مُنيت
المعارضة السورية في العام 2018 بخسائر
كبيرة، أدت إلى انحسار نفوذها في الشمال الغربي من
سوريا، في محافظة إدلب وأرياف
حلب الغربية والشرقية والشمالية، وأجزاء من ريف حماة الشمالي.
وبدأت
الخسائر العسكرية تتوالى منذ مطلع
العام، حيث شكلت سيطرة النظام على مطار أبو الظهور العسكري شرق إدلب، في 21 كانون
الثاني/يناير، فاتحة لموجة خسائر فادحة ستتكبدها المعارضة على مدار العام الحالي.
ومدفوعا بدعم روسي جوي غير محدود، بدأ النظام
برسم الأحداث، ناقلا التصعيد من شرق إدلب إلى الغوطة الشرقية، ليبدأ حملة عسكرية،
رافقها عمليات قصف جوي ومدفعي وصفت بـ"الوحشية" ضد هذه المنطقة المحاصرة
بضواحي العاصمة دمشق.
وتحت الضغط النيراني الكثيف الذي تخلله هجمات
كيماوية محدودة والمجازر والجوع بسبب الحصار، اضطرت المعارضة داخل الغوطة في الربع الأول من العام إلى الموافقة على
عملية الإجلاء التي رعتها موسكو، لتخسر المعارضة منطقة استراتيجية لطالما أقلقت
النظام وحليفته روسيا.
وفي تكرار لتجربة الغوطة، شهدت مناطق القلمون
الشرقي وأحياء أخرى في ضواحي دمشق الجنوبية (مخيم اليرموك، حي القدم) اتفاقا
مماثلا بعدها بأسابيع، ليأتي الدور فيما بعد على ريف حمص الشمالي.
وفي مطلع أيار/ مايو، توصلت المعارضة إلى اتفاق
بعد مفاوضات مع الجانب الروسي، يقضي بخروج مقاتليها من ريف حمص الشمالي، وتسليم
وسط البلاد بالكامل للنظام.
لم يقف النظام عند هذا الحد، وانتقل على الفور
إلى جنوب البلاد إلى درعا والسويداء، المناطق المحاذية للأردن وهضبة الجولان
المحتلة، وفي غضون أشهر قليلة من التصعيد والتهديدات، رضخت المعارضة في
تموز/يوليو، وقامت بتسليم كامل المنطقة للنظام، وصولا إلى معبر نصيب الحدودي مع
الأردن.
وبالرغم من الاتفاق التركي- الروسي على خفض
التصعيد في إدلب، لا زال النظام إلى وقتنا الحاضر يهدد المعارضة باجتياح الشمال
السوري، آخر معاقل المعارضة، فمن يتحمل مسؤولية كل ذلك؟
تفاهمات إقليمية ودولية
وفي رده على ذلك، قال الباحث السوري، الدكتور طلال مصطفى، إنه
" يبدو للمراقبين، أن العام 2018 هو عام الانحسار والتراجع بالنسبة للمعارضة
السورية بشقيها العسكري والسياسي، غير أن التحول أو التراجع بدأ في العام 2016
بخسارة المعارضة لمدينة حلب".
واعتبر في حديثه لـ"
عربي21" أن خسارة
المعارضة لحلب، أفضت إلى تحول استراتيجي ناجم عن تفاهمات إقليمية ودولية، على
التخلص من القوات المعارضة للنظام السوري، ومن الواضح أن قرارا اتخذ في هذا الصدد.
ومدللا على ذلك، أكد مصطفى أن النظام لم يكن
لديه القوة الكافية للسيطرة على كل هذه المناطق لو لم يكن هناك تفاهمات إقليمية
ودولية، مبينا أن "النظام يصور تراجع المعارضة على أنه ناجم عن قوته
الميدانية على الأرض".
وأضاف، أنه "من الملاحظ أن كل المناطق
التي سقطت بيد النظام في العام الحالي، لم تسقط نتيجة معارك عسكرية كبيرة،
وإنما نوع من المصالحات والانسحابات".
عام عدم الفاعلية
وفي الشأن ذاته، وصف الدكتور مصطفى العام 2018،
بأنه "عام عدم فاعلية السوريين نظاما ومعارضة"، موضحا "لم يعد هناك
أي فاعلية عسكرية أو سياسية لا للنظام ولا للمعارضة، وإنما تحولوا لوكلاء، مهمتهم
تنفيذ الاتفاقات التي تبرم بين الدول الفاعلة في سوريا".
وقال: إن هذه التفاهمات هي من رسمت سير الأحداث
على الأرض في سوريا، و"اللجنة الدستورية" خير مثال على ذلك، فعندما قررت
الدول الكبرى الانتهاء من موضوع هذه اللجنة، تخلى النظام عن الشروط التي كان يضعها
أمام إعلان هذه اللجنة المخولة ببحث دستور جديد للبلاد.
استعجال الانتصار
وبالعودة إلى السؤال "من يتحمل
المسؤولية"، حمل مصطفى المعارضة جزءا كبيرا من الخسائر التي ألمت بها، قائلا
إن "المعارضة منذ العام 2011 ، لم تعمل وفق استراتيجية تعتمد القوة الذاتية
لديها، كانت مستعجلة للانتصار، وراهنت على التدخلات الدولية والإقليمية حتى ارتهنت
لها في ما بعد".
لكنه استدرك قائلا: "من الإنصاف أيضاً،
عدم غض النظر عن الضغوطات التي تعرضت لها المعارضة، وقطع الدعم عنها، من قبل الدول
التي كانت تسمي نفسها صديقة للشعب السوري، على عكس ما فعل حلفاء النظام (روسيا،
إيران)".