ألقى رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، كلمة أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، تطرق فيها إلى قضية
اغتيال الكاتب السعودي الشهير جمال خاشقجي، وطرح أسئلة ما زال الرأي العام ينتظر أجوبتها من الرياض. وكانت اللغة التي استخدمها أردوغان في كلمته
دبلوماسية للغاية، وبالتالي،
لم تكن دلالة فحواها واضحة لدى كثير من المتابعين الذين ظنوا أن الرئيس التركي سيكشف عن الأدلة التي عثرت عليها قوات الأمن والاستخبارات التركية خلال تفتيش مبنى القنصلية
السعودية ومقر إقامة القنصل السعودي محمد العتيبي في إسطنبول.
توقيت خطاب أردوغان تم اختياره بدقة، وفي الوقت الذي كانت السعودية تبذل فيه جهودا لجذب انتباه العالم إلى
منتدى الاستثمار الذي فشل قبل انعقاده بسبب الانسحابات، اتجهت الأنظار إلى
تركيا لمعرفة ما سيقوله أردوغان في كلمته. وبعد خطاب أردوغان، ألغى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كلمته في المنتدى.
خطاب أردوغان أمام نواب حزب العدالة والتنمية؛ حمل
رسائل عديدة إلى الملك سلمان بن عبد العزيز، والأسرة المالكة، والمجتمع الدولي. ومن المؤكد أن تلك
الرسائل المشفرة باللغة الدبلوماسية وصلت إلى المعنيين بها، وبذلك، منح الرئيس التركي العاهل السعودي فرصة أخيرة ليقوم بما يجب فعله كي لا تضطر أنقرة إلى تدويل القضية.
أردوغان أكد أن تركيا لن تغلق ملف اغتيال خاشقجي حتى تتم معاقبة كافة المتورطين في هذه الجريمة النكراء. وشدد على أن اغتيال الكاتب السعودي في مبنى القنصلية مدبر تم التخطيط له مسبقا قبل دخول خاشقجي إلى مبنى القنصلية في 2 تشرين الأول/ أكتوبر، وهكذا نفى الروايات الكاذبة التي حاولت الرياض أن تروِّجها لإظهار الجريمة خطأ غير مقصود.
الأسئلة التي جاءت في خطاب أردوغان يطرحها الرأي العام منذ أيام، إلا أن إعادة طرحها على لسان الرئيس التركي في خطاب استمع إليه ملايين الناس حول العالم عبر القنوات التلفزيونية، ستعزز فرصة التوصل إلى إجاباتها الصحيحة. وكما أكد المتحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، هذه الأسئلة لا يمكن لغير السعوديين الرد عليها.
السعودية اعترفت رسميا بمقتل خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول، وبالتالي، تعرف جيدا مصير جثة الكاتب الشهير. ولا يمكن أن تتهرب الرياض من الإجابة على سؤال: "أين جثة خاشقجي؟"، كما أن القول بأن الجثة تم تسليمها إلى متعاون محلي، يحمِّل السعوديين مسؤولية الإجابة على سؤال آخر، وهو: "من هو المتعاون المحلي؟".
أردوغان شدد على أن محاولة إلقاء المسؤولية على رجال مخابرات وأمن لن تكون مطمئنة لتركيا والمجتمع الدولي، مشيرا إلى ضرورة محاسبة كافة المتورطين في الجريمة من أسفل السلم إلى أعلاه. واقترح على الرياض محاكمة المشتبه بهم في إسطنبول. وهذا يعني أن تركيا لن تقبل تمرير سيناريو التضحية بأكباش الفداء لإفلات المسؤول الذي أمر بتنفيذ عملية الاغتيال.
الرئيس التركي لم يكشف جميع الأوراق التي تملكها أنقرة. ولعل الهدف من ذلك، استخدام تلك الأوراق ضمن إستراتيجية مدروسة
لمواصلة الضغوط على السعودية لكشف ملابسات الجريمة ومعاقبة كافة المجرمين. كما أن هناك أدلة أخرى يمكن أن تضاف إلى ملف القضية بعد التوصل إلى الحقيقة المتعلقة بالمتعاون المحلي والعثور على الجثة وفحصها.
خطاب أردوغان وضع السعودية أمام خيارين: إما التعاون مع أنقرة
لمحاسبة جميع المتورطين في عملية اغتيال خاشقجي ومعاقبتهم، وإما تدويل القضية. وكان اللافت في الخطاب إشارة الرئيس التركي إلى ضرورة أن يشمل التحقيق غير السعوديين الذين شاركوا في الجريمة، الأمر الذي يؤكد أن أنقرة لديها أدلة كافية على تورط آخرين من دول أخرى.
تركيا ترى أن ولي العهد السعودي متورط في اغتيال خاشقجي، وإن لم تعلن ذلك بشكل رسمي، نظرا لحساسية القضية وتبعاتها. ولذلك، تجاهل أردوغان في خطابه الأمير محمد بن سلمان، ووجَّه مناشدته مباشرة إلى العاهل السعودي، إلا أن مراقبين يرون أن الرئيس التركي يبالغ في ثقته بالملك سلمان وقدرته على محاسبة قتلة خاشقجي، والأيام القادمة كفيلة بأن تكشف للجميع هل كانت ثقة أردوغان بالعاهل السعودي في محلها؛ أم أن الأخير سيخيِّب الرئيس التركي.