نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط أندرو إنغلاند، يتساءل فيه عن سر النشاط الدبلوماسي القطري الجديد بعد 18 شهرا من الحصار.
ويلاحظ الكاتب ثقة متجددة يدعمها البترودلار، مشيرا إلى أن الدوحة استقبلت هذا الشهر زعيمين بحاجة للدعم المالي، ومنحت لبنان المحاصر 550 مليون دولار، واستقبلت محادثات بين حركة طالبان وحكومة أفغانستان.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن الخبير في شؤون الخليج في مؤسسة "تشاتام هاوس" في لندن، نيل كويليام، قوله: "بدأوا يلكمون من جديد.. رغم أنهم يواجهون خطوطا حمراء حول الأماكن التي يذهبون إليها، لكنهم تجاوزوا العاصفة وبالتأكيد يشعرون بالثقة".
وتقول الصحيفة إن الحزم المتجدد قاد قطر إلى ميادين ظلت الرياض ولسنوات طويلة اللاعب الخليجي الرئيسي فيها، لافتة إلى أن النشاط القطري يأتي في وقت أدى فيه الغضب الدولي في أعقاب مقتل جمال خاشقجي في إسطنبول العام الماضي إلى تشويه سمعة المملكة.
ويجد إنغلاند أن الرحلات الدبلوماسية المكوكية تعكس شعورا بأن قطر تجاوزت المرحلة الأسوأ من الحصار السعودي، الذي بدأ في حزيران/ يونيو 2017، عندما قادت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر حصارا كاملا، وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع قطر، بزعم دعم الأخيرة للإرهاب، فيما نظر إليها على أنها محاولة لإجبار قطر وبالقوة لوقف ما تقول هذه الدول إنه تدخلات الدوحة "الخبيثة" في شؤونها الداخلية وإضعاف علاقاتها مع إيران.
ويفيد التقرير بأن قطر، التي أنكرت التهم الموجهة إليها كلها، ظلت في العام الأول من الحصار تعمل بهدوء، وركزت على التصدي للأزمة الاقتصادية، وأعادت 30 مليار دولار من أرصدتها الخارجية لتساعد في استقرار النظام المالي، وبحثت عن شركاء جدد، وأنفقت بشكل واسع على شركات اللوبي في واشنطن لدعم قضيتها في البيت الأبيض والكونغرس.
وتشير الصحيفة إلى أن الدوحة تقوم مرة ثانية باستخدام مالها من أجل بناء علاقات، لافتة إلى أن قطر أعلنت في الأسبوع الماضي عن شراء سندات حكومية في لبنان بقيمة 500 مليون دولار، حيث يعاني البلد من أزمة مالية حادة.
ويلفت الكاتب إلى أنه من خلال القيام بهذه الخطوة فإن قطر دخلت ساحة ظلت ولسنوات محسوبة على السعودية التي استخدمتها للحد من تأثير من حزب الله وراعيته الإيرانية، مشيرا إلى أن السعودية أوقفت الدعم المالي لبيروت، في وقت تتنافس فيه الفصائل السياسية، بمن فيها حزب الله، على تشكيل الحكومة اللبنانية، في وقت يتدهور فيه الوضع المالي للبنان، إلا أن إعلان قطر غير المتوقع أدى إلى رد حاسم من المملكة التي وعدت بدعم لبنان و"بالطرق كلها".
ويذكر التقرير أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان زار الدوحة في اليوم ذاته، حيث حصل على تعهد من قطر برفع الحظر على استيراد الأرز الباكستاني، واستقبال 100 ألف عامل من بلاده، مشيرا إلى أنه جاء بعده الرئيس السوداني عمر البشير، الذي اختار قطر أول محطة لجولة خارجية له، التي أتت وسط تظاهرات يواجهها منذ الشهر الماضي، التي بدأت احتجاجا على غياب المواد الأساسية وتحولت إلى مطالب برحيله.
وتبين الصحيفة أن السودان وباكستان تحصلان على دعم من السعودية والإمارات، لافتة إلى أن السودان نشرت قوات لها لمساعدة التحالف السعودي الإماراتي في الحرب ضد الحوثيين في اليمن.
ويقول إنغلاند إن السعودية والإمارات تعدان أهم دولتين مؤثرتين اقتصاديا في الشرق الأوسط، وبعلاقات قوية مع إدارة دونالد ترامب، مشيرا إلى قول مدير المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن مايكل ستيفنز، إن المنطقة "انفتحت قليلا على قطر في أعقاب مقتل جمال خاشقجي"، وأضاف أن "عرض القوة السعودية لم يعد كما كان.. لو كنت قائدا سياسيا وتريد تعزيز حساباتك المصرفية فإنه يمكنك جعل هذه القوى تلعب ضد بعضها".
وينقل التقرير عن محلل خليجي، مطلع على تفكير منافسي الدوحة، قوله إن قطر أصبحت فاعلة، لكنها "نمر من ورق دون قوة جوهرية أو حقيقية"، وأضاف أن "العامل المشترك في كل هذا هو أن الدولارات لا تحمل نفوذا سياسيا أو تدخلا".
ويحسب الصحيفة، فإن الرياض وأبو ظبي تبديان قلقا من علاقات قطر مع إيران وتركيا، إلا أن الخلاف الخليجي – الخليجي أربك إدارة ترامب وأغضبها بسبب رفض الطرفين التنازل، لافتة إلى علاقة قطر القريبة مع تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، الذي تعده أبو ظبي والرياض مصدر إزعاج، وكذلك تقاربها من إيران، التي باتت قطر تعتمد على مجالها الجوي بسبب الحصار.
وينوه الكاتب إلى أن قطر تؤكد وجودها في غزة، التي تسيطر عليها حركة حماس، وأعلنت في تشرين الثاني/ نوفمبر، عن 150 مليون دولار لدفع رواتب الموظفين، وتحسين الظروف المعيشية في القطاع.
ويورد التقرير نقلا عن المسؤول الإعلامي في سفارة قطر في لندن ثامر آل ثاني، قوله: "تؤدي قطر دورا في التوسط لأنها تؤمن أن الدبلوماسية هي الطريق الوحية لمعالجة التحديات الأمنية في المنطقة"، وأكد أن "استقرار قطر والمنطقة مترابط".
وتنقل الصحيفة عن محللين، قولهم إن قطر تعلمت الدروس وستتصرف بنوع من الحذر، خاصة أن جيران قطر شكوا من محاولتها التغريد خارج السرب، وأنها تحاول الضرب فوق ما تستطيع، إلا أن الربيع العربي عام 2011، أدى إلى تراجع العلاقات بسبب الدور الذي قامت به في اليمن وليبيا ومصر وسوريا، وعلى تضاد مع السعودية والإمارات.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول ستفينز: "عندما لعبوا اللعبة السياسية فإنهم أخطأوا، لكنهم عادوا لما يعرفونه الآن، وضخ الغاز وتوليد المال ومصادقة الجميع.. أشك في أنهم يحاولون التدخل بشكل واضح في شؤون الدول الأخرى في أي وقت".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
التايمز: كيف كشفت مباريات كأس آسيا عن توسع الصدع بالخليج؟
بوليتكو: كيف ساعد الاتحاد الأوروبي قطر على تجاوز حصارها؟
فايننشال تايمز: هذه خطط MBC لتحدي Netflix