استبعد المحامي وخبير القانون الدولي، محمود رفعت، عدم معرفة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتفاصيل عملية قتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، "إن لم يكن هو من أمر بتنفيذها بشكل مباشر" على حد تعبيره.
وكشف رفعت في حوار خاص مع "عربي21"، أن خاشقجي لم يكن هو الوحيد المستهدف بالقتل، إنما كان على قائمة من المطلوب قتلهم، والتخلص منهم في الخارج على يد فرقة اغتيالات، أسسها الأمير السعودي قبل نحو أكثر من عام، لتمهيد الطريق أمامه لتولي العرش بعد أبيه.
وأكد أن مصر والإمارات "لعبتا دورا مهما في تلك العملية، واطلعتا على تفاصيلها، وكانت هناك قائمة مشتركة من المطلوبين، وكان خاشقجي أحدهم، لكن ردود الفعل الدولية على قتله أوقفت هذا المخطط السعودي المصري الإماراتي".
وتوقع أن تكون عملية خاشقجي بمثابة "القشة التي قضت على آمال بن سلمان في خلافة والده في تولي العرش، وأن مسألة بقائه إلى الآن سببه دفاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عنه، وعدم الرغبة في التخلي عنه، وأن الكرة الآن في ملعب تركيا، وعليها كشف جميع الأوراق".
وتاليا نص الحوار:
العالم أمام روايتين الرواية السعودية والتركية فأيهما أقرب إلى التصديق والحقيقة؟
-الأتراك أكدوا أن لديهم تسجيلات تربط فريق الإعدام بمدير مكتب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما أن المنطق نفسه يقول إن عملية بهذا الحجم لا يمكن أن تتم بدون علم بن سلمان؛ لأن القرار بالسعودية مركزي، ولا يتخيل أن يأمر أحد بدون معرفته بالقيام بهذه العملية في مقر دبلوماسي .
وإلا لماذا سحب ابن سلمان القنصل السعودي من تركيا بعد عدة أيام من الحادثة؟ ولماذا تم إرسال فريق كامل لإزالة أي آثار للجريمة؟ كل ذلك مؤشر إلى أن المسؤول الأول هو ابن سلمان.
هل لدى ولي العهد فريق متخصص في التعذيب والاغتيالات للمعارضين والأمراء؟
-ما سأقوله معروف ليس بسر، فقد أسس ابن سلمان فريق متكامل العام الماضي باسم السيف الأجرب، وانتقى منه 50 شخصية اعتمد عليه في الوصول إلى أشخاص مثل تركي الجاسر (معارض) صاحب حساب كشكول، وهذا الفريق هو الذي نفذ عملية قتل الصحفي جمال خاشقجي، واعتقد أنها الأولى للفريق في الخارج.
هل كانت هناك قائمة من الأسماء المطلوب تصفيتها؟
-ما يمكن أن أؤكده من مصادر خاصة أن خاشقجي كان على رأس قائمة أعدها بن سلمان للتخلص منهم واحد تلو الآخر، ولكن ردود فعل الدولية والرأي العام العالمي أوقفت مسلسل الاغتيالات، وجاءت نتائج العملية على عكس توقعات ابن سلمان نفسه وإلا ما كان ليقدم عليها، ولا أعتقد أنه سيجرؤ لو ظل في السلطة على فعلها مرة ثانية طوال حياته.
كيف يمكن التعامل مع القضية على مستوى الدولي؟ هل يمكن أن تتحرك تركيا ضد الفاعل؟
-القضية بعد مرور نحو شهرين على وقوعها بردت بعض الشيء؛ كان من المفترض من الجانب التركي عدم التحدث عن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية؛ لإن في مثل هذه الحالات تتعطل تماما؛ لإن صدر الاتفاقية ينص على أن الحصانة للعمل الدبلوماسي، ومادام تمت مخالفة العمل الدبلوماسي فلا حصانة للمقر أو الفرد، وربما من أيام قليلة اعتقلت ألمانيا دبلوماسيا إيرانيا نتيجة قيامه بعمل غير دبلوماسي.
كان على تركيا أن تقدم التسجيلات، حتى وإن كانت غير قانونية فلم يكن أحد ليسأل عن ذلك في ظل حجم العملية وبشاعتها، وتبقى شق إجرائي وليس موضوع الجريمة، وتوضع برمتها أمام مجلس الأمن، وأمام السلطات الأمريكية والأوروبية على حد سواء.
ما هي أهم جوانب التقصير في الكشف عن ملابسات القضية برأيك؟
-ترك القنصل يغادر هو أحد جوانب التقصير، وكان يجب عدم مغاردته؛ لإنه مفتاح القضية، ولإن إدارة ترامب غير موثوق فيها، كان يفترض إطلاع أعضاء الكونجرس على تفاصيلها، إضافة إلى مسؤول الاتحاد الأوروبي، ومجلس الأمن كما ذكرنا، ولكن اليوم فإن إدارة ترامب تحصنت وراء تلك المدة وملفات أخرى صعدت على الساحة الأمريكية والأوروبية، وكان يمكن رؤية رد فعل دولي قوي.
