قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن كبار المسؤولين الأمنيين الأتراك خلصوا إلى أن المعارض السعودي جمال خاشقجي اغتيل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بأوامر من أعلى المستويات في الديوان الملكي، بحسب ما صرح به مسؤول كبير يوم الثلاثاء.
ووصف المسؤول وقوع عملية سريعة ومعقدة تم فيها قتل السيد خاشقجي خلال ساعتين من وصوله إلى القنصلية، وذلك على أيدي فريق من العملاء السعوديين الذي قطعوا جسده باستخدام منشار عظام أحضروه لتلك الغاية.
وقال المسؤول: "إنها أشبه بحكاية بالب فيكشين".
إلا أن المسؤولين السعوديين، بما في ذلك ولي العهد محمد بن سلمان، نفوا تلك المزاعم، وأصروا على أن السيد خاشقجي غادر القنصلية طواعية بعد فترة قصيرة من وصوله إليها. في تلك الأثناء طالب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأن يقدم السعوديون دليلاً يثبت زعمهم.
وتقول الصحيفة "مازال من غير الواضح كيف جزمت الحكومة التركية بأن السيد خاشقجي قتل، إلا أن الاستنتاج بأن الديوان الملكي السعودي هو الذي أمر بذلك من شأنه أن يزيد الضغط على طرفي النزاع. وما من شك في أن ذلك سيزيد من صعوبة خروج الحكومتين برواية تحفظ ماء الوجه كتوجيه اللوم على اختفاء خاشقجي إلى طرف ثالث أو تحميل المسؤولية لعناصر مارقة داخل قوات الأمن السعودية أو إرجاع ذلك إلى حادث وقع أثناء عملية تحقيق كانت نتائجها كارثية".
وتابعت: "لقد ترك المسؤولون الأتراك الأمور في حالة يشوبها الكثير من الغموض، وذلك من خلال التصريح شريطة عدم الإفصاح عن هوية المصرحين أو من خلال رفض الكشف أمام الرأي العام عما لديهم من أدلة، بحيث باتت كل الاحتمالات واردة. صدرت عن بعض وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة تقارير تفيد بأن الشرطة مازالت تحقق في احتمال أن يكون السيد خاشقجي قد تعرض للاختطاف وليس للقتل".
ولكن نظراً لأن ما يزيد عن أسبوع قد مضى منذ أن شوهد آخر مرة، فقد تضاءل احتمال أن يكون مازال على قيد الحياة.
وخلصت المؤسسة الأمنية إلى الجزم بأن قتل السيد خاشقجي كان بأمر مباشر من فوق لأن الزعماء السعوديين الأعلى منصباً هم وحدهم من يمكنهم إصدار أمر بتنفيذ عملية بهذا الحجم وبذلك التعقيد، كما قال المسؤول، الذي اشترط للحديث معنا حول ما يتوفر لديهم من معلومات عدم البوح بهويته.
وقال المسؤول إن خمسة عشر عميلاً سعودياً وصلوا على متن طائرتين مستأجرتين الثلاثاء الماضي، وهو نفس اليوم الذي اختفى فيه السيد خاشقجي.
وأضاف المسؤول إن الخمسة عشر شخصاً غادروا بعد ساعات قليلة، مؤكداً أن تركيا تمكنت الآن من التعرف على المناصب والمسؤوليات التي يتولاها معظمهم إن لم يكن كلهم في الحكومة أو في قوات الأمنالسعودية، وبين أن أحدهم خبير في الطب الشرعي، ربما كان الهدف من وجوده ضمن الفريق المساعدة في تقطيع الجثة.
وأشارت الصحيفة إلى أن تم إبلاغ إردوغان بالخلاصات يوم السبت، وذلك طبقاً لما يقوله عدد من الأشخاص لديهم علم بذلك، فعمد منذ ذلك الوقت بتوجيه المسؤولين نحو إخبار ما لا يحصى عدده من وسائل الإعلام دون الإفصاح عن هوياتهم، بما في ذلك صحيفة نيويورك تايمز، بأن السيد خاشقجي قتل داخل القنصلية السعودية.
