أثار تقرير منظمة
"هيومن رايتس ووتش" بشأن ممارسات تعذيب، تقوم بها هيئة تحرير الشام، في
مناطق إدلب بالشمال السوري، تشبه أساليب النظام السوري، تساؤلات بشأن لجوء هذه
الجماعات للتعذيب في الوقت الذي خاض فيه السوريون ثورة، من أجل التخلص من تلك
الانتهاكات.
وقالت المنظمة الدولية
إن أحد المعتقلين "عُلِّق من عمود رأسا على عقب لساعات، أثناء الاستجواب.
ووصف آخر تم وضعه في غرفة فولاذية ضيقة جدا تشبه التابوت لثلاث ساعات".
وقال آخر: "إن
المحققين ضغطوا جسده كله داخل إطار مركبة وضربوه باستمرار" وهو أسلوب تستخدمه
أيضا أجهزة الأمن السورية، بحسب المنظمة.
ونقلت المنظمة شهادة
أحد المعتقلين، الذي قال: "أكثر ما يمكنك فعله هو تحريك كتفيك قليلا والصراخ
طالبا المساعدة. لكنهم لمرات عدة، قاموا بحشو الأشياء في فمي حتى لا أتمكن من
الصراخ، مثل كرة"، مضيفا: "كنت أفقد وعيي كثيرا".
وكان سبعة من
المحتجزين "ناشطين إعلاميين أو صحافيين شاركوا في المظاهرات أو غطّوها، أو
كانوا يعملون مع وسائل إعلام أجنبية".
وأشارت إلى أن جميعهم
أجبروا على التوقيع على تعهدات بعدم التصوير أو الحديث عن الهيئة في مناطقهم.
وكان نشطاء سوريون نشروا فيديو الشهر الماضي، قالوا
إنه مسرب من سجن "حارم" التابع لهيئة تحرير الشام، خلال تعذيب أحد
الأشخاص بالضرب المبرح وهو مقيد تماما.
وأظهر الفيديو سجينا مقيد اليدين والقدمين،
ومغطى رأسه، وهو يتعرض لضرب "وحشي" من قبل أحد الأشخاص بعصاة.
وأوضح ناشطون أن الفيديو التقط داخل أحد سجون
"تحرير الشام"، في مدينة حارم بريف إدلب، مشيرين إلى أنه السجن الأكبر
للهيئة وسط حديث عن اعتقال الآلاف من عناصر الجيش الحر والنشطاْء .
حالات فردية
الدكتور مروان شحادة
الباحث في الجماعات الجهادية، قال: إن "الظروف التي تعيشها سوريا والسعي
للانتقال من الثورة إلى الدولة يتسبب بحالة فوضى، وخلق أجواء تفتقد إلى العدالة
والحد والانتهاكات".
وأبدى شحادة
لـ"عربي21" تحفظه على تقرير هيومن رايتس ووتش، الذي قال إنه صادر عن جهة
تمثل وزارة الخارجية الأمريكية و"مواقف واشنطن معروفة بهذا الشأن" لكنه
في الوقت ذاته أشار إلى أن "احتمالية وقوع الانتهاكات في سجون هيئة تحرير
الشام، واردة لكنها تأخذ الطابع الفردي، وفق المعطيات المتوفرة" بحسب وصفه.
ولفت إلى أن العديد من
الأشخاص "يقعون ضحايا للتعذيب نتيجة الاشتباه بهم، وهناك حالات تعذيب بقضايا
ذات طابع أمني، لأن البيئة هناك في الشمال السوري فيها الكثير من الاختراقات، وتعد
ساحة نشطة لأجهزة استخبارات إقليمية ودولية".
وأضاف: "معظم
الفصائل والجماعات تمارس عمليات ضغط على الأشخاص المشتبه بهم، بذريعة أمنية وربما تلجأ
لانتزاع اعترافات، والحصول على معلومات بطرق قاسية".
ورأى أن المناطق
السورية تعيش حالة "مزرية تفتقد لكل المعايير الإنسانية، ولا تتسق مع القانون
الدولي، والانتهاكات تشترك فيها الفصائل والجماعات مع النظام السوري، وإن كانت
انتهاكات الأخير التي رآها العالم لا تقارن بغيرها".
