ليس مصادفة أن تتزامن
دعوةُ المجلس الانتقالي التي وجهها قبل أيام إلى الجنوبيين للسيطرة على المؤسسات؛ مع تواجد قيادات هذا المجلس في أبو ظبي، ومع التغطية المثيرة للاشمئزاز من إعلام الرياض للتفاعلات السياسية الخطيرة التي تشهدها المحافظات الجنوبية وتهدد وجود الدولة
اليمنية برمته.
لم يفارق قادة هذا المجلس الذي أنشأته
الإمارات في أيار/ مايو 2016 الإمارات إلا قليلاً، منها وإليها يتحركون في محاولة يائسة لتأكيد مجلسهم كطرف سياسي وحيد؛ ينزع إلى احتكار تمثيل الجنوب في العملية السياسية التي يقاتل المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن جريفيث، من أجل إعادة الأطراف إليها ولم ينجح حتى الآن.
الدعم المكشوف الذي تقدمه الإمارات للمجلس الانفصالي المعادي للدولة اليمنية الموحدة، يمثل واحداً من أكثر مفارقات الحرب التي يخوضها تحالف الرياض-أبوظبي في اليمن، تحت مظلة الأمم المتحدة وبذريعة دعم السلطة الشرعية ودحر الانقلاب، إثارة للدهشة والاستغراب.
لا نحتاج إلى المزيد من التحليل لتأكيد حقيقة أن الإمارات حولت مدافعها وطائراتها منذ وقت مبكر نحو الشرعية ومعسكرها وأحزابها، وبدأت عملية مكثفة لتفكيك المنظومة السياسية التي تدور حول هذه الشرعية. ليس ذلك فحسب، بل عملت، بالتنسيق مع الرياض، على فرض قيادات منتقاة بعناية في تركيبة السلطة والحكومة، وحتى على مستوى السلطة المحلية، ثم بدأت بالنيل من هذه الحكومة؛ لأنها لم تحصل منها فوراً على ما تريد. وما تريده الإمارات هو تغطيةٌ رسمية لعملية الاستحواذ الوقحة التي تقوم بها على الجغرافيا اليمنية وموقعها الاستراتيجي على نحو ما يجري في سقطرى وباب المندب وعدن.
لذا،
عمدت الإمارات إلى سلوك مسار مختلف بهدف التسريع في تحقيق أهدافها، من بينها ما يشكو منه مسؤولون محليون في المحافظات الجنوبية من فرق مرتبطة بالمعسكر الإماراتي في عدن، وتعمل ليل نهار لشراء الدولار من السوق، ما أدى إلى تدهور حاد ومريع في سعر العملة الوطنية الريال، وذلك بهدف تحرص الإمارات على تحقيقه من أجل التسريع في حفز الشارع على الانخراط في ما
تخطط له من فوضى وانفلات؛ يهدف في المحصلة إلى إعادة هيكلة السلطة، بما يسمح بفرض الخيارات الأخطر والمتمثلة في تفكيك الدولة اليمنية والاستيلاء على الجغرافيا بأقل كلفة ممكنة على المستوى السياسي والاقتصادي، والإبقاء على مهمة التحالف في ظل المستوى ذاته من التفهم والتغطية الدوليتين.
لكن لحسن الحظ، أنه بعد أكثر من ثلاث سنوات على استعادة عدن والمحافظات الجنوبية، ها هي الإمارات تواجه صعوبة في إقناع الجنوبيين بتأمين غطاء شعبي لمخطط الصدمة الذي ترمي من ورائه لفرض خيار الانفصال، وإقناع العالم بأنه أسلم الخيارات لإنقاذ البلاد من الفوضى الشاملة.
لم يخرج المواطنون في المحافظات في ثورة الاستيلاء على المؤسسات العامة لسبب بسيط، وهو أنهم لا
يرون السلطة الشرعية أمامهم، كما أن المؤسسات الإيرادية والاستراتيجية تقع تحت السيطرة العسكرية الكاملة للقوات الإماراتية.
وبسبب تعطيل دور هذه المؤسسات، تعطَّلَ دورُ السلطة الشرعية المركزية والمحلية، وتوقفت عجلة التنمية وتدهورت الخدمات، وأصيب الناس بإحباط كامل بعد أن أدركوا أن السبب المباشر في معاناتهم هو سياسات الإمارات، والتي ازدادت وطأتها بالممارسات القمعية للتشكيلات الأمنية التي أنشأتها من أحزمة ونخب، وبأعمال الاعتقالات والتغييب والتعذيب حتى الموت في سلسلة من السجون السرية الرهيبة.
ما لا يريد التحالف الإقرار به هو أنه اليوم يواجه حراكاً جنوبياً مختلفاً عنوانه الأبرز هو المواجهة مع التحالف.. هذا الحراك أكثر عنفواناً في محافظتي المهرة وسقطرى، حيث يتصدى المواطنون هناك لمخطط الاحتلال المباشر الذي كشفت عنه الممارسات الإماراتية (في سقطرى) والسعودية (في المهرة)..
إن المحرك الأبرز لحراك الجنوب الراهن هو الشعور بالحاجة إلى الدفاع عن الكرامة الوطنية في وجه التحالف الغادر، والحاجة كذلك لوقف سياسة التجويع والتركيع التي تمارس عبر تعطيل وإضعاف السلطة الشرعية من قبل هذا التحالف، ومن ثم تحميلها مسؤولية ما يحدث.
خاب أمل الناس في السلطة الشرعية منعدمة الخيارات، على الرغم مما تواجهه من احتواء وتجريف وتهجير واحتجاز، فيما تستمر العمليات الميدانية لإنهاء دورها على الأرض وفرض ما بدأ إعلام التحالف وصفه بقوى أمر الواقع الجديدة، ولكنهم مقتنعون أكثر بأن الأولوية الملحة بالنسبة لهم هي تحجيم دور التحالف وكبح جماع مشاريعه الهدامة.