كشفت الجولة الأخيرة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عن خسارة إسرائيل لكثير من نقاط قوتها على المدى البعيد نتيجة تراكمات تسببت بها حروبها خلال السنوات الماضية بحسب مختصين بالشأن الإسرائيلي.
وعلى الرغم من قصر مدة
هذه الجولة والتي استمرت ليومين إلا أن المقاومة الفلسطينية أطلقت رشقات كثيفة
من الصواريخ في توقيت قصير لم يسبق له مثيل في أي مواجهة في حين اتسم الرد
الإسرائيلي بالضعف مقارنة بهكذا أحداث.
وبدأت الجولة الأخيرة
عقب الاعتداء الإسرائيلي بإدخال مجموعة من وحدة "سييرت ميتكال" (نخبة
قيادة الأركان) إلى عمق 3 كيلومترات في غزة مصطحبين معهم أجهزة مختلفة وبعض
المعدات واكتشافهم من قبل دورية للمقاومة في المنطقة العازلة قرب خانيونس ثم
الاشتباك معهم ومقتل قائد الوحدة الإسرائيلية واستشهاد 7 مقاومين بينهم قيادي
ميداني في القسام.
وردت الفصائل الفلسطينية
عبر غرفة عمليات مشتركة على الاعتداء الإسرائيلي بنحو 460 صاروخا خلال 24 ساعة مع
التهديد بتوسيع دائرة النار بدأت بعسقلان والامتداد لمناطق أبعد لكن الموقف جرى
تطويقه باتصالات إقليمية ودولية أفضت لتثبيت تفاهمات التهدئة السابقة.
قواعد اشتباك جديدة
ورأى الخبير العسكري
الدكتور محمود العجرمي أن الجولات التي خاضتها المقاومة مع الاحتلال خلال السنوات
الماضية ثبتت قواعد اشتباك مهمة وأحدثت نقلة استراتيجية بأن "القصف بالقصف
والدم بالدم".
وأوضح العجرمي
لـ"عربي21" أن المعارك والاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال
السنوات الماضية قدمت دروسا كبيرة للمقاومة الفلسطينية على صعيد كيفية التصرف
والإعداد والتحرك وبات اليوم لدينا غرفة عمليات مشتركة ذات بعد تكتيكي واستراتيجي
لإدارة المعركة مع إسرائيل.
ولفت إلى أن الاستعداد
النوعي الذي ظهر على المقاومة وكان نتاج تطور من مراحل عديدة وضع الاحتلال في موقف
محرج بعد إرسال "نخبة نخبته" إلى عمق غزة والإطباق عليهم ومقتل قائدهم
بعد الظن أن المقاومة في حالة استرخاء.
وأشار العجرمي إلى أن
إسرائيل لحقت بها خسائر على المدى البعيد بتراكم الجولات الفاشلة التي خاضتها منذ
العدوان على لبنان عام 2006 وحتى الجولة الأخيرة الفاشلة في غزة.
ورأى أن حكومات
الاحتلال منذ سنوات تعاني مأزق متكررة بهذا الملف فضلا عن صفوف المعارضة وظهر
إفلاس تلك القيادات في اعتداءات 2012 و 2014 وأخيرا 2018.
إقرأ أيضا: الإسرائيليون يعترفون: خجلون لأن حماس هزمت أقوى جيوش العالم
وأضاف العجرمي: "قدرة
الردع لدى الاحتلال تآكلت مع مرور الوقت وباتت اعتداءاته تواجه برد قوي في كل مرة
خاصة أنه لم يحقق مكاسب سياسية أيضا في كل الجولات واختل توازن الرعب".
وتابع: "إسرائيل ومنذ
رحيل رابين وشارون خسرت قادتها التاريخيين ومنحنى مستقبلها يسير للأسفل رغم ما
يجري في المنطقة لأجلها".
واعتبر العجرمي أن
إسرائيل يغيب عنها اليوم "العمل الاستراتيجي وهي ما بين جبهة الشمال في لبنان
والتي انكفأت على نفسها فيها وبين مشكلتها مع غزة وتطور العمل المقاوم فيها
واختلال الموازين على الأرض".
