبق أن تحدثت عنه الخارجية
الروسية ووزارة الدفاع أيضا.