جاء التدخل الروسي في سوريا عام 2015، ليقلب موازين القوى على الأرض ويمكن نظام الأسد من إعادة السيطرة على مساحات كبيرة من المناطق الخارجة عن سيطرته ، مستخدمة في ذلك جميع الوسائل ، لتصبح روسيا بذلك الحاكم الفعلي للمناطق التي تقع تحت سيطرة نظام الأسد.
وعملت روسيا منذ اليوم الأول للتدخل في سوريا على أخذ ثمن ما تقوم به، فاتحة بذلك الطريق أمام الشركات الروسية لكسب ما يمكن كسبه من بلد لم تدخله شركات الاستثمار منذ سنين.
وبدأت الشركات الروسية بالاستثمار في قطاع الطاقة "النفط والغاز" مع بداية التدخل الروسي وكان عملها يقتصر بشكل عام بالقرب من القواعد العسكرية الروسية والمناطق التي يتركز بها موالو الأسد في الساحل السوري.
ووقعت هذه الشركات عقودا من طرف واحد بشروط تصب في صالح الشركات المستثمرة بشكل كامل ومدة بعض العقود تستمر لعشرات السنين دون أي مقابل يذكر لنظام الأسد، فموسكو بذلك تأخذ حقها مقابل ما تقدمه لحماية الأسد من السقوط ، بحسب مراقبين.
وكان أبرز تلك العقود عقد "عمريت" الذي يتيح لشركة "سبوز" التنقيب عن النفط والغاز لمدة 25 عاما جنوب مدينة طرطوس وبعمق شاطئ يقدر بنحو 70 كلم، وبمساحة تقدر بنحو 2200 كلم2. ومنها عقد آخر مع الشركة ذاتها للتنقيب عن النفط والغاز في حقل قارة بريف حمص، وهو أحد أغنى المناطق بالغاز الطبيعي في سوريا.
ولكن مع بداية عام 2018 وتمكن الأسد ومن خلفه روسيا من السيطرة على معظم المناطق الخارجة عن سيطرته في سوريا، سارعت روسيا بتطوير عملها بالمجال الاقتصادي لتسيطر على المشهد الاقتصادي في الساحل السوري بشكل كامل من الطاقة إلى السياحة وبناء السدود وليس أخيراً عملية إعادة الإعمار التي يتحدث يجري الحديث عنها.
وأشارت تقارير صحفية عديدة عن دخول ما يزيد على 80 شركة روسية عام 2018 للتعرف على واقع الاستثمار على الأراضي السورية، ونقلت صحيفة "الوطن" الموالية لنظام الأسد، عن رئيس مجلس "رجال الأعمال السوري الروسي"، سمير حسن قوله إن "مجلس الأعمال السوري الروسي استقبل نحو 80 شركة روسية قدمت إلى سوريا، في حين لم يكن هناك قدرة على جذب 10 شركات روسية في العام 2015 نتيجة ظروف الأزمة"، وفق قوله.
وبيّن حسن أن هنالك "عدة دراسات لمشاريع سياحية روسية لإقامتها في المنطقة الساحلية ومشاريع صناعية ستقام في مناطق مختلفة من سوريا ومشروعا زراعيا كبيرا في المنطقة الساحلية، ومشروعا زراعيا آخر في المنطقة الوسطى، وهي مشاريع تحتاج إلى الوقت حتى تصبح على أرض الواقع بانتظار الانتهاء من الدراسات الاقتصادية وتوفير عوامل إقامة هذه المشاريع".
من جهتها علقت مصادر اقتصادية من مدينة اللاذقية لـ"عربي21" معلقة على ما قاله الحسين بالقول أن سبب عدم تمكن سوريا من جذب الشركات الروسية عام 2015 يتمثل في غياب الحماية الروسية لها على الأرض، إضافة إلى تعامل نظام الأسد معها في إطار ربحي ووضع شروط لمن يريد الاستثمار على الأرض.
أما في عام 2018 فتمكنت روسيا من جلب الشركات الروسية بعد تسهيل عملها على الأرض وتوفير الحماية لها وجعلها تعمل من دون شروط أو قيود.
اقرأ أيضا: باحث روسي: لهذه الأسباب من مصلحتنا تعزيز "الحزام الشيعي"
من جهته ذكر "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (link is external)"، في تقرير سابق له أن شركات الطاقة الروسية تتطلع إلى تجديد استثماراتها في قطاع الطاقة السوري وتوسيعها، لكنها لا تسعى إلى التنقيب عن احتياطيات النفط السورية المحدودة واستخراجها، فهي تختزن كميات هائلة، بل تحاول الاضطلاع بدور فاعل في إعادة إعمار البنية التحتية للنفط والغاز في سوريا وتشغيلها.
وأضاف أنه من خلال هذه الجهود الحثيثة، تأمل شركات الطاقة الروسية في التحكم بجزء كبير من خطوط الأنابيب ومنشآت التسييل والمصافي والموانئ، وبالتالي الاستفادة من موقع سوريا كنقطة عبور لنفط وغاز المنطقة المتجهين نحو أوروبا. وبذلك، لن تنجح روسيا في توسيع نطاق هيمنتها فحسب شرق البحر المتوسط، بل ستتمكن من تشديد قبضتها على إمدادات الغاز الأوروبية".
وتأتي التحركات الروسية على الأرض سريعة خصوصاً في عملية توقيع العقود بعد تمكنها من السيطرة على القرار في سوريا وتصدرها المشهد كحاكم فعلي عن المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، وفي هذا السياق باشرت شركة روسية أعمال الصيانة لأكبر مناجم الفوسفات في سوريا "الشرقية وخنيفيس" على أن يبدأ الإنتاج منها قريبا، بحسب بيان نشر على الموقع الرسمي للمؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية في سوريا.
وجرى اتفاق روسي مع النظام لتوسيع مرفأ طرطوس ضمن استراتيجية المرفأ والخطط الخمسية والخطة السنوية، وهو ضمن ورقة العمل الخاصة بالتعاون المشترك مع الجانب الروسي.
وشهد بداية عام 2019 زيادة في العلاقة الاقتصادية ليعلن نائب رئيس وزراء جمهورية القرم التي تسيطر عليها روسيا، غيورغي مرادوف، عن إنشاء شركة شحن بحرية تربط سوريا بالقرم.
اقرأ أيضا: صحيفة روسية: موسكو لن تمنح الشرق الأوسط لأي طرف
ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن مرادوف، قوله، "تم إنشاء شركة شحن تربط القرم بسوريا، وجار إنهاء عدد من الإجراءات الفنية، وسيتم بناء شركة الشحن على أساس الإدارة البحرية بين البلدين".
ولم تكتف روسيا بما حققته من مكاسب اقتصادية في الساحل السوري لتوقع الشركات الروسية في الفترة الماضية عددا من العقود في مجالات عدة في مختلف مناطق سوريا التي يسيطر عليها نظام الأسد لا سيما في محافظة حمص ودمشق، فيما يجري ذلك تحت أنظار ومتابعة إيران التي يبدو أنها غير راضية عن ما يحدث.
هل يشكل انسحاب أمريكا من سوريا ورقة قوة أم أزمة لأنقرة؟
اللاجئون السوريون في لبنان.. عودة أم ترحيل في عام 2019؟
بعد تصريح ترامب.. هل تقوم تركيا بدور قسد بسوريا ضد داعش؟