وقال: "أعتقد أن
الوضع الحالي أضاف لمآزق إسرائيل مأزقا جديدا وبدت عاجزة على نحو غير مسبوق في
أدائها ولم يكن لها استراتيجية في تطوير الموقف الميداني منذ 2006 واستخدمت كل
طاقتها دون تحقيق هدف واحد وتركز القتال داخل فلسطين رغم أنها كانت تمارس عمليات
وتحقق أهدافا سياسية كبيرة سابقا".
وتابع: "كل شيء
تغير في دولة العدو المعارك الأخيرة فاقمت العجز الذي بدا واضحا في 2014 بتقرير مراقب
الدولة والذي كشف ضعف الجيش بقيادتيه العسكرية والسياسية".
وبشأن تراكم الخسائر
أشار العجرمي إلى أن عدوان 2008 أطاح بإيهود أولمرت وفي 2012 وأطيح بإيهود باراك
من وزارة الحرب أما عدوان 2014 فأطاح بموشيه يعالون وأخيرا أفيغدور ليبرمان في
الجولة الأخيرة.
أسلحة جديدة
من جانبه قال المحلل
السياسي في الداخل الفلسطيني أليف صباغ إن الصراع تحول إلى داخل إسرائيل بتساؤل
كبير "هل نحن قادرون وقوة ردعنا كافية لمواجهة الفلسطينيين في قطاع
غزة".
وأوضح صباغ لـ"عربي21" أن استخدام
المقاومة لسلاحين بطريقة ملفتة وهما الكورنيت الموجه والذي استهدف حافلة جنود
والصاروخ الذي يحمل رأسا متفجرا غير معهود على صواريخ المقاومة والذي ضرب عسقلان دفع
الإسرائيليين لطرح أسئلة هامة بشأن الوضع المختلف في غزة.
ورأى أن "ما يسمى
بقوانين اللعبة أو قواعد الاشتباك كانت إسرائيل المتفوق فيها دائما وتكون آخر من
يطلق النار لكن في الجولة الأخيرة كان هناك إخراج جديد ببدء الهدنة في وقت متزامن
بعد توقف النار بنحو ساعتين وهو أمر غير مسبوق".
واعتبر صباغ استقالة
ليبرمان بالأمر الكبير على الصعيد السياسي الإسرائيلي وهو إقرار بالفشل في الوقوف
بوجه المقاومة بغزة عسكريا وسياسيا في مقابل الرصيد الذي تعزز للفلسطينيين عبر
وحدة الفصائل السياسية والعسكرية مع الالتفاف الشعبي رغم اختلاف الوضع في رام
الله.
إقرأ أيضا: وزير إسرائيلي مبررا التهدئة: سنعود بـ500 قتيل لو دخلنا غزة
واتفق صباغ مع العجرمي
في أن عدوان عام 2006 كان تحولا في مسار الردع الإسرائيلي وشدد على أن الجولة
الأخيرة رغم قصرها شكلت نقطة تحول ودفعت الاحتلال لإجراء حسابات مطولة قبل الإقدام
على أي تصعيد أو اعتداء على غزة.
وأضاف: "إسرائيل باتت
تحسب حسابا للأسلحة الجديدة وهذا نقطة ضعف على المدى البعيد وربما بحوزة المقاومة
الفلسطينية أسلحة جديدة ويبقى التفوق الإسرائيلي في مجال الطيران الحربي".
واعتبر صباغ أن
إسرائيل ومنذ عدوان 2014 "تفكر 10 مرات قبل التفكير بعمل بري في غزة ومن وقف
دائما بوجه الساسة الإسرائيليين خلال السنوات الماضية في هذا الأمر كان الجيش
لإدراكة ومعرفته بطبيعة المشكلة هناك لأنه هو من تكبد الخسائر في آخر
مواجهة".
ولفت إلى أن أحد
الأضرار التي لحقت بإسرائيل هي عدم قدرة وزير الحرب على اتخاذ قرار تصعيدي كما حصل
مع ليبرمان الذي جاء للوزارة قبل سنوات بسيل من التهديدات لكنه غادرها دون أن
ينفذها ليس لأنه لا يريد بل لأنه لا يستطيع".
هذه دلالات كشف "القسام" عن هوية الوحدة الإسرائيلية السرية
لماذا انزعجت مصر من عدوان الاحتلال على غزة؟.. خبراء يجيبون
هل تؤدي استقالة ليبرمان إلى انتخابات مبكرة في إسرائيل؟