الكتاب: الظاهرة السلفية بالوطن العربي في القرن العشرين: المفاهيم- التيارات-الأطروحات
الكاتب: الدكتور كمال الساكري
الناشر: دار شامة للنشر ـ تونس، الطبعة الأولى، آذار/ مارس 2018
الغوص في دراسة ظاهرة السلفية يقودنا إلى عرض أهم التعريفات الخاصة بها قصد ضبط مفهوم جامع مانع لها بعد أن تعددت تعاريفها ومفاهيمها، فأحدثت لبسًا بل غموضًا لدى القارىء العربي والإسلامي.
ويقدم لنا الباحث التونسي الدكتور كمال الساكري، في كتابه، الذي هو بالمناسبة ملخص مكثف لأطروحة نيل شهادة الدكتورة من كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية بتونس في 22 تموز/ يوليو2017: الظاهرة السلفية بالوطن العربي في القرن العشرين: المفاهيم ـ التيارات ـ الأطروحات، الذي يتكون من مقدمة، وثلاثة أبواب، حيث يحتوي كل باب على ثلاثة فصول وخاتمة، إضافة للخاتمة العامة، ويحتوي على 378 صفحة من القطع الكبير، وصدر عن دار شامة للنشر ـ تونس في آذار / مارس 2018، تعريفًا شاملاً عن تيارات السلفية من حيث أصنافها وبناها التنظيمية وخصائصها الفكرية والدينية والسياسية وامتداداتها الجغراسياسية في الوطن العربي، وأخيرا بسط أطروحات السلفية في المجال الديني والسياسي في بعده الشامل، أي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي المعبر عنه في التراث بالعقيدة والشريعة.
إشكالية البحث
السؤال الذي يطرح نفسه، هل السلفية حركة دينية دعوية صرف أم حركة سياسية تنشد الحكم؟
إنّ اعتبار السلفية حركة دينية دعوية لا شأن لها بالسياسة أمر تؤكده بعض التجارب، حينما نرى تيارات سلفية لا تهتم بالشأن العام من حكم وسلطة وانتخابات وبرلمانات، ويقتصر عملها على نشر الدعوة الإسلامية. فهذه التيارات السلفية ترفض الخوض في السياسة والحكم."فمن السياسة ترك السياسة" على حدّ تعبير محمد ناصر الدين الألباني. ولكن هل حقا هذه السلفية الألبانية بعيدة عن السياسة؟
كيف يمكن اعتبار السلفية حركة سياسية لها فهمها السياسي ومشروعها السياسي بالرغم من الإعتقاد السائد حول رفضها للسياسة وعدم انتمائها بالتالي إلى الإسلام السياسي.
وهناك تيارات سلفية أخرى ترفع راية السلفية ولكنها تتصدر للحديث عن الشؤون العامة من الحكم بين الشرعية واللاشرعية والدين والكفر والإسلام وأعدائه والجهاد وضرورته وضرورة محاربة الربا والبنوك والعرى والسفور ومقاطعة التلفاز والفنون لأنها ضرب من المجون والفتنة والمروق على صحيح الدين ـ مما يشرع التساؤل حول حقيقة السلفية:هل هي حركة دعوية أم دعوية سياسية؟
لقد مثل غموض الظاهرة السلفية وعلاقتها بالإسلام السياسي منطلق تساؤل الباحث كمال الساكري وحيرته، فكان أهم دواعي كتابه هذا. فأصبح السؤال المركزي للبحث: كيف يمكن اعتبار السلفية حركة سياسية لها فهمها السياسي ومشروعها السياسي بالرغم من الاعتقاد السائد حول رفضها للسياسة وعدم انتمائها بالتالي إلى الإسلام السياسي.
ويرى الباحث، أنّ الإجابة عن هذا السؤال أثار لديه ثلاث إشكاليات، الأولى: هل السلفية حركة دينية دعوية صرف أو حركة سياسية وإن بطريقة مغايرة؟ والثانية هي: هل السلفية حركة واحدة موحدة وإن بدت متعددة الفروع أو هي حركات متعددة ومتباينة حد التناقض فيما بينها؟ والثالثة هي: هل السلفية حركة تجديد ديني ونهوض سياسي وحضاري أم هي مجرد توجه تقليدي نكوصي يريد إعادة إنتاج الماضي المتخلف تحت شعار خلاب هو استعادة الدولة الإسلامية النموذجية؟
ويعتقد الباحث أنّ الإجابة عن هذه الإشكاليات الثلاث تنبع من فرضيتين كبريين تؤطران البحث وتوجهاته إلى تحقيق أهدافه المرجوة، وهما الفرضية الأولى: السلفية صاحبة مشروع سياسي على عكس الاعتقاد السائد. والفرضية الثانية: السلفية أصل الإسلام السياسي وليست خارجة عنه أو مجرد فرع منه.
إيديولوجيتان سلفيتان
فقد أثارت تلك الإشكاليات وهاتان الفرضيتان أسئلة جوهرية قادرة في تكاملها على تناول الظاهرة السلفية تناولاً شاملاً ويعطي إجابة وافية عن "الكل السلفي". وهو تميز ينفرد به هذا الكتاب طالما أن جميع الأعمال السابقة التي أمكن للباحث الإطلاع عليها لم تنل هذا التميز لأنها اتصفت ـ على تفاوت إحاطتها بالظاهرة السلفية ـ بالتناول الجزئي. ولقد وفق الكتاب في تقديم مفهوم واف عن الظاهرة السلفية حينما لم يكتف بملاحظة تضارب مفاهيم السلفية ولبسها وتقلقلها فحسب، وكان ذلك مجهود الأعمال السابقة وإنما تجاوزها إلى تفسير سبب ذلك التقلقل عندما رده إلى تعدد تيارات السلفية إذ بلغت سبعة وانقسامها إجمالاً إلى أيديولوجيتين كبيرتين متناقضتين: أيديولوجيا كلاسيكية ماضوية وأيديولوجيا حديثة تجديدية تتفقان في أهمية السلف والإسلام كهوية ومرتكز لكن تختلفان في نظرية التغيير.
فبينما تسعى الأيديولوجية السلفية الكلاسيكية إلى إحياء الماضي وإعادة إنتاجه لكونه فترة مقدسة ونموذجية وغاية المنتهى ولا تميز بين قداسة الإسلام المعياري ودنيوية الإسلام التاريخي، فإن الإيديولوجيا السلفية الحديثة تقدر الماضي الديني في بعده العقدي ومبادئ الإسلام المعياري الإنسانية السمحة وتنطلق منه لبناء نهضة حديثة قوامها العلم والمدنية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والسلام العالمي.
بل لقد سعت مقاربتي للسلفية إلى تحديد دقيق للسلفية فإذا هي ليست مجرد دعوة دينية لاتباع السلف، وإنما هي ظاهرة اجتماعية تنتمي إلى الظواهر عامة والظواهر الإجتماعية خاصة.
نشأة السلفية في سيرورتها التاريخية
عرّف الباحث كمال الساكري السلفية بوصفها ظاهرة اجتماعية نشأت في فترة من فترات حضارتنا العربية الإسلامية لتعبر عن تمسك توجه عام لدى نخبة الأمة من علماء وفقهاء وغالبية سواد الأمة بالدين الإسلامي على طريقة السلف الصالح، ويعود نشوء الظاهرة السلفية إلى حاجة المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إمام الأمة ووفاة صحبه من تابعين وتابعي تابعين إلى منهج وزعامة تقودانه أمام ظهور دعوات من أبناء الأمة تبدو مخالفة لمنهج السلف ودعوات من الملل الدخيلة من عقيدتها المجوسية والمانوية والهرمسية تهاجم الدين الإسلامي ورسالة النبي محمد (ص) وتبشر بدياناتها الثنوية الشركية غير التوحيدية.
لقد نشأت الظاهرة السلفية لحاجة المسلمين إلى الدين باعتباره ثقافة عامة قهرية لا إمكانية لتجاهله في معاشهم ومعادهم ولا قدرة لأعدائه على محوه لقانون الدين القهري. فالإسلام ثقافة المسلمين العامة والمهيمنة والسلفية تزعم لنفسها تمثيل الدين ونبيه وصحابته من خلال التزام منهجهم.
تميزت السلفية التأسيسية بتقديس الأثر قرآنا وحديثا فاعتنت بالتدوين ووضع المسانيد وكتب الحديث التي وسمتها بالصحاح وتحريم الخروج عن ولي الأمر ت
في هذا السياق نشأت السلفية في القرن الثالث للهجرة عند حدوث فراغ في قيادة المسلمين بسبب غياب الرسول وصحابته وتابعيهم وتابعي تابعيهم واحتياج المسلمين لقيادة تعادل الرسول وصحابته والخلافة الراشدة وقدسيتها وتعدد الفرق الإسلامية واختلاف مللها ونحلها وأطاريحها الدينية والسياسية فحمل إمام الحديث أحمد بن حنبل لواء السلفية منادياً باتباع السلف الصالح طريقة للمحافظة على الدين الإسلامي ومنهج الرسول محمد (ص) والصحابة في الدين والدنيا وصونا له من البدع والتحريف حسب زعمه الذي تقوده الفرق الغالية باسم العقل كالمعتزلة المعطلة لأحكام القرآن والسنة أو باسم الإمامة كالشيعة المقدسة للإمام والمنادية بالنص والتعيين والرافضة للشورى والاختيار أو باسم الحكم بما أنزل الله مثلما يؤمن الخوارج ولاسيما الغلاة منهم في تكفير كل من لا يتقيد بالنص القرآني في الدين عامة وفي الحكم خاصة أو باسم حكمة المعلم مثلما تعتقد المانوية والفرق الهرمسية الدخيلة على الإسلام والجاحدة للنبوة والملحدة.
ولقد تميزت السلفية التأسيسية بتقديس الأثر قرآنا وحديثا فاعتنت بالتدوين ووضع المسانيد وكتب الحديث التي وسمتها بالصحاح وتحريم الخروج عن ولي الأمر تقيداً بحديث منسوب إلى النبي لا يبيح الخروج عن أولياء المر إلا إذا كفروا كفرا بواحا تحقيقاً لوحدة الأمة حسب رأيها".
إقرأ أيضا: التدين السلفي إلى أين بعد تحول السعودية وفشل نماذج سلفية؟