قضايا قتل الأطفال واختطافهم، من الكثرة بحيث ينسي بعضها بعضا، وربما لا ينافسها في ذلك سوى الاعتقالات المتكررة
هل لا يزال أحد يتذكر اعتقال رئيس حزب "مصر القوية"، والأمين العام للحزب؟ وهل لا يزال أحد يتذكر اعتقال غيرهما ممن لم يقدموا لمحاكمة، ويتم التجديد لهم كإجراء روتيني دون محاكمات حقيقية، بعد أن تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة في حد ذاته؟!
لقد تحول جهاز الأمن إلى طرف في قضية "محمود نظمي" المتهم بقتل طفليه، الذي فعل كل ما في وسعه من أجل إقناعنا بأنه قاتل طفليه، ومن خلال التسريبات الأمنية في البداية. فمرة أن "نظمي" قتلهم لأنه يشك في سلوك زوجته، وهو ما تم التراجع عنه سريعا، ثم القول بأنه يعاني من مرض نفسي دفعه لذلك؛ فهو بحسب المنسوب إليه أراد "تخليصهم من مساوئ الحياة"، والأمر لا يمكن قبوله إلا باستدعاء المرض النفسي. فالأب القاتل يقرأ في كتب خاصة بتحضير الجان، ثم كان اللجوء إلى الاعتراف المسجل صوتا وصورة وبثه للرأي العام، لعله يقتنع بالراوية الأمنية!
بيد أن الرواية لم تقنع أحدا، وخرجت المظاهرات في قريته تندد بالجريمة، وتنفي عن "محمود" قتله لطفليه، فلا بد أن تكون هذه الاعترافات وليدة إكراه. وانطلق الأمن، وقد جعل من نفسه طرفا في موضوع القضية، ليؤدب القرية، وقد اكتشف أن هناك تعديات في البناء ونحو ذلك، فذهب يزيلها بالقوة الجبرية، ودون محاكمة، لكن تصريحات ذويه صفعت الآذان. فهناك اتهام لمن وصفوا بالكبار، بأنهم وراء قتل الطفلين، فمن هم الكبار؟ ولماذا لا يعتبر هذا خيطا يمكن تتبعه للوصول للجناة الحقيقيين؟!
فمن هم الكبار؟.. وما هي مصلحة الأمن في هذه القضية؟!
لقد بدت كل جهة حريصة على التخلص من هذه القضية، فالشرطة أحالتها سريعا للنيابة، التي أحالتها بالسرعة نفسها إلى محكمة الجنايات، فماذا هناك؟!
الإجابة على السؤال الخاص بمصلحة الأمن في اتهام "محمود نظمي" بقتل طفليه، يكون بسؤال آخر: هو وما هي مصلحة وزارة الداخلية في اتهام "محمد عبد اللطيف" بقتل عشرة أفراد في سنة 2005، وتم إطلاق لقب "سفاح بني مزار" عليه، واعتبرها وزير الداخلية حينذاك قضية مرتبطة بشرفه المهني، وتبنى الراوية ولم يكن أحد يجرؤ على التشكيك فيها، لولا أن الله قيد للمتهم محاميا كان وقتها يتعامل على أنه خصم للنظام، وهو الراحل طلعت السادات، وقبل أن تنتهي الخصومة باتصالين هاتفيين من مبارك به في أثناء إجرائه لعملية بالقلب، قبيل قيام الثورة مباشرة!
واللافت أن السيناريو نفسه في الواقعتين واحد، لم يجر عليه تجديد، لانعدام الكفاءة في التلفيق، وهو الأمر الذي كان يتمتع به جهاز الأمن المصري، فكان هناك جهد يُبذل من أجل التزوير والتلفيق، فانعدمت الكفاءة وقابل هذا زيادة وعي الناس!
السيناريو نفسه في الواقعتين واحد، لم يجر عليه تجديد، لانعدام الكفاءة في التلفيق، وهو الأمر الذي كان يتمتع به جهاز الأمن المصري
لقد قدموا الشاب "عبد اللطيف" متهما، الذي اعترف بارتكاب الجريمة، ثم قالوا إنه مريض نفسي، لتبرير ارتكابه لجريمة بشعة دون مبرر، وصدر تقرير من طبيب نفسي يفيد مرضه، وأنه يعالج من هذا المرض!
وتم الاحتماء في المرض النفسي، فالمريض النفسي لا يحتاج إلى مبرر لارتكاب جريمته، وليس مطلوبا منه رواية متماسكة لإقامة الدليل عليه، فجاءت اعترافاته أقرب للهذيان، وهو المطلوب إثباته، فعندما يُسأل: لماذا قتلتهم؟ يرد: "قتلتهم وخلاص!"، ثم يقول إن من بين من قتلهم صديقا له ولعائلته، ليكون السؤال: "ولماذا قتلته؟" ليكون الجواب: "قتلتهم وخلاص!".
والأمر كله يدخل في إطار عدم المعقولية، فالضحايا عشرة أفراد، ومن قتلهم هو فرد واحد، وهم يقيمون في بيتين، وقد دخل صاحبنا البيت الأول فوجد من فيه نياما فقتلهم، دون صراخ، ودون مقاومة، فقد نحر الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، قبل أن ينتقل للبيت المجاور، فوجدهم نياما أيضا فقتلهم جميعا، ولم يحدث أن استيقظ نائم، فالجميع كانوا غارقين في النوم حتى فرغ "عبد اللطيف" من التخلص منهم واحدا واحدا، "وهم رقود".
وقد حدث هذا في ليلة انقطعت فيها الكهرباء عن المنطقة التي يقيم فيها الجاني والضحايا، وبالتالي فيتعذر أن يوجد شاهد يقول أنه رأى المتهم خارجا أو داخلا، أو أن أثار الجريمة كانت على ثيابه، ولم تكن هناك قرائن قدمتها وزارة الداخلية على ارتكابه للحادث سوى "فردة حذاء"، تحولت إلى نكتة في المحكمة. وقالت الوزارة إن ثوب القاتل كان ملطخا بالدماء بعد هذه المجزرة، بيد أن التيار الكهربائي كان مقطوعا، فلم يشاهده أحد، وقد ذهب إلى جارته فقامت بغسل ثيابه، فاختفت آثار الجريمة، فماذا عن "فردة الحذاء"؟!
الاستخفاف هو ما سيطر على أداء وزارة الداخلية، فلم تأخذ أمر الدليل الوحيد بجدية، والمتهم بين أيديهم، ولعلها إرادة الله، التي جعلت من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا!
قد يكون مقتل الطفلين انتقاما لأسباب لا نعرفها، لكن معرفة هذا لا يكون بتبني الأمن لرواية وإصراره عليها، مع أن الجنين في بطن أمه لا تنطلي عليه هذه الرواية
ارتفاع التجارة التركية العربية رغم الخلافات السياسية