إقرأ أيضا: "تحرير الشام" تنفذ اعتقالات لعناصرها الأجانب.. ما الدلالات؟
وشدد على أن الكثير من
الوقائع والانتهاكات في سجون هيئة تحرير الشام "لا يمكن التأكد منها، ومن
الممكن وقوع التعذيب فيها" لافتا إلى حملة الاعتقالات التي وقعت قبل أيام، في
المناطق التي خسرها فصيل نور الدين زنكي، بالشمال السوري.
وشدد على أنها "حالات
فردية لا يمكن القياس عليها، فضلا عن وجود محاكم شرعية بتلك المناطق يمكن اللجوء
إليها".
لكنه حذر من أن "تقبل
سكان تلك المناطق للهيئة والجماعات بشكل عام يتآكل، بفعل تلك الانتهاكات وحينها
يصبح الحكم تحت وطأة الحديد والنار بدلا من وجود قواسم مشتركة".
حديد ونار
من جانبه رفض عضو
الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني للمعارضة السورية ياسر فرحان، "تبرير
ممارسة التعذيب بالسعي لانتزاع اعترافات بشأن علاقة المتهمين بالتعامل مع النظام
السوري".
وقال فرحان
لـ"عربي21" إن "الثورة فيها قيم وتحمل أمانة الدفاع عن حقوق
السوريين ضد أي جهة كانت وهم خرجوا من أجل حريتهم" لكن في المقابل "ممارسة
التعذيب في سجون الهيئة يخلط الأوراق ويستغله النظام من أجل الإفلات من العقاب
والهروب من المساءلة أمام المحاكم إذا جاء وقت لمحاسبته".
وشدد على أن ممارسة
التعذيب لنزع الاعترافات من المشتبه بتعاونهم مع النظام وارتكاب مخالفات أمنية
"جريمة حرب وأمر غير مقبول حتى مع عملاء نظام الأسد"، وتابع: "يجب
اتباع إجراءات قانونية، وبما يتسق مع آدمية هذا الشخص، ويحقق معه وفق الأصول
القانونية ويحاسب على جرمه بشكل مشدد، وفق القانون دون انتهاك لانسانيته".
ورأى أن المعضلة
الأكبر في مناطق سيطرة الهيئة أنه "لا يمكن الوصول إليها وزيارتها من قبل
لجان حقوقية، للتثبت مما يجري فيها والتحقيق في صحة التقارير التي تتحدث عن
التعذيب وإخفاء الأشخاص" مؤكدا أن عدم تسهيل الوصول لتلك المناطق "يعد
بحد ذاته انتهاكا".
وأضاف: "عدم
إمكانية الوصول يمثل إشكالية لأنه يجعلنا نتعامل مع صندوق مغلق، واستمرار بقاء
الوضع يدفع نحو تصاعد الانتهاكات أو الكشف عن مصير من تشير التقارير إلى أنهم
مفقودون".
ولفت إلى أن المناطق
الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة، والحكومة المؤقتة في الشمال السوري، "أكثر
أريحية في المتابعة ومراجعة حالة حقوق الانسان فيها، وحتى مقرات الاحتجاز من
الممكن زيارتها من قبل لجان وهيئات حقوقية للاطلاع على حقيقة الوضع فيها".
لكنه في الوقت ذاته
شدد على أن ما مارسه نظام الأسد خلال سنوات الثورة السورية، "لا يمكن مقارنته
مع ما يقوم به أي فصيل أو جبهة وإن كانت كل الممارسات مرفوضة ومدانة، ويجب أن تخضع
المقرات للمتابعة الحقوقية للتقييم والمراجعة".
إقرأ أيضا: "هيومن رايتس" توثق تعذيب "تحرير الشام" بإدلب لمعارضيها
مصادر: عرض تركي لـ"الزنكي" لإحيائها بعفرين.. والأخيرة ترفض
ما هو موقع الأكراد في الحرب السورية؟
بعد سيطرتها على معظم إدلب.. هل تعيد "الهيئة" إنتاج ذاتها؟