لا يزال الأستاذ جمال سلطان مصرا على مقالاته وموقفه من التحامل على جماعة الإخوان المسلمين، وقد قلت من قبل: لسنا ضد نقد الإخوان، ولا تجربتهم، بل ذكرت أن كاتب هذه السطور هو أكثر من كتب في نقد الإخوان، نقدا علميا حاولت فيه قدر الاستطاعة ألا أتجنى على الجماعة، لكن جمال سلطان يصر على اتهام الإخوان بالمكابرة في عدم الاعتذار للشعب المصري، رغم أننا لو رجعنا لمواقف سلطان من الانقلاب لصدق عليه في هذه الحالة قول القائل: رمتني بدائها وانسلت!!
بعد الانقلاب العسكري في مصر دار حوار على أحد الجروبات (شبكة فلسطين للحوار) بتاريخ 3 أغسطس 2013م، أي بعد مذبحة الحرس الجمهوري، والمنصة، وقبل فض رابعة بعشرة أيام، كان طرف الحوار الأبرز والأقوى حجة وموقفا، رغم حساسية وضعه هو الدكتور أحمد التويجري رئيس منظمة العدالة الدولية، وعضو مجلس الشورى السعودي سابقا، والشاعر السعودي الكبير المعروف، وبين الأستاذ جمال سلطان، ودار حوال طويل لا يتسع المقام لذكر كل ما فيه، بل أختار فقرات منه تعبر عن مجمل الحوار، والذي تعجب فيه التويجري من موقف سلطان ضد الإخوان وتأييده للسيسي والانقلاب.
يقول التويجري موجها حديثه لسلطان: (أتابع بأسى وألم كبيرين مواقفك، وما تكتبه، والنهج الذي انتهجته صحيفة المصريون في الأشهر الأخيرة، وذلك لما ألمسه من فجور في الخصومة، وتجرد عن الحيدة والإنصاف، وابتعاد عن المهنية الإعلامية.
فإنني أناشدك بالواحد الأحد الذي ستقف وحيدا بين يديه وستسأل عن كل حرف كتبته وكل موقف اتخذته، بل وعن كل ما نشر وينشر في صحيفة المصريون من زيف وباطل وبذاءة، أن تراجع نفسك وأن تحكم ضميرك وقيمك، وأن تتقي الله عز وجل في إخوانك المؤمنين، وأن تعلن بشكل لا لبس فيه رفضك التام للانقلاب العسكري الذي لا يمكن وصفه إلا بأنه خيانة من أخس الخيانات، ونكوص شنيع عن ثورة 25 يناير المجيدة.
فكان رد جمال سلطان بما يلي: (أؤكد لك بشكل لا لبس فيه تأييدي الكامل والتام لقرار عزل مرسي، وأعتقد جازما أنه أنقذ مصر من مشروع دولة فاشية مروعة، وأؤكد لك إدانتي الكاملة لما أعقبه من بعض الممارسات القمعية والتي تورط في مثلها مرسي نفسه من قبل حتى الدماء. وأؤكد لك أن ما حدث صراع سلطة يخوضه الإخوان، وأن السيسي أكثر ديانة وحبا للإسلام من خيرت الشاطر).
فرد التويجري ردا أروع من سابقه، فقال: (أخي جمال من الواضح أنك في حال انفعال شديد، ولذلك لم تقرأ مناصحتي الأخوية لك كما كنت أحب أن تقرأها. القضية ليست جماعة الإخوان المسلمين ولا الرئيس مرسي وإنما قضية مبادئ قبل وبعد كل شيء.
إن أعظم ما اتهم به الرئيس مرسي والإخوان المسلمون هو الأخونة، ولقد كانت جريدة المصريون المصدر الرئيس لي في فضح هذه الفرية من خلال ما نشرته بتاريخ 8 سبتمبر 2012م، أم لعلك نسيت أيها العزيز؟ ثم سرد التويجري تفاصيل نفي أخونة الدول عن جريدة المصريون.
ويقول التويجري ردا على قول سلطان: (السيسي أكثر ديانة وحبا للإسلام من خيرت الشاطر): (وبعد هذا كله، ما علاقة خيرت الشاطر بمناصحتي لك؟ (وهو معتقل سياسي الآن ومن أوجب واجباتك الشرعية والأخلاقية الدفاع عنه لا أن تغتابه)، وكيف علمت أن السيسي أكثر تدينا وحبا للإسلام منه؟ هل شققت عن قلبيهما؟).
فرد جمال سلطان على كلام التويجري العلمي والموثق بمكابرة وافتراء على الرئيس مرسي فقال: (تورط مرسي في سفك دم أكثر من ثمانين مواطنا وحيا شرطته التي فعلت ذلك. وأما تقارير الأخونة فكانت قديمة. وأما الدستور فأول من أهدره وتآمر عليه هو مرسي نفسه، وأما ديانة السيسي فتلك شهادة الإخوان أنفسهم له قبل الأزمة وشهادات عديدة من علماء ورموز إسلامية التقوه مرارا وسمعت منهم ذلك بنفسي).
