من السابق لأوانه الوقوف على حقيقة مزاعم أحد الباحثين الصينيين بنجاحه في تعديل
الجينوم البشري لتوأم صيني حديثتَي الولادة. ولكن إن أثبت حقيقة نجاحه في ذلك، وإن
تبين أن الفتاتين تتمتعان بصحة جيدة وطبيعية، فإن ذلك يبشّر بتغيير جذري وكبير في
الأوضاع العلمية والأخلاقية في ما يتعلق بتعديل الجينات البشرية.
ويستقر
إجماع الآراء في الأوساط العلمية في الآونة الراهنة على أن تعديل الجينات البشرية
من الأمور المحفوفة بالكثير من المخاطر على الصعيد الطبي، وأمر يجب تجنبه تماماً
على الصعيد الأخلاقي. غير أن كلاً من هذه المعتقدات هي عرضة للتبديل، وربما بوتيرة
توازي سرعة العلم الحديث في التطور والتقدم.
ومن
المثير للاهتمام في السياق نفسه أن مصادر القلق الرئيسية في ما يتعلق بتعديل
الجينات البشرية باستخدام نظام (Crispr - Cas 9) هي
مصادر متعارضة على نحو تقريبي إنْ تلمّسنا السبيل المنطقي في التحليل.
والقلق
الأول يتعلق بأن تكنولوجيا كريسبر، ورغم أنها تكنولوجيا رخيصة وقوية، لا يمكن
الاعتماد عليها بدرجة كافية لاستخدامها مع البشر. وعلى وجه التحديد، يكمن القلق في
أن التغييرات في جين واحد، ذلك الذي تم القضاء عليه واستبدال جين آخر به، قد تكون لها
آثار غير متوقعة ومؤذية في غير مواضع أخرى من الجينوم.
وتعد
هذه التعديلات غير المقصودة، التي يُطلق عليها «التأثيرات غير المستهدفة»، نادرة
ولكنها غير معروفة في تجارب كريسبر في الجرذان. وعندما يتعلق الأمر بالبشر، يزداد
القلق من أن يتحول الأمر من طفرة محتملة مفيدة أو حتى منقذة للحياة إلى آثار سلبية
خطيرة ودائمة في مواضع أخرى.
والقلق
الثاني يكمن في أن تعديل كريسبر للجينوم البشري سوف يعمل وينجح بشكل جيد للغاية.
مما قد يدفع الآباء إلى المطالبة بأطفال «بتصميم خاص»، أو الذرية التي خضعت
جيناتها للتعديلات المطلوبة حتى يكونوا أكثر رياضية أو جاذبية أو ذكاءً.
وتتراوح
الشواغل الأخلاقية المرتبطة بهذه المسألة، من المستوى الواضح (أن يبدو الأمر أكثر
مما ينبغي كوسيلة من وسائل تحسين النسل) إلى المستوى الأكثر خفاءً (أن يتعلق الأمر
بتحسين الفروق والاختلافات الطبقية بين أولئك الذين يستطيعون الوصول إلى تلك
التقنية وأولئك الذين لا يستطيعون ذلك).
ثم
لدينا حقيقة أن تعديل الجينات لا يقتصر على ذلك الطفل الوحيد للأسرة. فإنه يمكن
نقل الطفرات الوراثية لتكنولوجيا كريسبر إلى الجيل التالي، سواء الأصحاء منهم أو
ذوي الصحة المعتلة.
وتعد
هذه المخاوف العلمية والشواغل الأخلاقية جدية وخطيرة، ولكنها على وتيرة التغييرات
السريعة رغم ذلك.
ولننظر
في التأثيرات غير المقصودة. يستند هذا القلق إلى العلم التجريبي: فإما هناك
احتمالية ذات مغزى للطفرات الجينية الخطيرة غير المقصودة، وإما ليست هناك احتمالية
بالأساس. فإذا وُلد الأطفال، مثل التوأمين اللذين خضعا للتعديلات الجينية حسب
التقارير، وعاشا حياة صحية وطبيعية مثل أقرانهما، فمن شأن المخاوف العلمية من
التعديلات الجينية أن تتلاشى بمرور الوقت.
وكما
أشار مقال افتتاحي في مجلة «نيتشر ميديسن» الصيف الماضي، فإن كل أنماط التكاثر
الجنسي تحمل في طياتها احتمالاً خلفياً بحدوث الطفرة التلقائية – وهذا هو السبب في
إمكانية التطور. وإن كان معدل التأثيرات غير المقصودة أدنى من معدل التحور
الطبيعي، فقد يذهب العلماء والجهات الرقابية إلى اعتبار الأمر قيد التحمل.
بادئ
ذي بدء، فإن تصميم الأطفال الأطول أو الأذكى من أقرانهم ليس من بين الاحتمالات
المنتظرة في المستقبل المنظور. إذ يرتبط أغلب السمات البشرية القابلة للملاحظة
بمئات من الطفرات الجينية، لا بواحد أو اثنين فحسب. وخلصت إحدى الدراسات الرائدة
بشأن الارتفاع أن 697 اختلافاً وراثياً قد استأثرت بخُمس الفوارق بين البشر. ومن
غير الواقعي استخدام تكنولوجيا كريسبر في القضاء على واستبدال هذه الجينات الـ697
بغية إنجاز نسبة 20 في المائة فقط من الزيادة في الارتفاع.
وهناك
أمثلة أخرى على التنوع البشري، مثل الذكاء، الذي هو من السمات الأكثر صعوبة من حيث
التصميم في ظل أساليب التعديل الجينية الراهنة. ولا يمكننا حتى الخروج بتعريف ثابت
متفق عليه للذكاء البشري، ناهيكم بالوقوف على محدداته الجينية.
وما
يتبقى لدينا هي القيمة الأخلاقية الراسخة لحماية الأجيال القادمة من الأمراض
المنهكة. ولم تكن حالة التعديل الجيني البشري الصيني ضرورية، وذلك لأن هناك طرقاً
أخرى أكثر بساطة في حماية الأجنّة من الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب من أحد
الوالدين المتبرعين. ولكن يمكن تفادي الإصابة بالعديد من الأمراض الأخرى عن طريق
الطفرات الجينية.
ومع
مرور الوقت، سوف تتوقف المسألة الأخلاقية عند تساؤل ما إذا كان مسموحاً باستخدام
التعديل الجيني لمنع الإصابة بالأمراض. وبدلاً من ذلك، سوف يتساءل المعنيون
بالأخلاقيات ما إذا كان مسموحاً من الناحية الأخلاقية بعدم السماح بالتدخلات التي
من شأنها تجنب إصابة البشر بالآلام والمعاناة الإنسانية. ومن شأن كل ذلك أن يستغرق
نصيبه من الوقت – وربما لمدة لا تقل عن عشر سنوات، استناداً إلى عدد العلماء الذين
يكسرون الأعراف والتقاليد الراهنة والوقوف على تطور الحالة الصحية لمرضاهم.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية