نشرت مجلة "لوبوان أفريك" الفرنسية حوارا مع الباحث والمحلل السياسي في منظمة مجموعة الأزمات الدولية، ميخائيل العياري، الذي تحدث عن مراحل تطور النظام التونسي منذ ثورة 2011.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن العياري يرى أن النظام في تونس قائم على المحسوبية، حيث تعتمد الدولة على عملية إعادة توزيع الثروات على غرار النفط والغاز من أجل إرساء السلم الاجتماعي مع الحرص على الحفاظ على جزء هام من العائدات لصالح أطراف تتمتع بامتيازات تقليدية لدى الدولة. وما يسمى هذا بمنطق الاقتصاد الريعي، إذ يفكر الجميع في تقاسم موارد البلاد لكن لا أحد يفكر في النهوض بها.
وأفاد ميخائيل العياري بأن العديد من المحللين شككوا في نجاعة هذا النظام، ومن ثم ظنوا أن المشكلة حلت بمجرد مغادرة بن علي وأتباعه. ولكن نظام المحسوبية لايزال ساري المفعول، ويظهر ذلك من خلال ممارسات وسائل الإعلام. ومن الجلي أن المشكل لم يقتصر على بن علي فقط، بل يكمن في النظام بأكمله، وهذا ما يفسر تنامي النقابوية والمحسوبية.
اقرأ أيضا: هكذا طوع بن علي 40 ألفا من المخبرين للإيقاع بمعارضيه
ونوهت المجلة بأن العياري يعتقد أن تونس اليوم في حاجة إلى إصلاحات هيكلية واستراتيجيات ديناميكية متوسطة وطويلة الأمد. وقد تحققت الأهداف المراد تحقيقها سنة 2011 التي تتمثل في السير بالبلاد نحو الديمقراطية ووضع دستور، لكن طبيعة الخطة التي وضعتها النخب التمثيلية للشعب لا تزال تثير العديد من التساؤلات والشكوك.
وذكر ميخائيل العياري أن هناك سببين رئيسيين يقفان وراء الركود الحالي، أولهما وجود حكومة وحدة وطنية أضعفت الطبقة السياسية برمتها، خاصة أن غياب المعارضة يعني غياب البديل في حال فشل هذه الحكومة. وفي الواقع، تعاني البلاد من أزمة ثقة بين السلطة ومؤسسات الدولة، في حين يحمل الشعب التونسي المسؤولية للطبقة السياسية بأكملها. وتعد الفكرة السائدة بأن الفساد يكتسح البلاد بأكملها مبالغا فيها، ذلك أن الوضع الآن يتسم بلامركزية المحسوبية القائمة على توزيع الوظائف والسلطات.
أما السبب الثاني، فيتمثل في انخفاض قيمة الدينار التونسي. فقد اعتقد العديد من خبراء الاقتصاد أن هذا الأمر سيعزز القدرة التنافسية للمنتجات التونسية في التصدير، لكنه في المقابل أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم. وقد دفع تواصل تراجع قيمة الدينار الشركات الاحتكارية إلى إيداع أموالها بحسابات بالخارج. ويضاف إلى التحديات التي تشهدها تونس حاليا، الصراع القائم بين المنطق السياسي للأشخاص المنتخبين والمنطق التكنوقراطي، وبالتالي من الضروري تسليم السلطة لأطراف يتسمون بالحنكة السياسية.
كما أشار هذا المحلل السياسي إلى صعوبة تدارك الوضع الحالي، مؤكدا أنه يمكن لنظام يرتكز على الشرعية التكنوقراطية، فضلا عن حكومة إنقاذ وطنية ونظام يسيطر على النقابات والجمعيات والصحافة، أن يتطور تدريجيا.
وأوضح ميخائيل العياري أن حزب النهضة في تونس "لا زلنا نراه جميعا حزبا ذا مرجعية إسلامية وضبابيا، حيث يبرر كوادر الحزب غيابهم عن الخط الأمامي للسياسة بالتدرج. ويحاول حزب النهضة الحفاظ على نفسه، ويمكن أن يسمح بدمج الأشخاص الذين يُستبعدون تقليديا عن الساحة السياسية، مثل أولئك الذين يعملون داخل البلاد. ولكن في الحقيقة، لم يعد حزب حركة النهضة حزبا إسلاميا كما هو الحال في الثمانينيات".
وأضاف ميخائيل العياري أنه إذا كان حزب النهضة محافظا، فهذا يعني أنه ليست له أجندة. ويعارض حزب النهضة مقترح رئيس الجمهورية في خصوص المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، ولكن في الوقت نفسه، ليس لديه أجندة بشأن تطبيق الشريعة.
اقرأ أيضا: الغنوشي يحسم موقفه من الترشح لرئاسة الجمهورية (شاهد)
ونوه الباحث السياسي بأن كوادر حركة النهضة يعرفون جيدا بأنه بإمكانهم أن يفتكوا مكانهم ضمن النظام، ولكن مرجعيتهم تختلف عن باقي الأحزاب. ومع ذلك، تلعب النهضة على الصعيد السياسي دورا مركزيا.
وأشار ميخائيل العياري إلى أن كلا من السعودية والإمارات العربية المتحدة تتطلعان إلى إغلاق قوس الربيع العربي نهائيا في المنطقة، وتعملان على إضعاف واجتثاث كل الأحزاب التي تكتسي طابعا إخوانيا، أو لديها علاقات مع الإخوان المسلمين.
ميدل إيست آي: بعد 8 سنوات.. هل لا يزال الربيع العربي حيا؟