هل تعتقد أن هناك دولا في المنطقة ساعدت ابن سلمان أو علمت بهذه العملية أو تشاور معها؟
-أكدت في الساعة الأولى أن الأمر تم بتنسيق مصري إماراتي سعودي، وأن الطائرات التي جاءت من دبي إلى القاهرة ليست للتمويه إنما للاجتماع في مصر، واجتمعت بالفعل بأعلى هرم السلطة المخابراتية، حيث اجتمعت وفق معلومات خاصة بنجل عبدالفتاح السيسي (محمود السيسي) والطائرة التي عادت من تركيا إلى مصر هي التي كانت تحمل رأس جمال خاشقجي والتي لم يتم تفتيشها في تركيا.
هل كان هناك مخطط ثلاثي بين تلك الدول؟
-كان هناك اجتماع سري في آب/أغسطس الماضي بين مسؤولي مخابرات الدول الثلاث وأقروا إطلاق سياسة الاغتيالات للمعارضين وكان جمال على رأس القائمة، وكنت أنا ضمن تلك القائمة.
هل قطعت حادثة خاشقجي الطريق أمام استكمال تنفيذ مخطط الاغتيالات؟
-ردة الفعل الدولية على تلك الجريمة البشعة قطعت بلا شك الطريق على أن ينفذوا عمليات اغتيال مستقبلية ضد المعارضين في الخارج؛ طبعا الان سيكون لديهم ألف مانع ومانع، ورأوا أن ابن سلمان ونظامه كادا يسقطان جراء ما حدث.
لماذا لم يقتنع العالم بمبررات السعودية؟
-ما حدث فشل استخباراتي مروع من أول إطلاق فكرة اغتيال شخص معارض داخل مقر دبلوماسي في دولة أجنبية، وصولا إلى البيانات التي كانت تصدر للإنكار، ولكنها كانت تثبت التهمة عليهم؛ بسبب اللامنطقية التي كانت تحملها، كمن يسأل أحد من سرق المال، فيدافع أحدهم عن نفسه بأنه لم يسرق المائة جنيه.. فمن أدراه بأن المبلغ المسروق مائة جنيه!
هل هناك ما لم يتم الكشف عنه في القضية أم أن جميع أحداث العملية تم الكشف عنها؟
-هناك أشياء كثيرة لم تكشف حتى الآن من بينها، أين جثة خاشقجي، وماذا دار في مكالمة سكايب مع سعود القحطاني، هناك أشياء لم يكشف عنها الجانب التركي، وهو ما يثير علامات استفهام إزاء الصمت التركي رغم مرور كل هذا الوقت.
هل أصبح موقع ابن سلمان في خطر الآن؟
-يجب أن نفرق في المجتمع الدولي بين أمريكا وأوروبا، فالأولى كل إدارة تأتي بفعل وفكر مختلفين، وإدارة ترامب تدعم بقوة ابن سلمان، ولكن من الصعب أن يظهر (بن سلمان) في أمريكا في إدارة غير إدارة ترامب، أما أوروبا ففيها أداء ونمط سياسي معين يجعل من المستحيل على أي زعيم أو مسؤول أوروبي أن يظهر ويصافح بن سلمان علنا، وبالتالي فإن مستقبله السياسي تحطم، ولن ينتقل له العرش، وما حدث أشبه برمي السعودية في البحر وهي مكبلة.
-هل يمكن أن يقبل المجتمع الدولي بتسوية مع السعودية في قضية خاشقجي أم أنه سيصر على إجراء تحقيق دولي؟
-كل شيء وارد، فالمجتمع الدولي ليس أمّا حنونه، فهو كيان براغماتي يعمل على مصالحه أولا، خاصة أن القاتل والمقتول هم أبناء جلدة واحدة، فلا ننتظر كثيرا من المجتمع الدولي.
فقد يقبل بتسوية سواء بوجود ابن سلمان أو بعدم وجوده، مع دفع ثمن باهظ لقاء ذلك، خاصة في ظل التوترات في المنطقة.
السعودية تأثرت بشكل سلبي بتلك العملية الحمقاء، سواء بقي ابن سلمان أو رحل، فرحيله سيهدم أشياء، وبقائه سيهدم ما تبقى من الدولة السعودية، فقد أصبح عنصر فناء لها.
هل هناك ما يؤكد وجود رفض داخل أسرة آل سعود لاستمرار ابن سلمان في السلطة؟
-المعلومة الأكيدة أن هناك شبه إجماع داخل أسرة آل سعود على عزل ابن سلمان ولكن بعد ما تعرض له أمراء كبار مثل الأمير متعب بن عبدالله، فلا توجد جرأة لترجمة هذا الرفض إلى عزل حقيقي.
اليوم ابن سلمان تحت الحماية المباشرة لترامب، وقضية أمراء الريتز وقعت بعد حصوله على الضوء الأخضر من ترامب وصهره كوشنر، لذلك نحن لا نواجه ابن سلمان وحده، بل نواجه إدارة ترامب، والكرة الآن في ملعب الأتراك، لو قدموا أدلتهم مبكرا لتعامل المجتمع الدولي باكرا من القضية، لأن إدارة ترامب ليست قوية إنما مرفوضة دوليا.
"الإخوان" ترد على تصريحات الجبير: "فكرنا حاجزٌ ضد التطرف"
منير يتحدث لـ"عربي21" عن خاشقجي والسيسي والانتخابات