نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمعلق الأمريكي توماس فريدمان، يتساءل فيه عن حال المنطقة العربية، قائلا إن مشكلتها تكمن في تخلي واشنطن، خاصة إدارة دونالد ترامب، عن الدور التاريخي الذي قامت به في العقود الماضية، بصفتها عرابا نزيها، وتنازلت عنه لمتعهدين محليين، مثل إسرائيل والسعودية.
ويقول فريدمان: "لقد استمتعت بفيلم (كريزي ريتش إيشيانز/ أغنياء آسيويون مجانين)؛ لأنه بعيدا عن المواقف المضحكة ذكرني بنقطة مهمة: آسيا الثرية غنية في الحقيقة، ليس لأن فيها خلافات سياسية وإثنية ودينية مثل بقية المناطق، بل لأنها في مناطق وفي أكثر من يوم تعلم سكانها وضع خلافاتهم جانبا، وتركز على بناء أسس الثروة المستمرة: التعليم والتجارة والبنية التحتية والثروة البشرية، وفي بعض الأماكن الناجحة حكم القانون".
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن "معظم الدول الآسيوية أصبحت مزدهرة، ليس من خلال اكتشاف مصادرها الطبيعية، بل من خلال الاعتماد على ثرواتها البشرية، بشكل منحها القدرة على اكتشاف إمكانياتها".
ويتابع فريدمان قائلا إن "أحدا لو فكر بعمل شيء ممائل، فإنه سيكون (كريزي بور ميدل إيستينرز/ فقراء مجانين شرق أوسطيين)؛ لأن المنطقة، وباستثناءات قليلة، لم تكن في فوضى مثل ما هي الآن، ولديها أناس يتقاتلون على أشجار الزيتون، ولديها مدن تحولت إلى حطام من الطوائف المتنافسة، وضيعت إمكانياتها بشكل كبير".
ويشير الكاتب إلى أن "هذه المنطقة من العالم، التي يجب أن تكون غنية، جعلت نفسها فقيرة، من خلال السماح للماضي بدفن المستقبل، وهي المنطقة التي جعلت نفسها فقيرة؛ لأنها سمحت للمستقبل بدفن الماضي".
ويلفت فريدمان إلى أن "الرئيس دونالد ترامب يريد الخروج من الشرق الأوسط، لكن خيارات الولايات المتحدة ليست البقاء أو الخروج، بل هي أن تكون ذكيا أو أحمق، وفي هذا المقام كان تصرف ترامب أحمق، فقام بتحويل المسؤولية لمتعهدين محليين، مثل السعودية وإسرائيل وصديقه فلاديمير بوتين، ومن هنا، فإن ترامب يتعلم الدرس بشأن ما يحدث عندما تكتب أمريكا صكوكا على بياض للحلفاء والرفاق ممن يشاركون الولايات المتحدة ببعض المصالح، لكنهم يحملون دوافع متطرفة خاصة بهم، بالإضافة إلى أنها تخلت عن قيادتها الدبلوماسية الحقيقية".
ويقول الكاتب: "لو نظرنا إلى الفيلم، فإننا سنرى إيران، التي نشرت تأثيرها الديني والعسكري والسياسي الخبيث في اليمن والعراق ولبنان وسوريا، حيث أقامت شراكة مع نظام الطائفة العلوية لبشار الأسد؛ من أجل القيام بعملية تطهير عرقي للسنة من البلاد، واستبدالهم بالشيعة".
وينوه فريدمان إلى أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي متن خلال السنوات الثلاثة الماضية علاقته وبذكاء مع فلاديمير بوتين؛ من أجل تغطية الغارات الجوية الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، وللتأكد من إبعاد روسيا المليشيات الموالية لإيران عن الحدود مع إسرائيل، وحتى لو استطاعت إسرائيل اكتشاف شحنات إيرانية وهي في طريقها إلى الحرس الثوري في دمشق، في حوالي الساعة السادسة صباحا، ودمرتها في الساعة الثامنة صباحا، فإن إيران لم تتخل عن محاولاتها تحويل سوريا إلى قاعدة صواريخ متقدمة ضد إسرائيل".
ويشير الكاتب إلى بداية الغارات الجوية الروسية على إدلب، آخر المعاقل التابعة للمعارضة في سوريا، وملجأ ملايين السنة الذين فروا من هجمات الغاز السام والغارات الأخرى، لافتا إلى تغريدة ترامب، التي قال فيها: "يجب على الرئيس بشار الأسد ألا يهاجم بتهور محافظة إدلب، وسيرتكب الروس والإيرانيون خطأ إنسانيا في المشاركة في هذه المأساة الإنسانية المحتملة، قد يُقتل مئات الآلاف من الناس، لا تدع هذا الأمر يحدث".
ويعلق فريدمان قائلا: "يبدو كأن ترامب قد رسم خطا أحمر في تغريدته هذه، لكن روسيا وإيران تخبران الولايات المتحدة وإسرائيل أنه: دون قوات على الأرض فلا صوت لكم ونحن ذاهبون للحرب، والسؤال ماذا سيفعل ترامب لو تجاهله الأسد وروسيا وإيران؟ وماذا فعل فريق ترامب في إسرائيل؟".
ويجيب الكاتب قائلا إنه "قام أولا بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومنح حكومة بينيامين نتنياهو الجائزة التي تريدها دون أي مقابل، وكان من الأجدر لو قال ترامب لنتنياهو إنه سينقل السفارة مقابل وقف النشاطات الاستيطانية في المناطق ذات الكثافة العربية، التي يمكن أن تخضع للفلسطينيين في حال تحقق السلام، وربما أسهم هذا في تقدم العملية السلمية، لكن أمريكا قدمت أهم رصيد تملكه دون أي مقابل، أي حماقة هذه؟".