فرد التويجري على ما أثار من نقاط سطحية وغير صحيحة فقال: (أعجب كل العجب من قولك إن الرئيس مرسي سفك الدماء، في حين أنه هو الذي هوجم في قصر الرئاسة من قبل أرذل وشراذم المجتمع المصري وبلطجية النظام البائد، وأشعلت النيران في بوابات وأسوار القصر الذي كان يعمل فيه، وقذف عبوات المولوتوف على نوافذ القصر وجدرانه، وأتي بالجرافات لخلع الأبواب، وبرغم كل ذلك لم نسمع أنه أمر بإطلاق رصاصة واحدة على أي من المهاجمين، ولو فعل لما كان ملوما).
إن من المكابرة أن تقول: إن تقارير الأخونة كانت قديمة، وهي لم يمر عليها إلا سبعة أشهر، وإني أسألك بالله الواحد الأحد: ما الذي تغير منذ 8 سبتمبر وحتى 3 يوليو 2013 تاريخ الانقلاب؟ مع أنك تعلم أن الإخوان لو استحوذوا على أغلب المناصب العليا أو حتى كلها لما كانوا ملومين. فإنك تعلم أن هذه تقاليد العمل السياسي في النظم الديمقراطية.
كما أسألك أن تقدم دليلا واحدا معتبرا على أخونة الدولة، كما أسألك أن تذكر لي اسم ضابط واحد عينه الإخوان المسلمون في الجيش، أو الأجهزة الأمنية، أو حتى رقوا رتبته، ووالله إنك لن تجد أحدا لأن هذا لو حدث لقامت الدنيا ولم تقعد، ولكنت أنت أول المشنعين عليهم في ذلك.
لم يكن تعليقي على ديانة السيسي فهي بينه وبين خالقه، وإنما كان جزمك بأنه أكثر تدينا وحبا للإسلام من خيرت الشاطر، فهذا ما استنكرته وأستنكره لأنك أول من يعلم أن هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا من يعلم السر وأخفى.
وبما أننا في سيرة التدين فإني أستميحك العذر في أن أسألك: أي تدين وخلق أباحا للسيسي أن يتآمر على ولي نعمته؟ وأي تدين أجاز له أن ينقلب على ولي أمره ورئيسه الأعلى؟ وأي تدين أعطاه حق أن يعطل دستورا صوت عليه الشعب المصري وأقره بأغلبية كبيرة؟ وأي ورع أباح له قتل المئات وسفك دماء الآلاف من المتظاهرين المسالمين؟ إلى غير ذك من سلسلة الأسئلة المشروعة في هذا المجال.
أخي العزيز جمال: لقد أقنعتني أيها العزيز بردودك التي يستغرب صدورها من مثلك، بأنك في حال انفعال شديد حجب ويحجب عنك رؤية الحقيقة والاعتراف بها.
اتق الله يا جمال ولا تأخذك العزة بالإثم إلى هذا الحد من الفجور في الخصومة).
هذه فقرات من حوار طويل مهم جدا بين التويجري وسلطان، والعجيب أن سلطان الآن هارب من نعيم السيسي المؤمن الذي هو أكثر إيمانا من خيرت الشاطر، ومن مرسي كذلك، حسب قناعة سلطان، ولم يهرب من قبل في فترة حكم مرسي والإخوان، بل ظلت صحيفته وموقعه يهاجم الإخوان ومرسي ليل نهار، ولم يقدم بلاغ واحد ضد سلطان في عهد مرسي.
عزيزي جمال سلطان: أنت الآن هارب من السيسي، ومقيم في اسطنبول، كنت أستطيع أن أتفهم مقالاتك لو كنت تكتبها من مصر، وأبحث لك عن سبعين عذرا، وأقول: إن يد العسكر الباطشة ثقيلة، وهو ما يدعوه لاتخاذ هذا الموقف، ولكن أن تكون هذه الكتابات خارج مصر، وبعد صدور حكم عليك من العسكر، فلا أجد لك أي عذر في الاستمرار في هذا المستوى من التجني على الإخوان، وقد جمعتك الآن بهم محنة واحدة، في منفى واحد.
إذا كان الاعتذار مطلوبا من الإخوان قيراطا واحدا، فمطلوب منك أربعة وعشرين قيراط يا أستاذ جمال، وقد سبق للإخوان الاعتذار، فمتى يعتذر جمال سلطان وكل جمال سلطان؟!!
هل يعتذر الإخوان وحدهم لشعب مصر؟!
القرآن الكريم وتحرير إرادة الإنسان