"كان يا ما كان، كان الحلال حلالاً والحرام حراماً، والسماء سماءً والأرض أرضاً، وللشعب حرمات وللملك حرمات، والدين ينظم العلاقة بين الاثنين وبين السماء، في الشرق وفي الغرب أيضاً. وكان في ذيل الثعلب سبع لفات، فكَّ الثعلب اللفات، ودارت أحوال الدنيا سبعين ألف لفة ولفة، وسقطت الخلافة الإسلامية والإمبراطوريات القديمة، ونشأت الدول التي تسمى بالوطنية، واقتصرت المحرمات على ثلاث في أدبيات الصحافة العربية والإعلام، وهي: السياسة والدين والجنس، والتي يمكن اختصارها في كلمة: "جسد"، أو "سجد".
كثر الظلم، فثارت الشعوب العربية على ملوكها، وهي أول ثورات من نوعها، فلم يكن الملوك والرؤساء، بهذا البطش والاستبداد، والرؤساء ملوك لا يختلفون عنهم سوى باللقب، فغضب الغرب، وثار، وغار على خدّامه، وبدلاً من أن يضع يداً من "ورائه" وأخرى من "قدّامه"، تآمر على الشعوب المسلمة، كما كان يفعل منذ الحروب الصليبية، التي وإن توقفت كحروب ساخنة، فإنها استمرت حروباً باردة، فانكسرت الثورات، وتقهقرت الشعوب، فاستشهد من قضى نحبه، ونزح من ينتظر إلى المنافي، ونشطت الثورات المضادة، وازّيّنت، وأخذت زخرفها، وبدأ التنكيل بالشعوب العربية، فجوّعت، واغتصبت الأيامى والعذارى، وشهدت البلاد فظاعات لم تشهدها سوى في الحروب الصليبية، وقرّر الغرب الذي تآمر قروناً حتى بلغ هذه اللحظة التاريخية، "لحظة هرمنا"، وجدّد شبابه، وأصدر أمراً بتوحيد المحرمات، لا حرام سوى حرام السياسة، مع أنه يؤمن بالثالوث المقدس في بلاده: وداعاً لحرمة الدين وحرمة الجنس. سيكون الأمر كما هو في الغرب، إن لم يكن اليوم، فغداً، أو بعد غد.
اغتنم الثور الأسود الفرصة، ثور السياسة والسلطان، المغذّى والمعلوف باللوز والسكر، وهجم على ثوري الدين والجنس، الأبيض والأحمر، نطحاً، يريد قتلهما، فكثرت المشاهد الفاضحة في المسلسلات العربية في أوقات الذروة، وبانت نحور مذيعات الأخبار، حتى يصير عمل الرئيس الوحيد، وهو استقبال الرئيس ووداعه للرؤساء مشهوداً ومحموداً.. والنحر يعني الذبح. ورأينا ممثلة في مسلسل اجتماعي هادف، تأمر فتأتيها خادمتها بثلاثة فحول من أبطال كمال الأجسام، فاختارت منهم واحداً. وكثرت الألفاظ الخادشة للحياء، وظهر نجوم مصارعة وغناء ورقص في بلاد الحرمين الشريفين، ومروا بمدائن صالح ضاحكين مسرورين، مطبلين مزمرين.
وخرجت فتاوى عجيبة في أم الدنيا، مثل: ترك الزوج زوجته لمغتصبها إذا خشي على نفسه الهلاك، وفتوى الراقصة الشهيدة، وفتوى "ذكية" من مفتي الديار المصرية تجيز رضاعة الكبير على أن يكون شرب الحليب من فنجان، وأبيح كذب المرأة على زوجها من أجل الاستفتاء (للرئيس طبعاً) وأجيز للمؤمن الانصراف من المعركة موليّاً دبره، إذا كان العدد أقل من النصف، وكأن العدو سيخبرنا بعدده وعتاده قبل المعركة! وغيرها من الفتاوى الضالة. وطالب إعلاميون غاضبون، وبرلمانيون منتخبون، بإعدام البخاري ومسلم، وكان ذلك يعني حملة جديدة لقتل الرسول عليه الصلاة والسلام، بعد حملة أبي جهل الأولى.
الغرب ذكي، ويزن الأمور بدقّة، كل شيء عنده يجري بالحساب، وسوى أنه يريد دائماً التقدم على الشرق، فهو يؤمن بقول مؤسس وحاكم الإمبراطورية المغولية، جنكيز خان: "لا يكفي أن أنجح، بل يجب أن يفشل الآخرون".
لقّم الغرب المعطيات والحسابات للعقول الإلكترونية، فأشارت عليه، فأصدر أمراً إلى مندوبه الحاكم العربي، بالتروي، وعدم قتل الثورين الزميلين، الأحمر والأبيض.. العِشرة لا تهون إلا على "ابن الحرام". الغرب يريد أن يكون الصراع "سكوب بالألوان".. ذبح الثورين الأسود والأبيض يكشف الخطة، وقد يفسدها.
الصداقة بين المحرمات الثلاث استمرت قرناً، تحت حكم العسكر في الدول العربية، وإن ظلَّ محرم السياسة أقدس من محرم الدين، فقد عُبث بالثور الأبيض وصار رمادياً وصغيراً مثل العنز، أما الثور الأحمر، فتحول إلى اللون الوردي، وقطع ذيله. ارتأى الغرب أنه من الأفضل تحويل الثورين إلى بقرتين بعملية تحويل جنس.. عمليات تحويل الجنس تلقى رواجاً كبيراً في الصحافة الغربية، ويعامل أبطالها معاملة رواد الفضاء، ونجوم السينما. بهذا التحويل سيتجنب ثور المُلك الأسود ثورة محتملة، ويحافظ على تنوع الألوان، ويعمّر الطاسة بكيف جديد، وبسط ونشيد، حتى الفجر الوليد. ستكون لثور السياسة الأسود العربي العسكري بقرتان في الزريبة، متحولتان جنسياً، ينزو عليهما في أوقات السفاد، وفي غير أوقاتها، ويأكل الجوز واللوز ويخلف العجول والعجلات. وتوتة توتة والحدوتة مستمرة بنجاح متواصل للقرن الخامس على التوالي.
ملاحظة: الأسد الذي أكل الثيران الثلاثة على التوالي حسب اللون، لم يظهر في الحكاية؛ لأنه يفضّل صدقة السرِّ، بعد الخبرات التي راكمها.. الأسد كناية عن الغرب العظيم المحب للسلام والحضارة.