ويبين فريدمان أن "فريق ترامب يقوم الآن بعقاب الفلسطينيين لأنهم رفضوا التفاوض مع نتنياهو، من خلال قطع الدعم عن السلطة، الذي يذهب لمشاريع المياه ومعالجة المياه الصحية، وأوقف الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي تعد لاعبا مهما في الضفة الغربية وغزة، ومصدرا للتعليم العلماني لا الديني للفلسطينيين".
ويقول الكاتب إن "ترامب يعتقد أنه قادر على ضرب الفلسطينيين بالهراوات دون الطلب من إسرائيل ومنع الأمور من التدهور في الوقت ذاته، وستزداد الأمور سوءا بالطبع، حيث يمكن أن تؤدي إلى انهيار السلطة الوطنية، ومن الصعب بناؤها من جديد، رغم ضعفها وفسادها، وستضطر إسرائيل لإدارة الحكم في الضفة وتدفع الثمن لهذا".
ويشير فريدمان إلى أنه "في السعودية، فإن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هو الوحيد بين العائلة المالكة الذي تجرأ وقام بتغييرات اجتماعية واقتصادية ودينية، وهو الوحيد الذي تبنى سياسة خارجية تقوم على البلطجة، ويملك سلطة في الداخل، ولديه تبذير في شراء الأمور الشخصية، وهذان هما نصفا رزمة ابن سلمان، ووظيفتنا هي المساعدة في الحد من دوافعه السيئة ورعايته، لكن ترامب لم يعين بعد سفيرا في الرياض".
ويؤكد الكاتب أن "الديمقراطية ليست على أجندة السعودية، لكن الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والديني هو الذي على الأجندة".
ولم يغير فريدمان موقفه من ابن سلمان، حيث دافع عنه وقال إن حكومته هي الأولى التي عينت نساء في البلديات، وقارن بين دور السعودية في تصدير الإسلام الطهوري في مرحلة ما بعد عام 1979، الذي ساعد لاحقا على القيام بهجمات 11/ 9.
ويعلق الكاتب قائلا: "فكرة أن السعودية لديها اليوم زعيم يمكن أن يبدأ بتحويل الإسلام السني إلى معتدل ومنفتح، إسلام يمكن أن يعزل الراديكاليين الإسلاميين ويقوي المعتدلين في كل مكان، هي مصلحة أمريكية كبيرة، وعليها دعمه".
ويجد فريدمان أن ابن سلمان بدأ في الفترة الأخيرة باتخاذ خطوات غير موفقة، تضر به وبالسعودية وبالولايات المتحدة، ويحمل الكاتب هنا المسؤولية للمستشارين الذين ينصحونه باتباع "المثال الصيني"، فأكدت الصين قوتها في بحر الصين الجنوبي، واشتكى العالم وتجاهلته، وانتهى الأمر به للتراجع عن شكواه.
ويرى الكاتب أنه "عندما انتقدت كندا سجلات حقوق الإنسان في السعودية، رد ابن سلمان بطريقة نووية، وقطع العلاقات مع كندا، وكان ردا مفرطا غريبا، فالسعودية ليست الصين، وهي بحاجة لأصدقاء، ويجب أن تكون مثل دبي لا شنغهاي، قوة ناعمة أكثر وبلطجة أقل".
ويعتقد فريدمان أن "كل ما حققه ابن سلمان من تغطية جيدة عندما سمح للمرأة بقيادة السيارة، خربه عندما اعتقل الناشطات المدافعات عن حق المرأة بالقيادة، بتهم علاقتهن بناشطين معادين للسعودية في لندن، هل حقيقة تشعر السعودية بتهديد من الناشطات؟ في وقت تورطت فيه السعودية والإمارات بحرب اليمن بسبب عقم الطيران السعودي، وهما متهمتان الآن بجرائم حرب محتملة".
ويرى الكاتب أن "مستقبل منطقة الخليج واستقرارها يعتمدان على الإصلاحات في السعودية، التي تحتاج لاستثمارات سعودية وأجنبية في القطاع الخاص توفر فرص العمل".
ويقول فريدمان إن "ابن سلمان، الذي وضع السياسة والأمن قبل الاستثمار، واعتمد على الحرس القديم، ربما فقد البوصلة، وخلق غموضا بدلا من الحصول على الاحترام، وهذا أدى إلى خروح أموال سعودية واستثمارات بدلا من دخولها، وهذه إشارات سيئة".
ويذهب الكاتب إلى أن "فريق ترامب لا يفهم أن نقل التعهدات والنظام في المنطقة لإسرائيل وروسيا والسعودية، وكتابة صكوك بيضاء لها، لا ينفعان، خاصة أن قادة هذه الدول بحاجة للولايات المتحدة لوضع الخطوط الحمراء، حتى يقول للرؤوس القاسية من المتشددين: (نحن معكم لكن أمريكا لا تسمح لنا بعمل هذا)".
ويختم فريدمان مقاله بالقول: "أدت الولايات المتحدة منذ سبعينيات القرن العشرين دور الموازن والعراب النزيه في منطقة الشرق الأوسط، ولو تخلت عن دورها فإنها ستترك وراءها (شرق أوسطيين فقراء مجانين)".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
باحث أمريكي: ما تأثير جرائم الحرب في اليمن على أمريكا؟
بلومبيرغ: سر موقف أمريكا الفاتر من السعودية ضد كندا
الغارديان: كندا صندوق بريد.. وهذه رسالة ابن سلمان للغرب