لم يصدر قرار رسمي سعودي حول
عدم الاعتراف بجواز السفر الأردني المؤقت والذي تصدره الحكومة الأردنية غالبا للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن. وقد دأبت
السعودية منذ فترة من الزمن ترك التصريحات الخاصة بالتطبيع والعلاقات مع الصهاينة عموما والاستهتار بالقضية
الفلسطينية لناطقين غير رسميين من أمراء وكتاب ومثقفين ورجال مخابرات سابقين وذلك لتُجنّب نفسها انتقادات الشارع العربي، ولتتمكن من تبرير براءتها فيما إذا هوجمت إعلاميا. هناك أنور عشقي وتركي، ووصل الأمر إلى حد البيانات الرسمية والتي تصدر أحيانا عن محمد بن سلمان.
وواضح أن السعودية تعاني من هوس أو هيستيريا القضية الفلسطينية بالآونة الأخيرة وكأن الصهاينة قد اشترطوا عليها الانقلاب على حقوق الشعب الفلسطيني إن هي أرادت من الصهاينة وقفة قوية ضد إيران. وهذا منطقي لأن السعودية تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تجد نصيرا لها يحارب إيران بالنيابة، لكن لا أمريكا ولا الصهاينة استجابوا لهذا الطلب حتى الآن. ويبدو أن المسؤولين السعوديين ما زالوا متفائلين.
تداعيات سلبية
الوقائع على الأرض ولدى القنصلية السعودية في عمان تؤكد أن هناك قرارا سعوديا بسحب الاعتراف بجواز السفر الأردني المؤقت. وهذا قرار له تداعيات سلبية كبيرة على الشعب الفلسطيني، على الأقل في المرحلة الحالية.
من الناحية الدينية، يؤثر هذا القرار على أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين يريدون أداء الحج والعمرة. بخاصة إذا كانوا يقطنون بيت المقدس. بإمكان الفلسطيني أن يستصدر
جواز سفر فلسطيني، لكن هذا الجواز لا يتمتع بحصانة لدى بعض الدول، وهي تشترط الحصول على جواز سفر آخر ولو كان مؤقتا. لكن المشكلة بالنسبة لأهل القدس تبقى وخيمة. إذا حصل الفلسطيني من أهل القدس على جواز سفر فلسطيني، فإن الصهاينة قد يطردونه من القدس لأنه لا يجوز وفق ترتيبات الصهاينة حمل جواز سفر فلسطيني والبقاء في القدس. وهذا يعني تهجير أهل القدس أو بعضهم والمساهمة الفعالة بتفريغ المدينة من أهلها الفلسطينيين.
الفلسطينيون يكافحون على مدار السنوات منذ عام 1967 من أجل البقاء في المدينة والمحافظة على المقدسات، لكنهم لا يسلمون من تلقي الطعنات الثقيلة على قلوبهم. وربما يريد السعوديون دفع الفلسطينيين للبحث عن وثيقة مرور صهيونية (ليسيه باصيه) ليتمكنوا من العبور إلى الديار الحجازية. وفي هذا فاتحة شراكة صهيونية في مقدسات المسلمين في مكة والمدينة. الشعب الفلسطيني بحاجة لمن يدعمه من أجل المحافظة على الأرض العربية والمقدسات الإسلامية والمسيحية، لكن يبدو أن العديد من حكومات العرب لا يعجبها ذلك. وقرار السعودية يجعلنا نؤكد على أن الديار الحجازية المقدسة ليست ديارا سعودية، وإنما هي ديار إسلامية، ومن المفروض تشكيل هيئة إسلامية لإدارة شؤون المقدسات والإشراف على أمور الحج والعمرة وتتعامل مع كل المسلمين ونشاطات الحج والعمرة كما يتوجب إسلاميا.
تهويد القدس
من الناحية السياسية، يتمشى قرار السعودية مع التطلع في تسريع عملية تهويد القدس، ويدعم السياسة الصهيونية التهويدية. كان من المرجو أن يقف العرب موقفا حازما من قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للصهاينة، لكنهم لم يفعلوا. وكان المرجو وضع خطة عربية للوقوف بوجه التهويد الصهيوني، لكنهم لم يفعلوا أيضا. وهم لا يتمكنون أيضا لأن بقاء الأنظمة العربية على عروشها مقبوض عليه من قبل الصهاينة والأمريكيين. وكم من مرة تحدث الرئيس الأمريكي مباشرة لحكام الخليج بأنه سيرفع عنهم مظلته الأمنية إن هم تمردوا على سياساته ولم يقدموا له الأموال لقاء الحماية.
دعم للاستيطان
والتضييق على الفلسطينيين بهذا الأسلوب أو بأي أسلوب آخر يشكل دعما لسياسة الاستيطان الصهيونية ليس في القدس فقط وإنما في كل أنحاء الضفة الغربية. هذا ناهيك عن أن العديد من الشباب الذين يشعرون أن الحياة تضيق عليهم سيقررون الهجرة إلى بلاد أخرى، وأمريكا تضغط على بعض الدول لكي تستقبل الفلسطينيين بدون عراقيل.
والقرار السعودي لا يمس الفلسطينيين القاطنين في فلسطين والأردن فقط، وإنما يمس أيضا فلسطينيين يقيمون في مصر والعراق ولبنان. بعض الفلسطينيين يحملون وثائق سفر وليس جوازات سفر رسمية، وهؤلاء أيضا سيخضعون للعقاب السعودي.
الصهاينة يبحثون عن اليهود في العالم بمساعدة الدول ذات الثقافة المسيودية (المسيحية ـ اليهودية) لتهجيرهم إلى فلسطين وتثبيت دعائم الوطن القومي اليهودي، ونحن نرى في تثبيت الفلسطينيين دفاعا عن حقوقهم سواء على أرض فلسطين أو على أرض الجوار عبئا على كاهلنا يجب أن نتخلص منه. وحتى لا نظلم السعودية، لا بد من القول إن من يوقع على اتفاق أوسلو ويعترف بالكيان الصهيوني لا يريد حق عودة ولا يريد حقوقا مهما قال في الإعلام عكس ذلك.