نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا للصحافي بورزو دراغاهي، يتحدث فيه عن الصحافي السعودي المختفي جمال خاشقجي، قائلا إن الصحافي داخله تضارب مع نزعته للدفاع عن النظام السعودي أدى إلى النهاية التراجيدية التي لا نعرف تفاصيلها بعد.
ويقول الكاتب: "كانا دائما على تضاد بشكل متكرر، جمال خاشقجي، الصحافي في الرياض الذي كان دائما يتحدث بكلام طيب عن النظام، ويحيى عسيري (38 عاما) الضابط السابق في الطيران السعودي، الذي تحول لناقد للنظام ويعيش في لندن، وفي (فرانس 24) وغيرها من القنوات كانت تتم دعوتهما للحديث عن المواقف المختلفة".
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن عسيري، قوله إن خاشقجي كان دائما مؤدبا وعقلانيا، وليس مثل مدافع عن النظام السعودي الذي دعا الشهر الماضي غاضبا لإعدامه في لقطة حذفها لاحقا.
وتذكر الصحيفة أن خاشقجي ظهر في لندن في يوم من العام الماضي، وطلب مقابلة عسيري، وعلى فنجان شاي في فندق راق، قام خاشقجي بحديث فاجأ عسيري، قائلا له إنه كان محقا في حديثه، وبأنه -أي جمال خاشقجي- يبحث عن الانضمام للمعارضة، وتذكر عسيري جمال وهو يقول: "أنا بالضبط مثلك.. أريد الديمقراطية والحرية، وحاولت عمل هذا من الداخل، لكن هذا مستحيل".
ويشير دراغاهي إلى أن مصير خاشقجي لا يزال مجهولا بعد دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول ولم يخرج منها، لافتا إلى أن عائلته قلقة جدا، خاصة بعد تصريحات لمسؤولين في الشرطة أن صور الفيديو، ولقطات كاميرا المراقبة، ومعلومات عن الرحلات الجوية تشير إلى أن الصحافي البالغ من العمر 59 عاما قتل داخل القنصلية، وربما قطعت جثته وأخرجت من مبنى القنصلية، بمساعدة 15 شخصا جاءوا خصيصا للقيام بالمهمة.
ويفيد التقرير بأن عسيري وغيره من الذين يعرفون خاشقجي يرون أن تحول مساره من موال للنظام لديه علاقات قوية مع النخبة، إلى معارض متعقل في الخارج، جعله هدفا رئيسيا للأمن السعودي تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان.
وتعلق الصحيفة قائلة إن "تحوله متجذر في تطوره الفكري، بالإضافة إلى الدولة السعودية غير المتسامحة، التي لم تقبل حتى النقد الهادئ".
ويورد الكاتب نقلا عن مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومان رايتس ووتش" سارة لي ويتسون، قولها: "لم تكن أفكاره مختلفة عن آراء السعوديين الذين أعرفهم، وطالما عبروا عنها.. سمعت بعض الناس يشتكون بحرية عما يجري في الحكومة، لكن لم يتم التسامح مع هذا الآن، وهذا هو التطور والتغير".
ويلفت التقرير إلى أن خاشقجي سار في مسيرته العملية بشكل متواز، فكان صحافيا ومستشارا للأمير المؤثر تركي الفيصل، الذي شغل منصب مدير الاستخبارات، وشرح ذات مرة لصديق قائلا إنه كان الذراع الأيمن للأمير تركي، وناطقا باسم النظام، فكان لديه اطلاع على التعاملات السرية للحكومة، بما في ذلك النشاطات الخارجية، مثل الصحف والقنوات التلفازية والمعلقين الذين يتلقون أموالا بالسر من الرياض أو الأمراء، مستدركا بأن خاشقجي بصفته صحافيا كان يسكنه الشك بشأن المسار السعودي.
وتورد الصحيفة أن عسيري يتذكر قائلا: "حتى عندما كان يدعم الحكومة فإنه كان يقول دائما إن "كل ما نريده هو الحرية والاستجابة لمطالبنا"، وكان يقول: "حكومتنا ستعمل هذا في المستقبل، كن متفائلا"، مشيرة إلى أنه حتى قبل أن يخرج للمنفى الاختياري فإن التوترات بدأت تظهر في ظل الملك عبدالله، وقد تم عزله من رئاسة تحرير صحيفة "الوطن"، التي كانت واحدة من أهم الصحف السعودية.
ويذكر دراغاهي أن خاشقجي سمي في عام 2015 رئيسا لتحرير القناة التلفزيونية "العرب"، ومقرها البحرين، التي مولها الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال، وأغلقت بعد ساعات من انطلاقتها، لافتا إلى أن الشعرة التي قصمت ظهر البعير كانت اعتقالات ريتز كارلتون.
