مرّ عام 2018 على المخيمات الفلسطينية ثقيلا بما حمله من أحداث قاسية، لاسيما الاشتباكات المتتالية بين مجموعات مسلحة وحركة فتح في مخيمي عين الحلوة، وارتفاع نسبة الضائقة الحياتية بالتزامن مع تقليصات وكالة الأونروا، ما دفع أعدادا كبيرة من العائلات للهجرة من لجوئها القاسي تاركة وراءها ندوبا من الآلام والذكريات الصعبة.
ويبدو جليا أنّ خيار السواد الأعظم من اللاجئين المضي في طريق اللجوء وسط تشجيع شبه رسمي من الدولة اللبنانية للتخلص من عبء المخيمات وهواجسها التي عبرت عنها مرارا أطراف لبنانية، ولعل ما يعزّز هذا الخيار انسداد الأمل بشكل متدحرج أمام الشباب الفلسطيني تحديدا خصوصا الحاملين منهم شهادات تخصص رفيعة كونهم حرموا من وظائف تليق بهم بسبب قانون العمل اللبناني.
وأكد عضو اللجنة الشعبية في مخيم المية و مية أحمد الخطيب أنّ "تطورات وأحداث عصفت بالشتات الفلسطيني خلال العام المنصرم لا سيما في لبنان، فكانت صفقة القرن حاضرة في مخططاتها وهواجسها بالتزامن مع تردي الأوضاع الإنسانية في المخيمات، بينما كانت تقليصات الأونروا ترخي بثقلها هي الأخرى على المشهد الفلسطيني في الأراضي اللبنانية".
وتابع في تصريحات لـ"عربي21": "أثّرت هذه العوامل سلبيا على واقع اللاجئين، وهي كانت دافعا لأخذ أعداد لا يستهان بها خيار الهجرة الى أوروبا بحثا عن مستقبل أفضل"، متحدثا عن "التأثيرات السلبية التي خلفتها الاشتباكات والمعارك في بعض المخيمات في لبنان ما عزّز قناعة عند شريحة واسعة من اللاجئين بضرورة أخذ خيار الهروب من الواقع المأساوي عبر الهجرة، ولو كان ثمنها بيع منازلهم وأرزاقهم".
وشدّد على أنّ "حركات المقاومة تواجه دائما محاولات ضرب استقرار المخيمات الفلسطينية من خلال أجندات خارجية مرتبطة بمشاريع كبرى تحاول تصفية القضية و تذويب حالة اللجوء الفلسطيني"، لافتا إلى أنّ "المشاريع الكبرى التصفوية للقضية تتحمل مسؤولية الجزء الأكبر من تردي الأوضاع الإنسانية في أماكن تواجد الفلسطينيين".
وحذّر من محاولات تفريغ متدحرج للمخيمات عبر أنماط ووسائل متعددة، تمهيدا لحلول تحاول الإدارة الأمريكية فرضها على الفلسطينيين، كحلّ يهضم حقوقهم ويسلب آمالهم في العودة الى أرضهم.
ويوافق القيادي في حركة فتح جمال قشمر بأنّ العام المنصرم حفل بالعديد من الأحداث بالنسبة للفلسطينيين في لبنان، وقال في تصريحات لـ"عربي21": "جاء العنوان الأمني بارزا بفعل المعارك والاشتباكات التي دارت في مخيمي عين الحلوة والمية ومية، وبرز العنوان الاجتماعي المرتبط بقسمين أحدهما الهجرة المتواصلة للاجئين نتيجة الأوضاع الصعبة والأزمات الكبيرة، والآخر بخصوص تقليصات وكالة الأونروا وتدنّي خدماتها، إضافة إلى سياسة الدولة اللبنانية التي تعبر ظاهرا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني من دون أن يرقى ذلك إلى منحهم حقهم في العمل والتملك"، مضيفا: "يبرز عنوان صفقة القرن ومتعلقاته خصوصا بما يخصّ قضية اللاجئين والقرار الأميركي بوقف الدعم لوكالة الأونروا مما يعمق أزمتها".
