معاول وفؤوس الهجمات والثورات المضادة تجري وتعلو
وتتواصل على أشدها بعضها مع بعض على امتداد الوطن العربي، بل الأمة الإسلامية
كلها؛ ويتكاتف الأشرار عبر مختلف دول العالم في صورة حكام وسدنة ومُخزنين للمال
والسلاح، ويتكاتفون بداية من العدو الصهيوني لمنع نسمة هواء رطبة محملة بالعدل من
المرور بعالمنا العربي الإسلامي؛ فتزيل آلام الملايين الذين يعانون تضييقا في
مختلف المجالات وأهمهما اقتصاديا وأمنيا، ما لم يقفوا في جانب الحكام المخالفين
لخط العقل والمنطق وخشية الله.
في الوقت نفسه الذي يتكاتف هؤلاء، يُصاب الشرفاء في عالمنا
العربي الإسلامي (وكنا نتمنى أن نقول الوطن العربي أو أن يتحقق له من
الوحدة بأي
شكل ما يكفل هذا القول)، في نفس عالم يستمر مسلسل تشرذم الأحرار وكأن حلقاته لن
تنتهي ما احتوتنا الحياة!
"لندن الثمانينيات" كانت ملتقى أحرار الأمة
العربية على الأقل (إن لم تكن الإسلامية)، ومنذ سنوات تبوأت ونالت شرف هذه المكانة اسطنبول، ولكنك ما إن تطأ قدماك المدينة وتستقر، حتى ليهولك حجم التذبذب والفرقة
والتباعد بين أصحاب القضية الواحدة. وما يحزنك أكثر ميل بعضهم إلى الاستقرار التام
وترك قضية الوطن معلقة على شماعة، بل إن عينيك ترى ما يجعلك تراجع الطريق جيدا.
فبقدر وجود الشرفاء الأطهار البسطاء الذين لا يملكون من أمر يومهم ولا غدهم شيئا،
بقدر انتشار طرف آخر رأى محنة شعبه فرصة لجمع المال وتحقيق أكبر قدر ممكن من
المصالح، أي إنه انتقل (بقدرة قادر إلى بلده فلكأنه يعيش فيها لا في تركيا)، وهو
يفعل كما يفعل الظلمة لولا أن اسمه مختلف، وفي غربة!
في أخبار جرت داخل بلدي
مصر، جذب انتباه، خلال مسيرة
الاستغراق التي يبدو أنها ستطول بين تركيا من ناحية ودول عربية على رأسها مصر، حدثان
رأيتُهما كبيرين برغم عدم اهتمامي بأسماء أصحابهما، بل عدم وقوفي التام معهما على
رأي واحد أو مبدأـ أما الأول فأحد مناصري النظام المصري الحالي، وكان يشغل منصبا
دبلوماسيا، ورغم تماهيه وتداخله الكامل مع النظام الحالي، بل إنه كان أحد ألسنته
لإقناع الغرب بأن أحداث 30 من حزيران/ يونيو 2013م ثورة، إلا أن الفضاء الذي ضاق
بمُوالين للنظام فجذبهم لقرب المعارضة؛ راق له، بخاصة لما رأى الخراب يعم مصر
كلها.
وكان أن أطلق السفير المصري السابق مبادرة لإحراج النظام
المصري، ومحاولة لإلقاء حجر سياسي في مستنقع السياسة المصرية الآسنة، بخطوات تنتهي
بمظاهرة في ميدان المظاهرات الفارغ إلا من قوات الأمن والجيش.
المذهل في الأمر هو قدر الرفض لمبادرة رجل النظام الذي
تحرك محاولا زحزحة الموقف المتوقف معرضا نفسه للخطر، والمذهل أن كم الرفض له من
جانب معارضي الانقلاب المصري كان كبيرا، من الذين تمنينا أن تضم منظومتهم كل خيِّر
ولو بنسبة، ولو كانت محاولتهم ضم الآخرين جزئية لا تحتوي تضامنا كاملا كليا؛ بعيدا
عن دعوات الاصطفاف الزاعقة غير القابلة للتحقيق على أرض الواقع. المذهل أن مِمَنْ
يسمون بأنصار الشرعية رفضوا الرجل وكلماته، بل شمتوا فيه وأساؤوا التعبير لما تم
القبض علي، وأخذوا الموقف نفسه مع أنصار الانقلاب، بخاصة لما تردد أن الرجل تراجع
عن موقفه في التحقيقات!
وفي المقابل، وعلى النقيض تماما، خرج أخيرا مرشح رئاسي أسبق
أمام "عبد الفتاح السيسي"، وأحد قادة جبهة الإنقاذ التي شاركت في الانقلاب
على الدكتور "محمد مرسي"، ليعلن رفضه لحكم "السيسي" وعودة
الإخوان معا، وأنه يريد من دعاة المدنية (الذين لم يسمهم ولم يقدر حجمهم ولا دورهم
ولا سابق أفعالهم في محاولة
الثورة المصرية). لقد دعا المرشح السابق أمام
"السيسي" الجميع للتكاتف عدا أنصار "السيسي" والإخوان، ولا
يدري أحد مَنْ الجميع من وجهة نظره؟!
إننا - باختصار - نتطلع لعمل حقيقي مخلص دون شعارات
زاعقة ومسميات صادقة أو كاذبة. عمل يمتد لمختلف دول محاولات الثورات العربية بل
غيرها. عمل يقود وطننا العربي الإسلامي للتحرر الشامل، وتكون الآلاف بل الملايين
العربية والإسلامية المهاجرة نواته بل داعمته، بعيدا عن المكاسب الشخصية الخاصة
البسيطة التي سماها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لعاعة أو فصا أخضر صغيرا في حبة
فول نابتة؛ كناية عن قلة فائدته! فما ستدوم لهم "اللعاعة" ومن المحتمل -
لا قدر الله - ألا تدوم لهم تركيا!
إننا نأمل أننا ما زلنا في الأخذ بيد مَنْ في الداخل
بأوطاننا نحو سبل التحرر والارتقاء الحضاري، بعيدا عن الشماتة والتشرذم والإقصاء
والنعرات الإعلامية التي يصدرها الخونة، وهم يعلمون أنها كاذبة لا فائدة منها ولا
فيها.
نأمل من جميع الأحرار الشرفاء أن يكونوا نابهين غير
متفرقين، كما لا يتجمع أعداؤوهم في الداخل والخارج على قليل من قليل من المصالح
المُذلة العابرة.. فهل تمنينا الكثير؟!