إلا أن إردوغان لم يتهم المملكة العربية السعودية علناً بمقتل السيد خاشقجي. كما أن الرئيس التركي لم يفصح عن أدلة محددة يدعم بها ذلك الزعم. ولذلك فقد أثار هذا التحفظ من قبل الرئيس تساؤلات عما إذا كانت تركيا ستتراجع في نهاية المطاف عن توجيه اتهام صريح حفاظاً على علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، البلد الثري صاحب الوزن الثقيل في المنطقة. قد يفضل السيد إردوغان عدم إثارة حفيظة المملكة وخاصة إذ يسعى جاهداً لإدارة اقتصاد يعاني من الاضطراب والتعامل معصراع القوة متعدد الجوانب حول نتيجة الحرب الأهلية في سوريا المجاورة.
وكانت صحيفة "صباح" المقربة من حكومة إردوغان قد نشرت تقريراً يوم الثلاثاء أشارت فيه إلى أن مسؤولين لم تسمهم قالوا إن الشرطة كانت تدرس احتمال أن يكون السيد خاشقجي قد تعرض للاختطاف وأنه لم يقتل، وأن ضباط مخابرات من دولة أخرى ربما ساعدوا في تنفيذ العملية.
وقال المسؤول الذي تحدث عن مقتل السيد خاشقجي إن ذلك التقرير وغيره من تقارير مشابهة لم تكن صحيحة ولربما كانت ناجمة عن معلومات محدودة تم تبادلها بين مختلف الأجهزة داخل الحكومة التركية.
وتقول "نيويورك تايمز" إنه لربما ساهم في تردد الحكومة التركية في الكشف عما لديها من أدلة الرغبة في حماية المصادر الاستخباراتية، والتي قد تشمل اتصالات تم التنصت عليها أو مخبرين سريين، كما قال المسؤول. وقد تؤدي الرغبة في الإبقاء على سرية هذه المصادر إلى إعاقة أي مساع تبذل لمحاكمة أي من العملاء السعوديين المتورطين في العملية.
وهناك شخص آخر لديه اطلاع على الأمر، كان قد تحدث لصحيفة "نيويورك تايمز" يوم السبت مشترطاً مقابل الكشف عن بعض التفاصيل السرية عدم الإفصاح عن هويته. أكد هذا الشخص أن المخابرات التركية حصلت على شريط فيديو لعملية القتل أعده السعوديون أنفسهم لإثبات أن عملية القتل قد تمت.
وقد صرح بذلك علانية يوم الثلاثاء أحد المعلقين المقربين من حكومة السيد إردوغان.
وهذا الشخص هو كمال أوزترك، الكاتب الصحفي في إحدى الصحف الموالية للحكومة والرئيس السابق لوكالة الأنباء شبه الرسمية، وجاءت أقواله في معرض مقابلة أجرتها معه شبكة التلفزيون الموالية للحكومة، نقلاً عن مسؤولين أمنيين لم يسمهم.
إلا أن المملكة العربية السعودية استمرت في نفي أي معرفة لها بمصير السيد خاشقجي، بل وحتى أعربت عن قلقها وحرصها على سلامته. وقالت الحكومتان يوم الثلاثاء إن المملكة العربية السعودية سمحت للشرطة التركية بتفتيش القنصلية في إسطنبول، في تحول عما هو منصوص عليه في الاتفاقات الدبلوماسية المتعارف عليها.
وثمة مسؤول تركي آخر رفيع المستوى، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته حتى يتمكن من مناقشة الاستراتيجية الدبلوماسية قائلاً إن أنقرة تأمل في تتصدر واشنطن والمجتمع الدولي السعي لتحدي المملكة العربية السعودية بشأن مصير السيد خاشقجي، الحاصل على حق الإقامة في الولايات المتحدة والكاتب في صحيفة الواشنطن بوست.
إلى حد كبير، التزمت إدارة ترامب الصمت بشأن هذه القضية حتى يوم الإثنين عندما قال الرئيس ترامب إنه "قلق" بشأنها، وذلك رداً على سؤال وجهه له أحد المراسلين.
ربما ترددت الإدارة في التدخل في النزاع وذلك جزئياً لأن المملكة العربية السعودية حليف مقرب من الولايات المتحدة، ولطالما عبر السيد ترامب عن حماسته للزعيم المهيمن في المملكة، ولي العهد محمد بن سلمان الذي يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً.
ونظراً لأن السيد خاشقجي لم يره أحد منذ عدة أيام، فقد بدأت تظهر مؤشرات يوم الثلاثاء على تصاعد الضغوط. فها هو وزير الخارجية الأمريكي يطالب الحكومة السعودية "بدعم إجراء تحقيق دقيق وشامل في قضية اختفاء السيد خاشقجي وبالالتزام بالشفافية إزاء نتائج ذلك التحقيق."
