بداية، نعلم جميعا أن هناك فارقا بين
الشورى في المفهوم الإسلامي والديمقراطية بالمفهوم الغربي. وقد تعمدت أن أضع اسم
الديمقراطية لأننا نبني قيما يتفق عليها الجميع مسلمهم وغير مسلمهم.
الفارق الجوهري بين المفهومين أن الشوري تعني تداول الأراء واختيار أحدهما بالأغلبية مادام موافقا للشرع بينما الديمقراطية تعني رأي الأغلبية أيا كان.
وهنا أعود إلى ركن ركين في فهم الإسلام وتطبيقه، ألا وهو الحرية العقائدية فقد أعطى الله الحرية للبشر في الإيمان به أو الكفر (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
ونزع من الرسول سلطة القهر بالدين وتعاليمه على الناس (لست عليهم بمسيطر).. (إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيرا).. (إن عليك إلا البلاغ).. (ولوشاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
وبالتالي، فإن محاولة تطبيق نظام يسمح بسيادة رأي الأغلبية إن كان في حدود الشرع قد - وأؤكد قد- يوجد نظام أشبه بنظام آيات الله في إيران، حيث توجد مصلحة تشخيص النظام والتي تحدد حدود ومواصفات المرشحين، وكذلك الاتجاهات السياسية بل وحتى الاقتصادية. ونظام الإملاء الديني هذا حتى وإن كان صحيحا، يخلق مجتمعا منافقا يسير برأي الملالي أو المشايخ (كما في بعض الدول الإسلامية السنية) في العلن، وفاسقا ومتعفنا في الباطن.
قد يتخوف البعض من أن تتفق الأغلبية على قانون يعارض شرع الله. ودعنا نفترض مثلا قانون حرية الشذوذ الجنسي، وهذا القانون سيقنن وضع الشواذ. هذا القانون لن يضير عموم المواطنين، وستكون مسؤولية الشعب في إقصاء من سمحوا لقانون مثل هذا أن يُعتمد، وإذا كان غالبية الشعب مع حرية الشذوذ، فأي دين أو أخلاق لدى شعب كقوم لوط وما الذي ترجوه منهم؟
إن فرض الوصاية على الشعوب، والتعامل معها على أنها مجموعة من الغوغاء والقطيع ويجب أن تتولي فئة ما سوقها كالنعاج، أفقد الشعوب إحساسها بالمسؤولية بل بالإنسانية.
في المقابل، إذا كان القانون مثلا سيحرم المسلمين من أداء حق من حقوق الله، فمن حق الناس اللجوء إلى منظومة
العدل التي تعطي الحق لكل مواطن في ممارسة شعائر دينه؛ لأن منظومة
القيم متكاملة وليست مجتزئة؛ تأخد بالديمقراطية دون العدل أو الحرية مثلا. هل قامت أي دولة متحضرة في الغرب بمنع الحجاب أو منع الصلاة في المساجد أو الصيام؟ حدث هذا فقط في النظم الديكتاتورية السلطوية كالصين.
وما الذي يمنع أن تنص الدساتير على عدم سن قوانين تتعارض مع قيم جميع الأديان وشرائعها؟
لقد سئمت الشعوب المسلمة الدكتاتوريات بكل أشكالها؛ عسكرية أو عائلية أو قبلية أو طائفية. إن إعطاء الحرية للشعوب في اختيار ما تريد ومن تريد، وفق آليات توافقية نزيهة وبضمانات منظومة عدل تراقب وتصحح، هو لب الديمقراطية المنشودة، حينها لن يضر أي مواطن لو كان رئيس الدولة مسلما أو مسيحيا أو كافرا. والذي يتابع الأحداث والمواقف اليوم يجد أن كل الدول العربية والإسلامية تود اليوم لو كان رئيسها مثل جاستين ترودو، رئيس وزراء كندا، فضلا عن أن أقول رجب طيب أردوغان.