نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا أعده كل من كيفن سوليفان وكريم فهيم، يقولان فيه إنه بعد عام على تحويل فندق ريتز كارلتون في الرياض إلى سجن، فإنه لا يزال هناك معتقلون آخرون في سجون ولي العهد.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الأمير تركي بن عبدالله لا يزال معتقلا، وكان تركي (47 عاما) سليل عائلة الملك عبدالله، وطيارا تلقى تدريبات عسكرية متقدمة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وكان أميرا قويا لمنطقة الرياض، والمدير التنفيذي لمؤسسة الملك عبدالله، التي تقدر بالمليارات، والتي تقدم الدعم للأعمال الخيرية حول العالم.
ويلفت الكاتبان إلى أن الأمير تركي هو الآن من بين عدد من الأثرياء السعوديين الذين لا يزالون في المعتقل بعد عام من الحملة التي أدهش فيها ولي العهد محمد بن سلمان المملكة وتحويله الفندق الراقي ريتز كارلتون سجنا لأهم الشخصيات المالية والأمراء، فيما أطلق عليها حملة مكافحة الفساد.
وتذكر الصحيفة أن تركي، المتهم كما يقول المسؤولون بالرشوة في عمليات بناء مترو الأنفاق في الرياض، لا يزال محتجزاً دون أي تهم رسمية، مشيرة إلى أن مدير طاقمه الجنرال علي القحطاني توفي أثناء الاعتقال في ظروف لم يتم تفسيرها.
ويورد التقرير نقلا عن النائب العام السعودي، قوله في بداية هذا العام، إن 56 من الرجال لا يزالون في الاعتقال، بعضهم كما قال عرضة للتحقيق الجنائي، حيث تم الحصول على 106 مليارات دولار على شكل عقارات وشركات وأرصدة أخرى، فيما قال محمد بن سلمان، في مقابلة مع موقع "بلومبيرغ" إن هناك ثمانية أشخاص لا يزالون في الاعتقال "وهم مع محاميهم، ويواجهون النظام الذي لدينا في السعودية".
ويستدرك الكاتبان بأن أشخاصا مطلعين على الأمر، يقولون إن العدد أكبر، وهناك 45 من معتقلي الريتز لم يتم الإفراج عنهم، مشيرين إلى أن واحدا من هؤلاء الذين أفرج عنهم يوم الجمعة، هو الأمير خالد بن الوليد (56 عاما)، ابن عم الأمير محمد وتركي أيضا، وهو رجل أعمال يعرف بتدينه، وعارض على ما يبدو قرار ولي العهد تجريد السلطة الدينية من سلطاتها.
وتورد الصحيفة نقلا عن ناشطين في مجال حقوق الإنسان ومحللين، قولهم إن الأمير محمد قد يفرج عن المعتقلين، في محاولة منه لتخفيف الشجب الدولي بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي في 2 تشرين الأول/ أكتوبر داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، مشيرة إلى أن مقتله على يد عملاء أرسلوا من السعودية أدى إلى توتر العلاقة مع الولايات المتحدة وأوروبا، وركز الانتباه على ممارسات ولي العهد وانتهاكاته لحقوق الإنسان، بما في ذلك سجنه عددا من نقاده.
وينقل التقرير عن الناشط في حقوق الإنسان يحيى العسيري، الذي يعيش في لندن، قوله: "لا يريدون عمل هذا، لكنهم يتعرضون لضغط، وسيقومون بعمل هذا لتخفيف الضغط"، لكنه حذر من المبالغة في تحليل أهمية إطلاق سراح الأمير خالد، الذي جاء لزيادة الدعم للأمير محمد بن سلمان داخل العائلة، في وقت يتعرض فيه هو ووالده لضغوط كبيرة.
وينقل الكاتبان عن الباحث في مجال الشرق الأوسط في منظمة "هيومان رايتس ووتس" آدم كوغل، الذي يتابع أمور المملكة عن كثب، قوله: "أعتقد انهم يحاولون إظهار الوحدة داخل العائلة بسبب ما تتعرض له من تدقيق"، لافتين إلى أن حملة اعتقالات الأثرياء السعوديين قبل عام أسهمت في توطيد سلطات الأمير، وتحييد المنافسين الأقوياء له.
وتورد الصحيفة نقلا عن شخص مقرب من العائلة المالكة، قوله: "الأمر يتعلق بالمال والتأثير.. يدرك محمد بن سلمان أنه إذا أخذت أموالهم فإنك ستجردهم من سلطتهم".
ويفيد التقرير بأنه عندما واجه المعتقلون فترات سجن طويلة وعقوبات أخرى فإنهم وافقوا على دفع الأموال المطلوبة منهم، التي كانت التخلي عن معظم ثرواتهم.
ويشير الكاتبان إلى أن الكثير من السعوديين والمراقبين الأجانب ثمنوا خطوة الأمير، التي قالوا إنها خطوة متأخرة لمحاسبة الثقافة الشللية بين أفراد العائلة المالكة، الذين تعاملوا مع السعودية أرضا ونفطا وثروة ملكا لهم، لافتين إلى أن البعض نظر إلى الاعتقالات والتقارير عن التعذيب في الريتز على أنها تحرك شرس من الأمير محمد لتصفية الحسابات، وتقوية سلطته الشخصية، حيث يقول نقاد إن هذا الأمر يناسب سجل ولي العهد في اعتقاله لناشطي حقوق الإنسان والناشطات النسويات، وحتى رجال الدين الذين لا يتفقون مع سياساته.
وتلفت الصحيفة إلى أن المسؤولين السعوديين ينفون حصول التعذيب، فقال مسؤول: "نحن لسنا هكذا.. لا نعذب وهذه الكلمة لا تستخدم في لغتنا".
