أدى الاتفاق التاريخي بين
روسيا وتركيا،
لترتيب الأوضاع في منطقة إدلب تمهيدا لمعالجة الأزمة السورية، إلى تسارع التطورات العسكرية في المنطقة، مما وضع هذه الدول الثلاث في قلب المواجهة مع الأمريكيين والإسرائيليين وبعض حلفائهم في المنطقة.
فلم تمض 24 ساعة على الاتفاق حتى كانت الطائرات الإسرائيلية، وبتغطية فرنسية وأمريكية، تقوم بغارة جوية على منطقة اللاذقية، مما أدى
لإسقاط طائرة روسية ومقتل 18 ضابطا وجنديا روسيا. ومع أن الطائرة الروسية سقطت بصواريخ المضادات السورية عن طريق الخطأ، فقد بيّنت التحقيقات الروسية أن ما جرى كان مدبرا من قبل الإسرائيليين الذين جعلوا الطائرة الروسية تفصل بين طائراتهم والصواريخ السورية، كما أن الإسرائيليين لم يبلغوا الروس بالعملية قبل وقت مناسب للقيام بالإجراءات المناسبة وفقا لاتفاقات سابقة.. وكل ذلك دفع الروس لتحميل الإسرائيليين مسؤولية ما جرى، والمسارعة باتخاذ قرار لتزويد
سوريا بمنظومة صواريخ "أس 300".
وبعد أيام قليلة من العملية الإسرائيلية في اللاذقية،
جاءت العملية الأمنية في منطقة الأحواز الإيرانية عبر استهداف الاستعراض العسكري للحرس الثوري الإيراني، مما أدى لسقوط العشرات بين قتيل وجريح. ومع أن تنظيم داعش وجبهة النضال العربي لتحرير الأحواز سارعا لتبني العملية كل لوحده، فإن المسؤولين الإيرانيين عمدوا لتوجيه الاتهام إلى أمريكا والإمارات العربية المتحدة والسعودية بدعم وتمويل المهاجمين، بعدما صدرت تعليقات من شخصيات إماراتية تدافع عن العملية، مع أن مسؤولين إماراتيين عادوا واستنكروا العملية ورفضوا الاتهامات الإيرانية.
وأتى استهداف إيران في الأحواز بعد أن تم حرق القنصلية الإيرانية في مدينة البصرة العراقية، وفي ظل هجوم أمريكي - إسرائيلي ضد إيران بهدف إخراجها من سوريا ومنعها من تطوير صواريخها الباليستية، وتحجيم دورها في المنطقة. والاستهداف العسكري - الأمني لإيران في المنطقة يتزامن مع الاستهداف المالي والاقتصادي عبر العقوبات الأمريكية.
وأما
تركيا، فهي تتعرض منذ فترة لضغوط أمريكية بسبب الرفض التركي
لإطلاق سراح رجل دين أمريكي متهم بدعم الانقلاب العسكري ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، لكن هناك معطيات مؤكدة بأن هذا الاستهداف الأمريكي لتركيا هو رد على التقارب الروسي - التركي - الإيراني، ومن أجل منع تركيا من مواصلة التنسيق مع هذين البلدين، وصولا للاتفاق الشامل لحل الأزمة السورية.
إذن، هذه الدول الثلاث تواجه اليوم حربا مباشرة بأشكال عدة، وقد تتطور هذه الحرب من خلال تحريك مجموعات وخلايا نائمة للقيام بعمليات إرهابية وتخريبية، في ظل اعتراض بعض المجموعات المسلحة على اتفاق
إدلب بين روسيا وتركيا.
وفي لبنان، تتخذ المواجهة أشكالا أخرى من خلال المواقف التصعيدية التي أطلقها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله خلال احتفالات عاشوراء، عندما أعلن أن حزب الله أصبح يمتلك
منظومة صواريخ دقيقة قادرة على إصابة الداخل الصهيوني، وأن ما يقوم به الكيان الصهيوني من غارات على سوريا لاستهداف أسلحة قادمة لحزب الله لم تعد تنفع؛ لأن الحزب وصل إلى ما يريده من امتلاك قدرات غير تقليدية وهو مستعد لاية مواجهة مستقبلية مع الكيان الصهيوني، مع كل الأوساط السياسية في بيروت تستبعد حاليا حصول مواجهة مباشرة بين حزب الله والعدو الصهيوني على الأراضي اللبناني.
لكن ما يمكن قوله إن كل هذه التطورات تؤكد أن المواجهة حول مستقبل سوريا والمنطقة مستمرة وأن هناك صراعا مفتوحا بين المحور الروسي - التركي - الإيراني والمحور الأمريكي - الإسرائيلي مع بعض دول المنطقة، وأن حرص روسيا وتركيا في المرحلة الماضية على إبقاء خطوط التواصل مع المحور الآخر لم يؤد إلى عدم استهدافهما.
إذن، الصراع على أشده، وفي حال لم يتم التوصل إلى تسوية كبرى لمستقبل سوريا والمنطقة. فالصراع سيشتد وقد تتخذ المواجهات أشكالا جديدة، إضافة للضغوط الاقتصادية والمالية والغارات الجوية والعمليات التخريبية، فالمنطقة كلها على فوهة البركان.