وينقل التقرير عن ويتسون من منظمة "هيومان رايتس ووتش"، قولها إن خاشقجي كان موزعا بشأنها وحول ماذا يجب أن يفعل حسب، وكان الأمر يتعلق "هل أبقى أم أخرج؟ فقد طردوه من الكثير من المواقع، ومنعوه من الكتابة، ولهذا استتنج أنه لم يعد آمنا".
وتنوه الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة تبنته، حيث وجد عددا كبيرا من المستمعين لأفكاره، وتبادل الأفكار مع الصحافيين والناشطين وصناع السياسة والباحثين خارج حلقته العادية، وكان قادرا في واشنطن على نشر أفكاره دون رقابة، وحصل على منبر على صفحات "واشنطن بوست" ليخاطب جمهورا أوسع، وكان مطلوبا من مراكز الأبحاث، على الأقل تلك التي لم تمولها السعودية.
وتقول ويتسون: "لقد اتصل وبشكل منتظم مع قطاع واسع من الناس ممن لديهم معرفة بسيطة بما يجري في السعودية والمنطقة".
ويبين الكاتب أن المراقبين لاحظوا على مدى العام الماضي حدة وثقة في نقده للقيادة السعودية، وثقة في معارضته للأمير محمد بن سلمان، وقال لقناة "الجزيرة"، التي تمولها دولة قطر عدوة السعودية، إن بلاده لن تحقق الديمقراطية في ظل القيادة الحالية، وأضاف: "لم أسمعه (ولي العهد) يشير ولو تلميحا إلى أنه سيفتح البلاد من أجل المشاركة السياسية والديمقراطية".
ويفيد التقرير بأن خاشقجي بدأ في فترة وجوده في المنفى بإعادة النظر في دوره المزدوج بصفته صحافيا ومعاونا لتركي الفيصل، مشيرا إلى أن عسيري حاول في لقائه في بهو الفندق فهم علاقة خاشقجي مع الأجهزة الأمنية، وقال: "أعطاني أجوبة منحتني الثقة والإيمان به"، ولم يقدم أي تفاصيل حول ما جرى من نقاش.
وتنقل الصحيفة عن الباحث الفرنسي اللبناني وصديق خاشقجي، جوزيف بحوت، قوله إن مواقف خاشقجي، وإن كانت لينة في نقدها، إلا أنها بدأت في التشدد والتغير، وبدأت معارضته في الأشهر الأخيرة تظهر أكثر، خاصة للحملة السعودية في اليمن، التي شنها ولي العهد ابن سلمان، بصفته وزيرا للدفاع، وبدأ يقارن ولي العهد برئيس روسيا فلاديمير بوتين، والمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي.
وقال بحوت: "لقد تطور خلال العامين أو الثلاثة الماضية، وهو تطور نمر به جميعا"، وكان هذا التطور بسبب سلوك وإفراط ولي العهد.
ويورد دراغاهي نقلا عن سفير السعودية في واشنطن الأمير خالد بن سلمان، قوله إن خاشقجي واصل علاقاته مع المسؤولين السعوديين حتى بعد مغادرته البلاد، وأضاف: "لدى جمال أصدقاء في المملكة، بينهم أنا، ورغم خلافاتنا وخياره لما أسماه المنفى الاختياري فإننا بقينا على اتصال مستمر عندما كان في واشنطن"، وذلك في بيان أنكر فيه علاقة حكومة بلاده باختفائه.
وبحسب التقرير، فإن خاشقجي كان حاضرا في اللقاءات والمحاضرات وحفلات الاستقبال التي يختلط فيها الباحثون والدبلوماسيون في أثناء وجوده في واشنطن.
وتذكر الصحيفة أن الباحث التركي المقيم في واشنطن سليم سازاك، الذي التقى خاشقجي أكثر من مرة العام الماضي، وصفه بالرجل الثاقب النظر الذكي و"المتناقض" بعض الشيء، وبأنه يبحث دائما عن نقاش جيد، ولم يكن مدفوعا بأيديولوجية معينة، إسلامية أو علمانية أو ليبرالية.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول سازاك إنه كان "مركزا على ولي العهد" أكثر من أي شيء آخر، و"يخشى من محمد بن سلمان.. يبدو لي أن هذا ما وجّه تفكيره".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
التايمز: أصبح الديكتاتوريون أكثر جرأة على قتل معارضيهم
أتلانتك: هذه الظروف الغريبة لاختفاء جمال خاشقجي
الغارديان: مخاوف على سلامة الصحافي السعودي جمال خاشقجي