اقرأ أيضا: رئيس "الخارجية" بالكونغرس: معلومات استخبارية تؤكد مقتل خاشقجي
في مقال رأي نشرته الثلاثاء في صحيفة الواشنطن بوست، حثت خطيبة السيد خاشقجي خديجة جنكيز السيد ترامب على "المساعدة في تسليط الضوء على اختفاء جمال." وكتبت تقول إنها كانت "واثقة" من أنه مازال على قيد الحياة ولكن أملها بدأ يتلاشى مع كل يوم يمر.
كما دعا مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كلاً من المملكة العربية السعودية وتركيا إلى إجراء تحقيق دقيق وشامل وإعلان النتائج على الملأ.
فقد صرحت رافينا شمداساني، الناطقة باسم مكتب حقوق الإنسان، للصحفيين في جنيف بما يلي: "هذه مسألة مؤرقة جداً، ويبدو أنها اختفاء قسري للسيد خاشقجي من داخل القنصلية السعودية في إسطنبول."
كما أكد مسؤولان آخران في الحكومة التركية الخطوط العريضة لتقرير نشر في صحيفة "صباح" يشتمل على تفاصيل تحركات الفريق السعودي الذي وصل إلى إسطنبول في نفس اليوم الذي اختفى فيه السيد خاشقجي. كلا المسؤولين تحدثا شريطة عدم الإفصاح عن هويتهما وذلك لأنهما كانا يتحدثان في قضية لم يخولا بالتعليق عليها على الملأ.
وهبطت إحدى الطائرتين في مطار أتاتورك بإسطنبول في الساعة الثالثة وثلاث عشرة دقيقة من فجر ذلك اليوم وعلى متنها تسعة ركاب. نزلوا في فندقين قريبين من القنصلية وحجزوا غرفاً لثلاث ليال، إلا أنهم جمعوا حوائجهم في وقت لاحق من نفس اليوم وغادروا على متن نفس الطائرة التي جلبتهم، حيث أقلعت بهم في الساعة العاشرة وست وأربعين دقيقة مساء، وتوقفت في دبي في طريق عودتها إلى الرياض.
وأما الطائرة الأخرى فهبطت في الساعة الخامسة والربع من مساء ذلك اليوم وعلى متنها ستة ركاب، توجهوا جميعاً إلى القنصلية ثم عادوا سريعاً إلى المطار، لتقلع بهم طائرتهم الساعة التاسعة مساء، متوقفة في القاهرة في طريق عودتها إلى الرياض.
وتظهر تسجيلات كاميرا المراقبة الأمنية السيد خاشقجي وهو يدخل القنصلية بعد قليل من الساعة الواحدة من ظهر ذلك اليوم، بينما بقيت خطيبته الآنسة جنكيز تنتظره في الخارج، ولم تشاهده يخرج منها ثانية.
وبعد ساعتين ونصف من دخوله إلى المبني غادرت المكان ست سيارات تحمل لوحات أرقام دبلوماسية وفيها خمسة عشر مسؤولاً سعودياً وضباط مخابرات، كما جاء في صحيفة "صباح".
وهناك سيارتان أخريان، إحداهما شاحنة صغيرة من طراز مرسيدس فيتو سوداء اللون بشبابيك مظللة، انطلقتا من القنصلية إلى منزل القنصل على بعد ما يقل عن مائتي متر. وكان الموظفون الأتراك في سكن القنصل قد أعلموا بشكل مفاجئ بألا يأتوا إلى العمل في ذلك اليوم، كما تقول الصحفية.
وتنقل صحيفة "صباح" عن مصادر لم تسمها أن محققي الشرطة يشكون بأن السيد خاشقجي كان على متن تلك الشاحنة الصغيرة.
وكان أصدقاء السيد خاشقجي قد خططوا لتنظيم صلاة الجنازة على روحه يوم الثلاثاء، كان المتوقع أن تتحول إلى تظاهرة ضد المملكة العربية السعودية. إلا أن أصدقاءه ألغوا تلك الخطط، ولم يتسن التواصل معهم للحصول منهم على تفسير لقرارهم.
لقراءة جميع ما نشر في "عربي21" عن قضية اختفاء خاشقجي اضغط (هنا)
ديلي بيست: هذا ما خطط له خاشقجي قبل أن يغيبه السعوديون
NYT: ما أثر اختفاء خاشقجي على المعارضين السعوديين؟
التايمز: أصبح الديكتاتوريون أكثر جرأة على قتل معارضيهم