وبحسب التقرير، فإنه يبدو أن الأمير استهدف عائلة الملك عبدالله بالتحديد، ويقول المراقبون إن هذا كان نتاج توتر بين عائلة سلمان وعبدالله، الذي يعود لسنوات طويلة، وبرز من جديد بعد صعود محمد بن سلمان السريع إلى السلطة.
ويقول الكاتبان إن الأمير تركي عبر عن قلقه من مراكمة الأمير محمد السلطات، خاصة سيطرته على وحدة التحقيقات في وزارة الداخلية، التي قال مقرب من العائلة "إنها يمكن أن تستخدم لتوجيه شتى الاتهامات"، بالإضافة إلى سجن تركي سجن ولي العهد ثلاثة من أولاد الملك الراحل، بمن فيهم قائد الحرس الوطني السابق الأمير متعب بن عبدالله، وفيصل بن عبدالله (40 عاما)، الذي كان مديرا للهلال الأحمر السعودي، ومشعل بن عبدالله، الذي كان أميرا على منطقة مكة بعد الشكوى من مقتل القحطاني "الذي كان في كامل صحته" عندما اعتقل، وذلك بحسب مقرب من العائلة المالكة.
وتبين الصحيفة أنه كان من بين المعتقلين في الريتز، سلمان بن عبد العزيز بن سلمان (36 عاما)، وهو متزوج من ابنه الملك عبدالله، واعتقل والده، ولا يزال الاثنان في المعتقل، دون توجيه اتهامات لهما، بحسب محاميهما.
وينقل التقرير عن أشخاص على علاقة مع العائلة المالكة، قولهم إن تركيز محمد بن سلمان على أبناء الملك عبدالله جاء من أجل تهميش المنافسين له في السلطة، ومن أجل السيطرة على مؤسسة الملك عبدالله، التي يشرف عليها الأمير تركي، وتقدر قيمتها بحوالي 30 مليار دولار.
وينوه الكاتبان إلى أن الملك سلمان بدأ عندما كان أميرا على منطقة الرياض بتحضير ابنه للقيادة، وعينه مستشارا كبيرا له، ولم يكن حينها يتعدى العشرين من عمره، وعندما أصبح الملك سلمان وليا للعهد عام 2012 ووزيرا للدفاع، فإنه عين الأمير محمد مستشارا كبيرا.
وتورد الصحيفة نقلا عن دبلوماسي غربي لديه خبرة طويلة في الرياض، قوله إن الملك عبدالله عبر في تلك الفترة عن قلقه من صعود الأمير محمد، وأضاف: "شعر الملك عبدالله بقلق من السلطة التي أعطيت للولد الشاب الذي لم يصل بعد 30 عاما".
وبحسب التقرير، فإنه قبل عقد، غضب الملك عبدالله من الأمير محمد عندما اشتكى أحد كبار المستشارين الاقتصاديين للملك من استثمارات الأمير محمد في السوق المالية، إلى درجة جعله يطلب من الديوان الملكي وقفه بحسب شخص على علاقة مع العائلة، وأغضب الأمير محمد الملك عندما عزل عددا من نواب الدوائر في وزارة الدفاع، ما دفع الملك لمنعه من دخول وزارة الدفاع.
ويقول الكاتبان إن السخط متبادل، فقد غضب الملك سلمان عندما قرر الملك عبدالله تعيين شخص من أبناء العائلة ليكون أميرا لمنطقة الرياض التي يديرها منذ عام 1963، وكان يريد أن يبقيها في يد العائلة.
وتفيد الصحيفة بأنه بحسب عدد من التقارير الإعلامية، فإن بعض المعتقلين نقلوا إلى سجن الحائر العالي السرية، فيما احتجز آخرون في بيوت خاصة، وطلب منهم ارتداء حلقات إلكترونية، وهؤلاء يضمون أفرادا في العائلة وأصدقاء.
وكان من بين المعتقلين:
-عادل الفقيه (59 عاما) أمين مدينة جدة السابق، ووزير الاقتصاد والتخطيط السابق.
-وليد الفتيحي (54 عاما) الطبيب البارز، الذي كان يقدم برنامجا صحيا معروفا، وأنشأ مستشفى في جدة، ويحمل الجنسية الأمريكية.
-عمرو الدباغ (52 عاما)، وهو مدير مجموعة الدباغ في جدة، والمدير السابق لهيئة الاستثمار العامة.
-محمد حسين العامودي (72 عاما) رجل الأعمال السعودي الأثيوبي، الذي تقدر ثروته بحوالي 8.1 مليار دولار، من خلال مصفاة البترول التي يملكها في السويد ومحطات الوقود في إثيوبيا.
-بكر بن لادن، مدير مجموعة ابن لادن في جدة، التي تعد من أنجح شركات الإنشاءات في المملكة.
ويشير التقرير إلى أنه بالإضافة إلى الخلافات بين عائلة سلمان وعبدالله، فإنه لوحظ أن معظم المعتقلين في فندق ريتز كارلتون هم من منطقة الحجاز، خاصة مدينة جدة ومكة والمدينة.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول المؤرخ البريطاني المعروف روبرت ليسي: "هذه هي العائلات التي ساعدت عبد العزيز على توحيد البلد في سنوات العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.. يعامل أفرادها اليوم على أنهم مجرمون".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
التايمز: من هو جمال خاشقجي وما هي سيرته وتوجهاته؟
الغارديان: لماذا تحوّل خاشقجي من ناقد إلى تهديد؟
أتلانتك: احتمالات نهاية سعيدة لخاشقجي تتضاءل