لم تستجب معادلة الطلب والعرض على العملات الصعبة في السوق الموازي
الليبي لحزمة الإصلاحات الاقتصادية التي اعتمدها المجلس الرئاسي الشهر الماضي وفق
ما كان متوقعا، وبعد الارتفاع في سعر صرف الدينار الليبي من نحو 6.5 دينار للدولار
إلى 5.2 عاد الدولار ليرتفع مقابل الدينار خلال الأيام القليلة الماضية وبشكل مقلق.
من
المهم القول أن أية إصلاحات اقتصادية في أزمة كأزمة الاقتصاد الليبي تتطلب دقة
وانضباطا في تنفيذ المقاربة الإصلاحية وذلك لضمان تحقيق المرجو منها، وأن التأخير والارتباك
في الأخذ بالإجراءات المعتمدة قد يسهم في وقوع ارتدادات قد تهدد البرنامج الإصلاحي
وتؤثر على النتائج المرتقبة.
منهج
مرتبك
لقد
ظهر جليا الاضطراب في تنفيذ الإصلاحات التي تم الإعلان عنها والتي تشمل زيادة
مخصصات الأسر إلى 1000 دولار، وتخصيص مبلغ 10000 دولار في العام لكل من يطلبها من
الليبيين بالإضافة إلى تيسير الاعتماد لرجال الأعمال وذلك وفقا للرسم المفروض على
الدولار والذي حدد بنسبة 183% زيادة عن سعره الرسمي.
فقد
تم إيقاف صرف مخصصات الأسر لأسباب تتعلق بمنظومة الرقم الوطني التي على أساسها يتم
الصرف كما جاء في بيان المصرف المركزي، وتأخر تنفيذ صرف مخصصات العلاج والدراسة
ومنحة العشرة ألاف دولار أيضا.
أما
الاعتمادات فيبدو أنها لا تسير وفق ما أُعلن عنه، حيث أن معظم المصارف لم تشرع بعد
في التنفيذ، وبرغم ما قيل عن تسهيل الإجراءات، فإن هناك شكاوى تتعلق بالتعطيل
والمماطلة.
مشاكل
جانبية
الأهم
من ذلك أن عدم التساوق في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية يخلق حالة من عدم الرضا
ويثير بعض المشاكل الجانبية، كما أن التأخير والارتباك يوفران فرصة للتلاعب
والاحتيال، ولنتذكر أن هناك دائما قدرة من قبل شبكة الفساد على الالتفاف على أي
مقاربة لضبط عملية إدارة المال العام وتصحيح الوضع المأزوم.
تردد
عبر مصادر عدة أن هناك تجاوزت فيما يتعلق بالمطلوب ضمن إجراءات تنفيذ الاعتمادات،
حيث أن المقرر أن يودع الراغب في الحصول على اعتماد لتوريد سلع أو مستلزمات تشغيل
مصانع وغيرها المبلغ بالدينار الليبي نقدا وذلك بهدف حل مشكلة نقص السيولة أو
التخفيف من حدتها.
السوق
الموازي
وعلى
ما يبدو أن هناك تحايلا يقع من خلال قبول المبلغ لغرض فتح الاعتماد بإصدار صكوك،
والتحايل يقع لأن المستفيد من الاعتماد يحقق عائدا ماليا من خلال تحصيل قيمة مالية
إضافية مترتبة عن فرق سعر الدولار في السوق السوداء ما بين شرائه نقدا أو بصك، حيث
يقوم بشراء الدولار من السوق الموازية نقدا ويبيعه بصك بزيادة تصل إلى دينار
للدولار ويقوم بإيداع الصك في المصرف لتحصيل الاعتماد، فيحقق ربحا إضافيا من خلال
مناورته.
هذا
التلاعب يمكن أن يفتح بابا كبيرا للفساد الكفيل بتعطيل الإصلاحات المالية وجعلها
كأن لم تكن خاصة فيما يتعلق بتوفير السيولة التي يعتمد عليها بشكل أساسي ما يزيد
عن 70% من المواطنين حتى أصبحت ظاهرة الطوابير والانتظار لساعات طوال أمام أبواب
المصارف شيئا معتادا.
الجهات
المعنية قللت من خطورة عودة الدولار للارتفاع أمام الدينار في السوق الموازية،
واعتبرته متوقعا في ظل الأزمة الحادة واعتبرت ما وقع مقبولا وأن الإصلاحات كفيلة
بالتحكم في قيمة الدولار وإنعاش الدينار الليبي تدريجيا.
لكن
الإعلان عن تأجيل تنفيذ رفع الدعم عن المحروقات كما هو مقرر في برنامج الإصلاح الاقتصادي
يشير إلى صعوبات تواجه الإصلاحات، حيث سيكون من المستحيل رفع سعر الوقود في ظل نقص
السيولة، فأن تمنح المواطن زيادة في دخله مقابل رفع سعر البنزين ثم لا يستطيع
الحصول عليها وهو مطالب بدفع قيمة مضاعفة لما يستهلكه من وقود نقدا سيثير موجة غضب
قد تُفشل الخطة الاقتصادية الإصلاحية.
إيطاليا والبحث عن حل للأزمة الليبية
طرابلس.. ماذا بعد أن وضعت الحرب أوزارها؟