اقرأ أيضا: نزوح كبير لفلسطيني لبنان إلى أوروبا.. ما الأسباب؟
وتناول الشق السياسي المتعلق باللاجئين الفلسطينيين، فقال: "تبرز خطورة طروحات توطين الفلسطينيي في أماكن تواجدهم، بينما خرج الكونغرس الأميركي بتعريف جديد للاجىء بأنّه يقتصر على الجيل الأول من اللاجئين دون الأجيال الأخرى، وكأنه يعلن بذلك موت القضية الفلسطينية".
وأشار إلى أنّ "صفقة القرن تقلّص من آمال الدولة الفلسطينية، وتحاول النيل من الكفاح الوطني الذي يتجاوز خمسين سنة"، مشيرا إلى أنّ "التفاؤل ضعيف نتيجة سياسة التطبيع العربية، فبينما تعلن حكومات عربية رفضها لصفقة القرن ظاهريا غير أنّها تمارس عمليا التطبيع".
ولفت إلى نيّة "نتنياهو زيارة دولة عربية أخرى عدا استمرار تدفق الوفود الإسرائيلية في الدول العربية تحت عناوين الرياضة والثقافة وغيرها"، محذرا من أنّ "الوضع الفلسطيني في لبنان وفي أماكن تواجده يقع في فوهة مواجهة بمفرده، في حين تنفق المليارات على الحروب والأزمات الداخلية العربية".
واتهم الإدارة الأميركية بالتضليل من خلال "الإشارة إلى استعدادها مساعدة الفلسطينيين لكن ليس عن طريق الأونروا، مما يؤكد نبيتها إسقاطها كشاهد للنكبة".
وشدّد على "الإصرار الفلسطيني لمواجهة هذه الصفقة"، مستشهدا بما يحدث في القدس "من نضال ومواجهات تشير الى الصمود رغم الاضطهاد والاعتقالات والحملة على العقارات ومحاولة تغيير معالم القدس وبناء حي يسمونه حي السفارات بعد عجزهم عن نقل سفارات دول أخرى باستثناء الولايات المتحدة الى المدينة المقدسة"، مؤكدا بأنّ "الشعب الفلسطيني متشبث بارضه ويقدم الشهداء وينفذ عمليات تستهدف المستوطنين وجنود الاحتلال تعبيرا عن نضاله".
وتحدث قشمر عن "دعوات إسرائيلية خرجت إلى العلن تدعو الى قتل أبو مازن (محمود عباس)، والمطالبة بحصار مقره في رام الله في الوقت التي تهاجم فيها مقرّات رسمية منها مقر وكالة وفا".
وأقرّ قشمر بأن "نقطة الضعف في المشهد الفلسطيني هو الانقسام الداخلي"، داعيا الى "رأب الصدع وإعادة اللحمة عبر دخول قوى فلسطينية في منظمة التحرير كحركة حماس وتشكيل جبهة فلسطينية جامعة لمواجهة صفقة القرن التي تحاول ضرب الجانب الوطني".
اقرأ أيضا: إحصاء غير مسبوق بلبنان يكشف أعداد اللاجئين الفلسطينيين
وعن توقعاته للعام 2019، قال: "إذا استطاعت هذه الأمة الخروج من أزماتها الداخلية وإعادة البوصلة للصراع مع إسرائيل سيكون الوضع الفلسطيني أقدر على المواجهة"، لكنّه شدد على تعويله على "الشعب الفلسطيني الذي يستطيع تعويض غياب الأمة".
الأونروا لـ"عربي21": واجهنا أسوأ أزمة في تاريخنا
مراقبون: لا حرب قادمة ضد لبنان لهذه الأسباب
"أونروا" تعيش أزمة مالية خانقة بعد 69 عاما على تأسيسها