تعالت الأصوات في لبنان لتسريع فتح معبر نصيب/ جابر... للبنان مصلحة لا تقل عن مصلحة الأردن وسوريا في فتح المعبر، ذلك أن طرق تجارته للعراق والخليج، تمر من هذا المعبر تحديدا.
اللبنانيون بخلاف الأتراك والأردنيين، لا يستخدمون ميناء حيفا، والمعابر الثلاثة الواصلة ما بين العراق وسوريا ما زالت مغلقة، مع أن هناك محاولات جادة لفتح معبر "البوكمال".
في "البيزنيس" لا ينقسم اللبنانيون بين 8 و14 آذار. واختار الحريري طرابلس في حملاته الانتخابية، للإعلان من هناك أن دورا ينتظر رجال الأعمال اللبنانيين، في إعادة إعمار سوريا، ما يعني أن المناطق اللبنانية التي صدرت "مجاهدين" و"مقاتلين" إلى سوريا، أكثر من غيرها، ستكون مرشحة بقطف ثمار إعادة الإعمار، وكأن شيئا لم يكن.
الأردنيون منقسمون حول المسألة السورية، كانوا كذلك من قبل، وهم كذلك الآن، لكن أحدا لا يستطيع أن يجاهر برفضه لفتح المعبر، والأشد عداوة للنظام السوري وحلفائه، يكتفي اليوم بالقول، إن المسألة شديدة التعقيد، وأن الحديث عن فتح المعبر سابق لأوانه، وأن الجنوب لم يهدأ بعد.
بل إن البعض يذهب للقول إن المعارك الكبرى قد وضعت أوزارها، لكنها أخلت الطريق لحروب عصابات ستندلع عاجلا وليس آجلا، في دعوة مضمرة للأردن للاستنكاف عن البناء، أو محاولة البناء، على الحقائق الجديدة في الجنوب السوري.
في ظني، أن فتح المعبر الأهم والأكثر حيوية من بين تسعة عشر معبرا بريا سوريا، لا يحتاج إلى كبير جهد وعناء. نحن بحاجة لقليل من الوقت لتطهير المنطقة من الألغام والمواد المتفجرة، وإعادة تأهيلها فنيا لا أكثر ولا أقل.
نحن بحاجة لقرار سياسي يستعجل فتح المعبر، وهذا يتطلب ابتداء رفع مستوى ووتيرة الاتصالات بين عمان ودمشق، بما في ذلك عودة السفراء، فلا داعي لإهدار المزيد من الوقت.
الجيش السوري بات يسيطر على خط الحدود الشمالية، وطريق عمان- دمشق- بيروت بات سالكا وآمنا، وفي الاتجاهين، فلماذا التردد؟
للأردن مصلحة في فتح المعبر، ولسوريا مصلحة في فتحه كذلك، ولبنان ينتظر بفارغ الصبر للنفاذ إلى أسواق العراق والخليج، دون الاضطرار للمرور بقناة السويس، وربما في القريب سيضغط "البازار" على رجب طيب أردوغان، لتفتيح وتسليك المعابر البرية مع سوريا، طالما أن الطرق باتت مفتوحة بين تركيا وأسواق المنطقة، عبر سوريا والأردن، كما كان عليه الحال من قبل.
هي تطورات واعدة، لا تحتاج إلا لقرار سياسي مبادر. وثمة في البيئة الإقليمية والدولية، ما يشجع على اتخاذ قرار كهذا، وهو في ضوء التطورات المتسارعة، لا يعتبر ضربا من المجازفة أو المقامرة.
إسرائيل تسعى في استنقاذ اتفاق 1974 مع الأسد الأب، وهي تتحضر للعيش والتعايش مع الأسد الابن. والولايات المتحدة، لم تخف ميلها لرفع اليد عن الجنوب، وقبولها بالتفاهمات الروسية الإسرائيلية.
والأطراف العربية التي كانت ذات يوم، حاضرة بقوة على الساحة السورية، باتت خارجها الآن، وليس لها سوى أدوار ثانوية لا أكثر ولا أقل.
ليس ثمة ما يمنع الأردن من الالتفات إلى مصالحة، ومصلحته في توسيع هوامش التبادل الاقتصادي والتجاري، وتسليك حركة الأفراد والبضائع مع سوريا، ومن خلالها مع لبنان، ونأمل أن يتم في وقت قريب، افتتاح الخطوط البرية الواصلة مع تركيا كذلك.
صحيح أن هناك أصواتا سورية "نشاز" تطلع علينا بين الحين والآخر، مهددة ومنددة ومتوعدة. لكن أليس هناك أصوات أردنية "نشاز" كذلك، تبشر بالخراب ولا تدعو إلا للقطع والقطيعة؟
العلاقات بين البلدين أكبر وأوسع من أن تختصر بهذه الأصوات الهامشية، والمصالح العليا الضاغطة على كلا البلدين، تملي التفكير بهدوء وعقل بارد، والمصلحة الأردنية العليا تكمن في فتح الحدود وليس في خلق الفزاعات والمخاوف التي لا مبرر لها ولا طائل من ورائها.
(عن صحيفة الدستور الأردنية)
سوريا وإيران و"صفقة القرن" في اختبار قمة هلسنكي
من يتحمل مسؤوليات تصدع النظام اللبناني؟