هناك كذبة يُراد لها الانتشار، ثم التسليم بها، يكثر ترديدها منذ فترة سواء في الإعلام، أو على ألسنة قساوسة، وهي: أن المسلمين في مصر ضيوف على أهلها، وأن سكان مصر الأصليين هم المسيحيون الأقباط.
أطلق هذه العبارة منذ سنوات الأنبا بيشوي حين قال: المسلمون ضيوف علينا في مصر، وتصدى له وقتها أستاذنا الدكتور محمد سليم العوا، ثم منذ قريب في أحد الأحداث الدموية ضد المسيحيين في مصر قالها إبراهيم عيسى، وعمرو أديب: أنتم بتفجروا أهل البلد الأصليين؟!!
وأذكر أن شاعرة مصرية مسلمة، كانت تحدثني في سياق الحديث عن الوحدة الوطنية، والتعامل مع الأقباط في مصر، وإذ بها تقول لي عبارة تدل على مدى السعي لنشر هذه الثقافة في نفوس المصريين، قالت لي: إنني أشعر في التعامل مع الأقباط، أنهم الدم المصري النقي، في إشارة منها إلى أن دماءهم مصرية خالصة، لم تختلط بدماء عرب قدموا إلى مصر، أو كما يحلو للبعض أن يطلق عليهم: العرب الغزاة لأرض مصر.
فرية كبرى
هذه فرية كبرى، وكذبة ضخمة، لا تنطلق من حقائق التاريخ، أو الواقع، بل تنطلق من منطق عنصري، ومدلس في آن واحد، فأولا من هو القبطي؟ تعريف القبطي في كل معاجم اللغة القديمة والمعاصرة، هو المصري القديم، سواء كان المصري مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو غير ذي ملة، فهو يسمى بالقبطي، فأنا قبطي مسلم، كما أن المسيحي المصري قبطي مسيحي، وكذلك كل مصري يعتبر قبطيا.
الأمر الآخر المهم واقعيا أنه لا يستطيع أحد أن ينسب المصريين للديانة المسيحية في مصر، ولو رددنا أصل المصريين الآن للمسيحيين، فبالتالي لماذا لا نكون فراعنة بالأصل، فلو نسبنا كل بلد لديانة انتشرت فيها في فترة زمنية ما، فالمسيحية يقينا لن يزيد عمرها في مصر أو غيرها لأكثر من ألفي عام، وقبلها دخلتها اليهودية، وقبلها الفرعونية، وعبادة الشمس، وغيرها، فلماذا لا ننسب مصر لسكانها الأصليين من الفراعنة، لماذا الإصرار على النسبة للمسيحية وحصر القبطية فقط في المسيحيين؟!
ربما أرادوا إلقاء الأمر بأن مصر تنسب إلى ما قبل فتح العرب، أو ما يسمونه الغزو العربي، أو الإسلامي لمصر، والسؤال هنا: هل كانت المسيحية في دخولها لمصر دخولا سلميا، أم دخولا بحرب، وماذا فعل البيزنطيون المسيحيون بأهل مصر، ونقارن بدخول المسيحية والإسلام لمصر، فسنرى بونا شاسعا، وبخاصة لو رجعنا لمراجع غير المسلمين، ككتاب: (فتح مصر) لبتلر، أو (الدعوة إلى الإسلام) لتوماس أرنولد، سنكتشف أن تغيير ديموغرافيا مصر كانت بالحديد والنار مع المسيحية، بينما لم يحدث ذلك من الإسلام، فقد ظلت مصر لألف سنة بعد دخول الإسلام والأكثرية فيها غير مسلمة!!
وهذه تفاصيل كتبها مؤلفان غير عربيين، وهما: فيليب فارج، ويوسف كرباج، في كتابهما المهم: (المسيحيون واليهود في التاريخ الإسلامي العربي والتركي)، ففي الفصل الأول من الكتاب تحت عنوان: (قيام الإسلام في الشرق العربي) فيما يقرب من 35 صفحة، بالخرائط، والأرقام، والرسم البياني، والمعلومات التاريخية الموثقة، عن طريق حساب الجزية التي يدفعها غير المسلم، والخراج الذي يدفعه المسلم.
انتشار تدريجي للإسلام
عرفا عدد سكان أهل مصر وغيرها من البلاد التي دخلها الإسلام، ونسبة غير المسلمين فيها مقارنة بالمسلمين. وأثبتا أن الإسلام احتاج لألف سنة أو يزيد حتى يكون أتباعه أكثرية فيها، وأن انتشاره كان تدريجيا، وأنه لم يمارس أي ضغط لتحويل غير المسلمين للإسلام. وهذا معناه أن سكان مصر الأصليين أيا كانت ديانتهم، دخلوا الإسلام طواعية في سنوات طويلة.
ونشر موقع: المصري اليوم لايت بتاريخ 17 كانون ثاني/يناير 2017م، تحت هذا العنوان: مفاجأة 17 % فقط من أصل المصريين عرب، وكتبوا في الخبر: (كشف مشروع خريطة الجينات الوراثية، الذي قامت به "ناشيونال جيوغرافيك" عن مفاجأة في ما يتعلق بالجينات الوراثية للعرب وأصولهم، والتي أثبتت أن العرب ليسوا عربًا بشكل كامل، ولكن هناك أصول أخرى لهم، حسب ما ذكر موقع "ستب فييد".
فقد توصلت النتائج إلى أن المصريين 17% فقط من أصولهم عرب، أما 68% من السكان الأصليين هم من أفريقيا الشمالية، و4% من الشتات اليهودي، و3% من أفريقيا الشرقية، 3% من آسيا الصغرى، و3% من جنوب أوروبا).
وهذا معناه أن معظم المسلمين في مصر من أصل مصري، مسيحيا كان أو غيره، كما أن المسلمين العرب أنفسهم في بلاد العرب هم من آباء مشركين ويهود ومسيحيين عرب، وهناك ردود أخرى علمية، تدمغ هذه الشبهة، أو الفرية. وبذلك تبطل هذه الدعوى الفارغة أن المسيحيين في مصر هم أصل البلد، والتي لا تصدر إلا عن أشخاص جهلة، أو متعمدين التضليل للرأي العام، بتزوير الحقائق التاريخية.
Essamt74@hotmail.com
زمن قهر المعارضين في العالم العربي
ضحايا المنيا في رقبة السيسي وتواضروس
مصر وإسرائيل من التطبيع إلى التشاركية.. ثم ماذا بعد؟